العدد 57 - الجمعة 01 نوفمبر 2002م الموافق 25 شعبان 1423هـ

تكريم لتاريخ أفغانستان القديم في متحف غيمي

نشأت فكرة اقامة معرض فني افغاني من الاستنكار العالمي لتفجير تمثالي بوذا العملاقين في باميان في شهر مارس/آذار 2001. ويشهد هذا المعرض الرائع في متحف «غيمي» في باريس لتاريخ الفن الافغاني القديم على غنى التراث الثقافي الاستثنائي القائم في وهدة الحضارات المنقرضة.

قدّم هذا المعرض الذي نظمه، أمين متحف غيمي في برشلونة بيير كامبون كصرخة احتجاج على همجية حركة طالبان وللبرهنة على ان بالامكان هدم تماثيل لكن من المستحيل محو تراث من بين الاغنى في العالم. صممت التظاهرة الباريسية التي دشنها الرئيس جاك شيراك ورئيس الادارة الافغانية بالوكالة حميد كرزاي خلال زيارته لفرنسا «كدليل على ارادة اعادة البناء» كما صرح مدير هذا المتحف الوطني للفنون الآسيوية جان فرنسوا جاريج.

وتكمن سخرية القدر في أن الكثير من التحف المعروضة، تم الحصول عليها بفضل سرقتها من متحف كابول والاتجار بها في سوق الفنون وانقاذها من الهدم الذي قامت به حركة طالبان. ومعظمها اعيد شراؤه من محلات باعة التحف من قبل جمعيات خاصة وهواة جمع تحف ومؤسسة يابانية حصلت على موافقة «الاونيسكو» بأن تشغل وضعية جديدة هي «ملجأ ثقافي للتراث الافغاني»، اعيرت الى متحف غيمي لفترة المعرض ومن ثم ستعاد إلى متحف كابول متى يولد من رماده.

ونجد بين التحف التي عثر عليها في لندن او في بيشاور صفائح عاجية من كنز بغرام (القرن الاول بعد الميلاد) اكتشفها العام 1937 عالم الآثار الفرنسي جوزيف هاكان. وهناك تحف عاجية اخرى وصلت إلى متحف غيمي على اثر الاقتسام الذي قررته العائلة الملكية في افغانستان بعد حملات التنقيب في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، مقابل العمل الهائل الذي قامت به الفرقة الفرنسية لعلم الآثار في افغانستان. كما اتاح هذا الوضع انقاذ الكثير من تحف التراث الافغاني من اعمال النهب والتخريب التي تمت خلال ربع قرن من النزاعات الدولية هناك.

ويلخص بيير كامبون تحت عنوان: «أفغانستان على مفترق آسيا» بأن هذا البلد كان «طيلة تاريخه، ان كان من الغرب او من الشرق، جزءا من الحلم وارض المغامرات ، والحدود الاخيرة او المرحلة الاخيرة قبل عالم جديد كان مجهولا حتى آنذاك». وكان بين الغزاة الذين عبروه او استقروا في جبال آسيا الوسطى، قورش الثاني والاسكندر الكبير بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد، ثم شعوب السيت الرحل (150 ق.م» والكوشان، ثم جنكيز خان العالم 1221 وتيمورلنك العام 1381. وبين غزوة واخرى استقرت البوذية على طريق الحرير في القرن الاول بعد الميلاد قبل ان تمتد نحو جنوب شرق آسيا، واصبحت باميان حيزا لعبادة البوذيين القادمين من الهند والصين. واتاح وصول العرب في القرن السابع اندماجا كبيرا في الاسلام.

تقدم 250 تحفة معروضة (اعيرت من متاحف كبيرة او من مجموعات خاصة) عرضت بشكل تأريخي من مرحلة ما قبل التاريخ وحتى العصر الاسلامي، تنوع وثراء الفن في بلد اصبح مع التاريخ فسيفساء من الاتنيات والثقافات والاديان، عرف تأثيرات كثيرة وجعل منها توليفا منسجما وفريدا.

منذ الواجهة الاولى، تسحر التماثيل الصغيرة المصنعة من الكلوريت والكلس والجفص من العصر البرونزي (حوالي الألف الثاني ق.م) التي عثر عليها في بكتريان، وهي عبارة عن شخصيات ذات اشكال هندسية، صنعت عيونها من حجر لازوردي، ووضعت عليها ألبسة مزينة بنقوش مجردة على شاكلة ألبسة ما بين النهرين، نجهل تماما معانيها.

اطلق تعبير «الاغريقي البوذي» على فن غاندره (في القرون الاول إلى الثالث ب.م) في منطقة بيشاور في باكستان، وهي عبارة عن تماثيل بوذا في هيئة تأمل مع ابتسامة وديعة، تفيض عذوبة حتى من عيونها المغلقة. أما نحوت الجص التي عرضت في باريس العام 1931 وعثر عليها في اديرة هادا البوذية (بالقرب من جالالآباد في افغانستان)، فقد اطلق عليها الكاتب الفرنسي والرحالة الكبير العاشق لحضارات آسيا، اندريه مالرو، مصطلح «القوطي البوذي» لأن تعابير الوجه على بعضها تذكر بتمثال «الملاك المبتسم» على كاتدرائية رامس. اما تمثال «العبقرية بالازهار» (القرن 3 إلى 4) الذي اشتراه مالرو في هادا واعارته ابنته إلى متحف غيمي فيعتبر واحدة من منائر المعرض.

وهناك تمثال آخر اعاره شخص سويسري يثير الحيرة، وهو عبارة عن رأس منحوت في قطعة رخام ابيض (القرن 2) وقد يمثل رأس الامير سيدهارتا، بوذا المستقبل ومؤسس البوذية في شمال الهند في القرن السابع ق.م. - بوذا ابوليني ذو فم مثير وشعر اجعد، مع خصلة شعر على رأسه - رائع على رغم الانف المهشم وبعين واحدة، وهو تمثال نادر في فن غاندره.

مثل الفن الاسلامي: «عصر المغول»، بالخزف وبتحف من البرونز المسكوب وسطل من النحاس المرصع بالفضة، اعاره متحف ارميتاج. وقد صنع في واحة هيرا، مدينة شهيرة بفنونها في القرن 15 ومنها مجموعة المنمنمات التي تمثل فن العيش المرفه في البلاط الاسلامي في عصر التيموريين.

اقيم المعرض في متحف غيمي «تكريما لمتحف كابول» وينتقل بعد باريس إلى طوكيو ثم تكسـاس

العدد 57 - الجمعة 01 نوفمبر 2002م الموافق 25 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً