العدد 5285 - الجمعة 24 فبراير 2017م الموافق 27 جمادى الأولى 1438هـ

مسجد الخميس

يضم المسجد ستة نقوش تروي قصة إنشائه
يضم المسجد ستة نقوش تروي قصة إنشائه

مهدي عبدالله - قاص ومترجم بحريني 

تحديث: 12 مايو 2017

هذا الموضوع مقتبس بتصرف من كتاب «البحرين ترحب بكم» الصادر في العام 1970م وهو من تأليف ابن المستشار بلجريف، جيمس بلجريف.

أقدم بناء إسلامي باقٍ في البحرين وأحد الآثار الإسلامية العريقة في القدم في الخليج العربي هو مسجد سوق الخميس الذي يقع في وسط الأرض الخالية من الأشجار على بعد ثلاثة أميال من المنامة على الطريق إلى العوالي. وعلى رغم أن مئذنتيه التوأمتين غير العاديتين تعرفانه للزائر إلا أنهما بناء حديث نسبياً. والأعمدة المخربة والجدران التي تقع إلى الداخل من الجدار القليل الارتفاع هي كل ما تبقى من البناء القديم.

ولسنوات كثيرة ظل المسجد يتهاوى ببطء ولكن في العام 1950م قامت حكومة البحرين بعمل بعض الترميمات. والكتل الحجرية والأعمدة التي كانت ملقاة على الرمل تمت إعادتها إلى وضعها الأصلي وتم تطهير الأرضية من الشجيرات التي تنمو هناك وأصبح من الممكن الآن الحصول على فكرة أفضل عن الشكل والمظهر الأصليين للمسجد، وتبدو أهميته السابقة من دقة بنائه من الأعمدة الثقيلة والحجارة الكبيرة المنحوتة من محاجر البحرين، ويوجد عدد قليل من المساجد القديمة الأخرى بالبحرين التي بنيت بالدقة نفسها، أغلبها منشآت بسيطة من الخشب والطين شديدة الشبه بالمساجد التقليدية المفتوحة التي توجد ليومنا هذا في المملكة العربية السعودية.

ويختلف مسجد سوق الخميس عن هذه المساجد الأخرى في طراز فنائه الفخم، والمسجد نفسه محاط بجدار خارجي كان أصلا 27 ياردة عرضاً، 30 ياردة طولاً ولكنه الآن أصغر قليلاً مما كان، والمسجد من الداخل يتكون من ثلاثة بهوات على كل جانب من صحنه وأعمدة البهوات التي استبدلت بمعرفة حكومة البحرين بنيت من أحجار أسطوانية الشكل تشبه الطبل مقاسها قدمان في قدم وتتماسك مع بعضها بالمونة، وما زالت الواجهات ذات الأعمدة التي بصحن المسجد قائمة كما بناها منشئو المسجد.

ويتكون حائط القبلة (المحراب) من أعمدة عريضة وزخارف من أنصاف الأعمدة، وبحسب ما قاله «دياز» فإن الحائط المقوى المقام بالأحجار الكبيرة والذي يمكن رؤيته عند قاعدة أعمدة الصحن، قد تم إنشاؤه عندما أعيد بناء المسجد في القرن الخامس عشر، والحوائط الجانبية للصحن تتشكل من أعمدة مزدوجة في حين أن حائط المدخل أو الحائط الشرقي يتألف من أعمدة انفرادية، وقد عثر على اكتشاف مهم بينما كانت الحكومة تعمل في المسجد وهو عبارة عن قبرين يقعان أسفل الجدار الشرقي وكانا يشبهان المقابر التي في الجبّانة القديمة القريبة، ولم يكن اتجاههما نحو القبلة كمقابر المسلمين ولذا فإنه يبدو أن المسجد بني على جزء من الجبّانة القديمة. وتتصل أعمدة المسجد فيما بينها بمقرنصات مدببة، وكان السقف مدعماً بواسطة عمودين ضخمين ارتفاعهما 13 قدماً وعلى قمة كل منهما تاج عمود وقد نزع العمودان وتاجاهما من الجامع وهما في حوزة حكومة البحرين. ويبدو أنه بسبب ضعف العمود نسبيا لم يمكن إقامة السقف إلا من مادة خفيفة وعلى الأرجح من الخشب البغدادي أو سعف النخيل، وتغطيته بالطين.

ويقول دياز، إنه عندما زار الجامع في مطلع القرن الجاري (القرن العشرين) كانت هناك مخطوطات طويلة على حائط القبلة التي أنبأت أن المسجد وهو في آخر شكل من أشكاله بني في العام 740 هـ (1339-1340م)، وهذه اللوحة بالإضافة إلى بعض الكتل التي تحمل كتابات فوق حائط القبلة سقطت، وبينما أن بعضها ما زال في حيازة حكومة البحرين فإن الكثير منها قد اختفى.

في أسفل أعمدة الجدار الغربي بصحن جامع الخميس توجد بقايا لأحجار القبلة، وهذه سقطت أيضاً بسبب إساءة الإصلاح وذلك منذ زيارة دياز، لقد اختفى النصف الأعلى من كل حجر ولم يتمكّن الكاتب من أن يتتبّعها، ووجود هذه الأحجار وهي أحجار القبلة أمر غير عادي وموجودة في مسجد ابن طولون بالقاهرة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، وأحجار القبلة كانت تستعمل قبل إدخال نظام إقامة المحراب لتشير إلى اتجاه القبلة عند الصلاة.

والكتابة الموجودة على عمود من الخشب كان يدعم السقف يوماً ما واختفى هو أيضاً، وهي من المدة نفسها وحملت نقوشاً مشابهة للكتابة الموجودة على أحجار القبلة، والأعمدة الخشبية التي كانت بالمسجد فيما سبق حملت دياز على أن ينسب المسجد الأصلي إلى القرن العاشر أو الحادي عشر الميلادي. ومن الطريف أن نلاحظ أن هناك أعمدة خشبية من الطراز نفسه والزخرفة نفسها عثر عليها في مسجد سامراء في العراق أنشأه الخليفة المعتصم العام 836 ، والمسجد كانت له مدرسة أيضاً وبئر ملحقة به، وآثار البئر مازالت قائمة قريباً من المقابر شرقي المسجد نفسه.

وفي منطقة (البلاد القديم) الأقرب إلى مسجد سوق الخميس توجد كتابة أخرى قديمة في المسجد المعروف بمسجد الرفيع، وهي أيضاً منقوشة على حجر القبلة المثبت في الجدار الغربي للمسجد، لكن على رغم أنها مكتوبة بحروف كوفية إلا أنها لا تظهر بالجمال الذي تبدو به الكتابة الكوفية في مسجد سوق الخميس وقد يكون ذلك راجعاً إلى أن هذا المسجد كان أقل أهمية من مسجد سوق الخميس، وتحمل الكتابة أسماء سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وسيدنا علي، والسيدة فاطمة، والحسن والحسين. ومسجد بلاد القديم نفسه يبعث منظره على الأسى. وباستثناء الركن الجنوبي الغربي فالمنطقة مقفرة وتعمها الأطلال، وعلى هذا السهل من الأرض يوجد أيضاً مسجد أبوزيدان الذي بني فوق ينبوع سمي بالاسم نفسه، وقد اتمّت الحكومة ترميم هذا المسجد حديثاً وكثيراً ما يتردّد عليه أهالي المنامة وخاصة من النساء أثناء حفلات الزفاف.

ويوجد كثير من المساجد الأخرى في البحرين ولكنها حديثة العهد نسبياً والمساجد نفسها ليست لها أهمية معمارية كبيرة.

ومن الممكن اعتبار الكتابة الخطية أكثر الآثار الإسلامية أهمية في البحرين، وقد وجدت مبعثرة في أنحاء الجزر، وبعضها إما أن يكون من المتعذر قراءته أو يكون من نمط حديث جداً بحيث لا تكون له أهمية كبيرة، لكن يوجد القليل مما له بعض الأهمية.

وقد سبق أن تحدثنا عن مسجد سوق الخميس وكما هو متوقع في أقدم مسجد قائم في البحرين فإنه يضم عدداً من النقوش، وهي ستة: اثنان على حجر القبلة، وواحد على حجر يروي قصة إنشاء المسجد، وواحد على حجر آخر في ستة سطور من الكتابة، وقطعتان من حزام طويل كان يلف يوماً ما حول الجدار الداخلي لصحن المسجد، وقطعة طويلة عليها كتابة حديثة نسبياً وقد تحطمت الآن إلى ثلاث قطع.

وإذا اعتمدنا على الحالة الحاضرة لأحجار القبلة فإنه يكون من المستحيل فك خطوطها، لكن دياز ترك لنا صوراً فوتوغرافية تظهر أحجار القبلة في شكلها الأصلي، وتتضمن كتابات حجر القبلة ذكر أسماء سيدنا علي والحسن والحسين عليهم السلام، وحجر القبلة الآخر له أهمية أكثر لأنه يذكر كلمة (الدعوة) التي قد تكون جزء من (الدعوة الهادية) وهو الشعار الذي تتخذه الطائفة الإسماعيلية، وهم طائفة من المسلمين لهم معتقداتهم الخاصة، وكان القرامطة الذين طردوا من البحرين العام 1058م من الطائفة الإسماعيلية بينما استبدلت بالكتابة الكوفية المنقوشة على الأحجار في نهاية القرن كتابة بحروف النسخ، وهو الطراز الشائع اليوم في الكتابة العربية.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً