العدد 5216 - السبت 17 ديسمبر 2016م الموافق 17 ربيع الاول 1438هـ

متى سيتم تكريم العبادلة الثلاثة؟

يوسف مكي (كاتب بحريني) comments [at] alwasatnews.com

كاتب وباحث بحريني

منذ بدايات القرن العشرين حتى الآن، تمتعت البحرين بأجيال من التنويرين في مختلف مجالات الحياة. فكان هناك التنويريون من رجال التربية والتعليم، وكان هناك التنويريون في مجال الثقافة والفكر بمختلف تجلياتهما، كما وجد إلى جانب هؤلاء وأولئك رجالات التنوير في الاقتصاد والأعمال التجارية والمصرفية، هذا فضلا عن رواد العمل الاجتماعي والأهلي. ويضاف إلى كل هؤلاء، أولئك الرجال التنويريون الأوائل في العمل السياسي والنضالي، الذين كانوا ومازالوا مصدر فخر واعتزاز للبحرين.

وإذا كان معظم رجال التنوير قد تم الاحتفاء بهم بشكل أو بآخر، وهو شيء قليل بحقهم، فإن رجال التنوير في العمل السياسي والإصلاحي والنضالي طوال سحابة القرن العشرين، لم يحظوا بأي اعتبار أو تكريم من قبل الجهات الرسمية. ونصيبهم التجاهل والنسيان، ويتم التعامل مع تاريخهم وكأنه غير موجود، كما يتم التعامل مع أشخاصهم وكأنهم نكرات، في حين انهم كانوا في قلب الحوادث، بل من صانعي تلك الحوادث السياسية والتاريخية التي مرت بها البحرين خلال قرن من الزمان. هذا فضلا عن سجلهم الوطني المشرف، وطبعا القائمة طويلة. لكن من بين الشخصيات التي لا يمكن إغفالها أو تجاوزها عندما نكتب تاريخنا السياسي المعاصر أو نتحدث عن حوادثه، هي تلك الشخصيات التي لعبت دورا جوهريا في حراك 1954 – 1956؛ أعني العبادلة الثلاثة: عبدالرحمن الباكر، وعبدالعزيز الشملان، وعبدعلي العليوات. هؤلاء السياسيون كانوا ملء سمع العالم منذ حركة هيئة الاتحاد الوطني التي كانوا قادتها حتى خروجهم من السجن في جزيرة سانت هيلانة بالمحيط الاطلنطي التي قضوا فيها 4 سنوات من أصل 14 سنة، وتبرئتهم من التهم الموجهة اليهم في سنة 1960.

فرجال بهذا الحضور الوطني الطاغي في تاريخنا السياسي المعاصر، وبعد مرور أكثر من 6 عقود على دورهم السياسي التنويري، لا ينبغي أن يصبحوا في طي النسيان. فالأوطان والبلدان تحتفي وتتباهى برجالها ونسائها القادة في كل مجال. فمن باب أولى أن تحتفي وتحتفل بهولاء الذين بذلوا كل غال ونفيس من أجل شعوبهم. والعبادلة الثلاثة هم بالتأكيد من هذا الصنف. وهم الذين يجب أن يتبوأوا المكانة التي تليق بهم في ذاكرة الوطن وفي تفكير وذاكرة الأجيال الشابة.

لقد مثل هؤلاء العبادلة الثلاثة نموذج الذين يعملون من أجل شعوبهم، وبعيدا عن الانتماءات الفرعية، فكانوا رموزاً بحق وحقيقة في لحظة من اهم اللحظات التاريخية والمصيرية وكانوا بمثابة صمام الأمان لوحدة الشعب والوطن. لذلك كانت حركتهم شاملة عموم الوطن والشعب وقد أثبتوا أنهم قادرون على وأد الفتن التي تتربص بهم من أي نوع. وكانت حركتهم السياسية وطنية بامتياز.

ومع كل هذا الدور الاستثنائي الذي قاموا به خدمة لوطنهم، لم يتم لحد الآن الاعتراف بدورهم النضالي والتاريخي فيما وصلت اليه البحرين من تقدم. صحيح أن حركتهم لم يُكْتبْ لها النجاح، لكن ذلك لا يقلل من قيمتهم، ولا يقلل من مناقبهم الشخصية والانسانية ولا يبرر هذا التعتيم عليهم، وعلى حركتهم. فيكفيهم أنهم حركوا المياه الآسنة في هذا المجتمع، وطالبوا ببناء الدولة الحديثة على أسس ديمقراطية.

وأشخاص بهذا المستوى جديرون بالاحتفاء، وجديرون بالاحتفال بمآثرهم، وبتاريخهم الذي تركوه لنا. إنهم أهل للتكريم والتقدير منذ زمن، ومن قبل ليس الشعب فقط بل من الجهات الرسمية، ذلك أن هؤلاء هم جزء أصيل ومهم من تاريخ البحرين السياسي.

اذاً، فعبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان وعبدعلي العليوات ليسوا نكرات بل هم في وجدان شعب البحرين. ويبقى أن تعرف الأجيال الطالعة مَنْ هم هؤلاء العبادلة الثلاثة، وذلك عبر إدراج حركتهم في تاريخنا الوطني وفي مناهجنا، وإدراجهم كأشخاص وسِيَر في تواريخنا التربوية، هذا فضلا عن تسمية كثير من المعالم الحضارية بأسمائهم.

أيضا عندما نؤكد على أهمية الاحتفاء بالعبادلة الثلاثة، لا نقلل من دور الآخرين أو الاحتفاء بهم، إنما لاعتقادنا أن هؤلاء الثلاثة بقدر ما تحملوا الكثير من المعاناة والمسئولية الوطنية، فإنهم تعرضوا بالمقابل إلى غبن تاريخي يتعارض مع ما أنجزوه وقدموه لشعبهم. لذلك لابد من الاستدراك.

أجل إنهم يستحقون كل تقدير، وكل احتفاء، ورفع أي غبن وقع عليهم، ودون ذلك نصبح مع سبق الإصرار، متنكرين لهم ولدورهم في تقدم البحرين على مختلف الأصعدة، كما نصبح كمن يختار ما يعجبه من التاريخ، ويقصي بجرة قلم مالا يعجبه من التاريخ ذاته، وهذا النوع من التعامل الاستبعادي والاقصائي مع الاشخاص والاحداث والتاريخ ضرره أكثر من نفعه. عدا عن أن معرفة التاريخ على الحقيقة بما نحب ونكره هو حق للأجيال الشابة والمعاصرة. فهل نتصالح مع تاريخنا انطلاقا من تكريم العبادلة الثلاثة وإعادة الاعتبار لهم، أم نصرُ على النكران والتنكر؟

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"

العدد 5216 - السبت 17 ديسمبر 2016م الموافق 17 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:56 ص

      يكرمونهم على ويش؟ على تضييع الشعب.. كل اراد يظهر فيها والوقود الفقراء..

    • زائر 2 | 7:11 ص

      كانوا أربعة
      لماذا قصرت الموضوع على العبادلة الثلاثة !؟
      مع كل الاحترام والتقدير لهم جميعاً

اقرأ ايضاً