العدد 5285 - الجمعة 24 فبراير 2017م الموافق 27 جمادى الأولى 1438هـ

المسجد والمركز الحيوي حول عين أبوزيدان

الأعمدة الخشبية التي تكوّن جزءاً من مسجد الخميس
الأعمدة الخشبية التي تكوّن جزءاً من مسجد الخميس

المنامة - حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

ذكرنا في الحلقة السابقة، أنه تم اكتشاف بقايا آثار مبنى في موقع تل الحسن، والذي ربما كان بقايا قصر بني في القرن التاسع الميلادي واستمر حتى القرن الحادي عشر الميلادي. وقد زين القصر بزخارف منقوشة في الجبس، تذكّر بطريقة النقش التي عثر عليها في بقايا آثار القصر الموجود في موقع قرية عالي المبكّرة. وقد تحول القصر في موقع تل الحسن إلى مسجد، ربما قرابة القرن الثالث عشر الميلادي، هذا، وقد عثر على بعض جدران المسجد المنهارة، إلا أنه لم يتم العثور على محراب للمسجد (Insoll 2005, pp. 89 - 90)، ولا يعلم، على وجه الدقة، أبعاد المسجد، كما لا يعرف إلى متى استمر المسجد، وعدد المرات التي رمم فيها، إلا أن هوية الموقع ارتبطت بالمسجد الذي عرف لاحقاً بمسجد الحسن.

يذكر، أن وجود مبنى ضخم أو قصر، ربما يمثل بيتاً لتاجر، لا بد وأن يتبعه وجود سوق محلية، بمعنى أنه منذ القرن التاسع الميلادي نشأ مركز حيوي حول عين أبي زيدان، وبالتالي فقد نشأت حول أو بالقرب من هذا المركز مناطق سكنية تابعة له. ومن الطبيعي أن تبنى المساجد، أو مسجد واحد بأقل تقدير، يكون قريباً من المركز الحيوي. للأسف، فإن نتائج التنقيبات في المواقع الإسلامية المبكرة، في عالي وباربار وحول عين أبي زيدان، لا تشير إلى وجود أي مسجد يعود للفترة الإسلامية المبكّرة، على رغم وجود تجّار وقصور ضخمة لها جدران مزخرفة بالزخارف التي تم نقشها على الجص، كما كانت هذه القصور تضم أشكالاً مختلفة من الأواني الفخارية والدالة على الغنى والرفاهية.

الجدير بالذكر، أن Diez، الذي زار البحرين في مطلع القرن العشرين، يرجّح وجود مسجد في البحرين يعود إلى القرن العاشر الميلادي، كما يرجّح أن هذا المسجد بني بنفس نمط المساجد التي بنيت في قصور سامراء التي بنيت في القرن التاسع الميلادي (Diez 1925). هذا، وقد بنى Diez هذه النظرية اعتماداً على أعمدة الساج التي عثر عليها في مسجد الخميس. فهل يعني هذا أن بناء مسجد الخميس يعود إلى القرن التاسع الميلادي؟

الزخارف السامرائية...

وهم أم حقيقة؟

في مطلع القرن العشرين، جزء من هيكل مسجد الخميس كان يتكوّن من أعمدة من خشب الساج، عبارة عن عمودين وعارضتين، وقد رجّح Diezأن غالبية هذا الهيكل الخشبي يعود إلى القرن التاسع أو العاشر الميلادي، وذلك اعتماداً على وجود زخارف عليها، شبيهة بزخارف مدينة سامراء والتي ظهرت في القرن التاسع الميلادي (Diez 1925)، كما أن أحد الأعمدة نقش عليه، بالإضافة للزخرفة، ثلاثة أسطر هي: «لا إله إلا الله محمد سول الله علي ولي الله» (Diez 1925, Kalus 1990, p. 26). وقد تم ترجيح أن زمن هذا النقش يعود إلى القرن العاشر الميلادي (Diez 1925). هذا، وقد رجّح Diez أن إحدى العوارض التي تكون الهيكل الخشبي لمسجد الخميس تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، فالزخارف التي نقشت عليها محلية وليست شبيهة بزخارف سامراء.

يذكر أن هذه العارضة الأخيرة لازالت موجودة في متحف البحرين الوطني، وحالياً، تعرض في مركز الزوار الذي أنشأ في موقع مسجد الخميس. هذا، وقد تم تحديد عمر هذه العارضة باستخدام طريقة الكربون 14، ووجد أنها تعود للقرن الثالث عشر الميلادي (Insoll et. al. 2016). واعتماداً على ذلك صاغ Insoll نتيجة مفادها أن كل الهيكل الخشبي لمسجد الخميس لا ينتمي للعصر العباسي (Insoll et. al. 2016). في واقع الأمر، أن هذه النتيجة لا تغير شيء من فرضية Diez، لان Diez لم يرجح أن هذه العارضة تنتمي إلى القرن التاسع أو العاشر الميلادي. ويبقى الجدل حول هذه الأعمدة الخشبية، هل تعود، حقاً، إلى القرن العاشر الميلادي؟ لا يوجد، حتى الآن، أي نقد حقيقي لفرضية Diez حول هذه الأعمدة الخشبية، وعليه، فهذه الفرضية ستبقى الفرضية الوحيد لتحديد عمر الأعمدة الخشبية.

بالطبع، إن إرجاع جزء من مبنى مسجد الخميس إلى القرن التاسع الميلادي، لا يعني بالضرورة أن بناء المسجد الأول يعود إلى تلك الفترة، فربما تم إعادة استخدام ذلك الجزء من مبنى آخر يقع في موقع آخر غير موقع بناء مسجد الخميس. ولكن تبقى حقيقة وجود مبنى لمسجد يعود إلى تلك الفترة في منطقة ما في البحرين، ربما بالقرب من مسجد الخميس، إن لم يكن في موقع مسجد الخميس ذاته. والسؤال، هل توجد آثار إسلامية مبّكرة في موقع مسجد الخميس.

موقع مسجد الخميس

اكتشفت في المنطقة المحيطة بمسجد الخميس آثار لعدد من المباني، وتشير النتائج الأولية إلى أن غالبية الفخار الذي عثر عليه في هذه المنطقة يعود إلى الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر، مع قليل من الفخار الذي يعود إلى القرن الثامن الميلادي (Insoll et. al. 2016)، (Carter 2005). يذكر أنه لم يتم العثور في هذه المناطق على فخار يعود إلى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وبالتالي، فإن المرجّح أن هذه المنطقة لم تكن جزء من المركز الحيوي الذي نشأ حول عين أبي زيدان في الفترة الإسلامية المبكّرة.

هذا، وقد تم العثور على العديد من القبور والأضرحة حول مسجد الخميس، ربما يعود بعضها إلى لفترة الإسلامية المبكرة، كما استمر ظهور القبور في الفترتين الإسلاميتين المتوسطة والمتأخرة (Kalus 1990)، (معراج 2012 - 2014، غير منشور). يذكر أن مسجد الخميس بني في القرن الثاني عشر الميلادي، بحسب نقش التأسيس، كما أنه لم يتم العثور على ما يشير أن المسجد بني في فترة سابقة لذلك (potts 2016).

الخلاصة، أن هناك مركزاً حيوياً مهماً نشأ حول عين أبوزيدان في الحقبة الإسلامية المبكرة، شبيهاً بتلك التي نشأت في كل من باربار وعالي، كما يرجح وجود مسجد، بالقرب من هذه المنطقة، بني بنمط المساجد التي كانت تبنى في سامراء في القرن التاسع الميلادي، إلا أننا لا نعلم موقعه بالتحديد. أما فيما يخص آثار المباني المحيطة بمسجد الخميس، فلا نعلم حول هويتها الكثير، فلم يكشف إلا عن جزء بسيط منها، ولم يعثر فيها على آثار تعود إلى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. أما المنطقة المحيطة بمسجد الخميس فقد كانت تستخدم كمقبرة ربما منذ الفترة الإسلامية المبكّرة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً