العدد 5243 - الجمعة 13 يناير 2017م الموافق 15 ربيع الثاني 1438هـ

في المجموعة تحطيم للأجناس... والعوالم الكابوسية لا تبدو كذلك

قصص «جنازة حب وأشياء أخرى» للإماراتي السبب...

غلاف المجموعة
غلاف المجموعة

تأخذني سيرة إصدارات الشاعر والقاص الإماراتي عبدالله السبب، إلى إنتاج وفير وعميق في أغلبه، يمكن إبراز شواهد له من خلال هذه القراءة الانطباعية. مجموعته القصصية «جنازة حب وأشياء أخرى»، في طبعتها الأولى للعام 2015، تكاد يتداخل فيها أكثر من جنس أدبي، على رغم أنها مجموعة قصصية إلا أن حضوراً للشعر لا يمكن للقارئ أن يغفله، وكأنه في تجاربه العديدة في هذا اللون الأدبي، لم يستطع أن يكون على مسافة بعيدة من الشعر الذي يجد فيه قدرة على تكثيف نماذج المكان والبشر في المُتخيل من الأعمال التي يكتبها، فهو واحد من الكتّاب الذين لم يجدوا أنفسهم في التجسيد التصويري أو التسجيلي المباشر، ذلك الذي يرتبط بالمكان الذي ينتمي إليه، ولهذا تكاد تكون أعماله منفتحة على الإنساني أكثر من المحلي، وللشعر دور في هذا الأمر.

لعل العمل الأول الذي يفتتح به المجموعة، والذي ستركِّز عليه هذه الكتابة، وجاء بعنوان «بوادر»، يؤكد ما ذهبتُ إليه من أن الشعر يكاد لا يفارق السرد، مع تلاعب ذكي يمس لغة السرد، وتكييف العوالم الفنتازية... الكابوسية أحياناً، التي تغلب على النص. حتى الزمن وحدوده وما يسير إليه يقوم عبدالله السبب بالتلاعب به، وهو يتناول المرآة... وكأن كل شيء مرتهن لتلك المرآة... الزمن يطلع منها، ويعود إليها. نفس المرآة التي نتفقدها كل صباح، وقد تحدّد درجة مّا في ارتياحنا أو ضجرنا.

فإضافة إلى قدرة «السبب» على تحطيم الأجناس، هناك عوالم كابوسية يكاد يقنعنا بأنها ليست كذلك. إنها ملازمة لنا ونتعامل معها ونصادفها ونتعرض لها بين حين وآخر. كأنه يريد أن يقول إن العالم الذي يبدو لنا مستقرا ومباشر، هو ليس كذلك في الجانب الآخر من الصورة. لهذا سنجد حتى الأوقات - كما أشرنا - تكون عرضة للتلاعب بها تسمية وتوظيفاً. كأنك تسمّي وقتك تبعاً لمكانتك منه.

نقرأ: «في المرآة نتجنّب وعورة السكوت ومشقة الكلام، وفي الليلة الماضية عشر، كانت المرآة وحدها جديرة بالابتهاج». وأيضاً و «الساعة الآن تشير إلى الرادعة لدغاً، والعزلة سيدة الطقوس. هو الوهم إذن... رفيق العزّل... بشير المتعبين». وكذلك «... الساعة الخاسرة هجراً، والمكان حاضنة الغبار. لا مناص... لا مناص...».

الشخصيات التي تطلع من القصة لها أسماؤها وملامحها الكابوسية أيضاً، لدينا «ابن أبي قذيفة»، وبعد استعراض الزمن والتلاعب به يكتب «أنت، أيها الفجائعي العتيق: ماذا دهاك... تشهر اصفرارك، وتردد نشيد الانشطار»؟! هنالك «صامت»... لتبرز المرآة بين حوار وآخر، وكأنها كائن يبصرنا لا أن نذهب إليه كي نبصره ويبصرنا.

القصة حوار لا ينقطع بين مجهولين تارة كما يبدو لنا، وبين معلومين تارة أخرى. بين جماعة، وأحياناً يبدو حواراً مع لا أحد. يمكن لأي منا أن ينظر إلى النص من زاويته، ابتداء من تشييء البشر وليس انتهاء بأنسنة الأشياء. كأنه حوار ابن أبي قذيفة مع نفسه، بل هو كذلك: «ألم أخبرك يا بن أبي قذيفة؟ الم أخطرك بأن من يحدّثك هو أنت»!!

لغة أنيقة دون أن يتعمَّد أناقتها. هي هكذا تسترسل مرة بدون منطقية الذين لا انسجام بينهم أساساً. مرة تأتي مليئة بالمنطق والحكمة وترابط الأفكار فيها.

«مضيت أنا المأخوذ على حين عثرة... مثل دودة موبوءة، وجدْتني ملقى بين أحضان هلاك فأرتطم بقطعة أزلية مبتلّة، كنت أبحث عنها في مجرة الوقت، بتحريض من رائحة الكافور، العالقة في قلبي المتوجع، وفي جثة أمي الصامتة، منذ عامي الثاني عشر، وحتى عمري هذا... بأعوامه، وأشهره، وأسابيعه، ولياليه، وساعاته، ولحظاته».

وكما أشرنا، يكاد الوقت... الزمن لا يفارق الحوار المسترسل، والذي لا يبدو أو لا يتضح أي رابط بينه، تماماً كما هو الأمر مع الأصوات التي تطلع من الحوار وكأن لا رابط بينها، بقدرة لغته الشعرية على الانعطاف به نحو أكثر من وجهة ومغزى.

«أجل: تجنّب وعورة السكوت، بدّد مشقة الكلام، اقرع طبول البوح، وشيّع جيوش التسوية».

ليعود إلى المرآة قبل نهاية النص أيضاً: «أجل: المرآة وحدها جديرة بالابتهاج».

إنها قصة أن تكون ملاذك الوحيد. أن تحدث نفسك عن كوابيسك والفرح... أن تكون أنت وسواك في نفس الوقت. ألَّا تتعامل مع العالم من حولك كما هو. ربما بشكل آخر، وبوقت آخر، تضع أنت تسمياته، وتراه من الزاوية التي وجدت نفسك محشوراً فيها... في هذا العالم، الكابوسي، الذي يبدو خلاف ذلك أيضاً في لعبة السرد. عبدالله السبب اسم مهم، وصوت لا يمكن تجاوزه في أي نظر إلى الإبداع الأدبي في الشقيقة الإمارات.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً