العدد 5307 - السبت 18 مارس 2017م الموافق 19 جمادى الآخرة 1438هـ

لا تفرّطوا بهذه الجواهر في أيديكم

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من شأن المجتمع الذي يتعرّض لضغوط مستمرة، معيشية أو اقتصادية أو سياسية، أن يزيد تماسكاً وتلاحماً ورحمة فيما بين أبنائه، ليبقى معافى على قيد الحياة.

ليس ذلك ترفاً وإنّما هو ضرورة، وهو ما تفرضه الحياة على الكائن البشري، وإلا فإن البديل هو الانهيار والسقوط. فليس أمام مثل هذه المجتمعات إلا التماسك والصمود والتحمّل حتى تنتقل إلى فضاء أرحب.

في الأسبوع الماضي، شهد مجتمعي الصغير عدة حالات وفاة، وفي هذا الوضع تزداد الحاجة لمزيدٍ من التلاحم والمواساة. وعصر يوم الجمعة، كنا نسير في موكبٍ نشهده لأول مرة، حيث تم تشييع سيدتين معاً من أبناء المنطقة، البلاد القديم، وفي الجوار نفقد شباناً وشابات موهوبين في مقتبل الأعمار. كان الحزن عاماً، ولكن كان بالمقابل التعبير عن التعاطف والحب كبيراً. كل من تلقاه يبادرك أو تبادره بكلمات العزاء.

هذه البيئة مازالت تحافظ على تماسكها الروحي ونسيجها الاجتماعي، وهي ميزةٌ يجب ألا تفرّط بها هذه المجتمعات. مثل هذا الدفء نادراً ما يوجد في هذا العالم البارد، المتحجر المشاعر، الذي لا يكترث لآلامك وأنت تتعرّض لأصناف من المحن والمعاناة. ولذلك يجب ألا يفرّط المجتمع بهذه الميزة، ويحافظ عليها لتبقى شعلةً تدفئ قلبه في هذا الصقيع.

ميزةٌ أخرى جميلةٌ في مجتمعنا البحريني، محافظته على اجتماع العائلة نهاية الأسبوع، حيث يلتقي الأبناء والبنات في بيت العائلة، بأمهاتهم وآبائهم، وأطفالهم، ليكون صلة وصلٍ بين الأجيال. لا تستهينوا بهذا اللقاء مهما كان قصيراً، ساعة أو بضع ساعات، واحرصوا على استمراره ما بقيتم على قيد الحياة. ففي هذا الاجتماع استمرار لوجودكم العائلي، وفيه صلة للأرحام التي أوصى بها ديننا الحنيف وأكّد عليها كثيراً نبيّنا الكريم (ص). ليس فقط لأنها تطيل في الأعمار، وإنّما أيضاً لأنها مصدر من مصادر السعادة، إذا ما عرفنا كيف نعيشها ونتذوّقها. ففي هذا الزمان أصبح الأبناء يعيشون بعيدين عنا، أكثر مما كنا نعيش بعيدين عن آبائنا، بحكم الفجوة بين الأجيال، والتي تتزايد أكثر وأكثر مع ما تفرضه علينا الأجهزة الرقمية الجديدة من قيمٍ وحالات انعزال. فاحرصوا على استمرار هذا التواصل للحفاظ على استمرار العلاقات الدافئة التي تشيع السعادة في قلوبكم، وتخفّف من مشاعر الوحشة وتساعدكم على مواجهة ضغوط الحياة.

قد يستهين بعضنا بهذا اللقاء الأسبوعي، وينشغل عنه بأية لقاءات أو أعمال، لكن حين نفكّر بعائداته، فإنها ترجح على أي عمل تجاري مع الشركاء أو لقاء ترفيهي مع الأصدقاء. لا تتخلّوا عن مصالحكم أو لقاءاتكم بأصدقائكم، فهي من مصادر العيش والسعادة أيضاً، لكن لا تفرّطوا باجتماعاتكم وأواصركم الأسرية، ففي هذه البيوت الطيبة ترعرعتم، ومن هذه القواعد انطلقتم في دروب الحياة.

أحد الأخوان كان يسأل عمّا قدّمناه للأم في عيدها، البعض كان يقدّم لها ملابس أو نقوداً، والبعض يقدّم عطراً أو وروداً، أو يصطحبها مع الأسرة إلى أحد المطاعم. وأحدهم قال: أما أنا فأزورها كل صباح، قبل التوجّه للعمل، أطبع على جبهتها قبلة حبٍ لا تضاهيها أية هدايا أخرى في الوجود. أدردش معها دقائق معدودة وأنزل معها إلى عالمها البسيط المحدود. أتزوّد منها بطاقةٍ متجددةٍ تبعث في نفسي الأمل، وأنا أودعها وهي تدعو لي عند الخروج بالسلامة والتوفيق. هل هناك سعادةٌ وانشراحٌ يمكن أن نحصل عليهما أكبر من ذلك؟ وهل هناك مفتاحٌ للأمل والتوفيق والنجاح يمكن أن نبدأ به يومنا أفضل من هذا المفتاح؟

احرصوا على استمرار العلاقات الأسرية والروابط الاجتماعية، لا تستهينوا بها ولا تفرّطوا فيها، فهي خيرُ معينٍ للمجتمعات التي تتعرّض بشكل يومي للضغوط السياسية والاقتصادية في هذا الزمان الكنود.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5307 - السبت 18 مارس 2017م الموافق 19 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 32 | 10:47 ص

      لازال مجتمعنا بخير ولله الحمد .. يا استاذ قاسم هذه الحيوية المجتمعية والالفة وجمعات الخير تثير البعض حنقا وحسدا وغيظا مكبوتا مريضا نشاهده ونسمعه ونراه في وسائل التواصل بشكل غير مسبوق
      نسأل الله الهداية

    • زائر 31 | 9:49 ص

      احسنتم بطرح هذا الموضوع .. ولكم جزيل الشكر والتقدير على كل موضوع طرح

    • زائر 30 | 9:46 ص

      الى جميع الاخوان والاخوات الذين فقدو الوالدين لاتتركو لمتكم يوم الجمعه يوم العائلي وان كان فى مشاكل انسوها ترى الدنيا ماتسوى ازعل من اخوى او اختى والله يهدى الجميع والله يرحم موتانا وموته المؤمنين والمؤمنات ..

    • زائر 29 | 9:06 ص

      بارك الله فيك وفي قلمك الناصح الامين ووفق ربي لكل خير وصلاح

    • زائر 24 | 4:14 ص

      أحسنت سيدنا
      وأسأل الله ان يحفظ والدي ويغفر لهما ويرحمهما كما ربياني صغيرا

    • زائر 18 | 1:14 ص

      الله يحفظ امي وجميع الأمهات ❤️

    • زائر 16 | 12:40 ص

      اللهم أرحم أمهاتنا و آبائنا الماضين واحفظ الباقين و أسعدهم في الدنيا و الآخرة.

    • زائر 15 | 12:35 ص

      عندما رحل الوالد العزيز السيد المحبوب عند الجميع حسينا باننا فقدنا جناح الدعاء والشفقة علينا رحمك الله يا ابي ابو سيد سلمان،،،

    • زائر 13 | 12:28 ص

      تبا للزوج و الزوجة وليذهبا إلى الجحيم وأهم مخلوقين هما الوالدين .

    • زائر 17 زائر 13 | 12:57 ص

      نايبه !!! تبن عاد

    • زائر 20 زائر 13 | 1:50 ص

      دام دا كلامك خلك عزوبي ولا تتزوج

    • زائر 22 زائر 13 | 2:26 ص

      انزين امك وأبوك زوج وزوجة ويش هالحالة

    • زائر 26 زائر 13 | 4:38 ص

      جيفه انت مو زوج؟ ولا زوجة؟ بل بل بل تباً مرة وحده عاد؟ لا لا لا ما يجوز هالكلمة يا ولدي أو يا بنتي.

    • زائر 11 | 12:25 ص

      .... , والدليل على ذلك استمرار الحياة على الأرض وتطورها ونموها على الرغم من الخلافات والصراعات والحروب .
      للامانة منقول بتصرف

    • زائر 8 | 12:18 ص

      الحمد لله كل اسبوع نجتمع في بيت العائلة مع الوالدة الله يحفظها في البيت العود ويحفظ امنا البحرين وينعم علينا بنعمة الامن والامان والاستقرار

    • زائر 7 | 12:18 ص

      احسنت سيدنا جزاك الله كل خير

    • wessam abbas | 12:15 ص

      مبدع دائما ياصديقي
      وسام

    • زائر 27 wessam abbas | 6:46 ص

      والداي متوفيان منذ أكثر من عشرة أعوام ولازلناالاخوة والأخوات نلتقي في بيت الوالد أسبوعيا وفي المناسبات الدينية رمضان والأعياد وعاشوراء. ووضعنا ميزانية خاصة بتجمعاتنا الكل يساهم فيها والحمدلله جميعنا متحابين .بجمعتنا .رحم الله والدينا

    • زائر 4 | 11:04 م

      احسنت

      أحسنتم سيدنا وبارك الله فيكم، فعلا هذا ما تبقى لنا في هذا الزمن الردئ

    • زائر 3 | 10:47 م

      عظم الله اجوركم وأحسن لكم العزاء في هذا الوطن الجريح

    • زائر 2 | 10:25 م

      الاعمار بيد الله سبحانه اما الوالدين يجب المحافظه علي رضاهم بدال رضا الزوجه

    • زائر 5 زائر 2 | 12:03 ص

      يجب السعي خلف رضا الوالدين بدل رضا الزوج

    • زائر 12 زائر 2 | 12:26 ص

      حتي الموت تسيسونه سويتوه خطا طبي وسبب ترك الوالدين لان اغلب الرجال صارو في يد زوجاتهم

    • زائر 19 زائر 12 | 1:49 ص

      قصدك لان الرجال فيهم عقوق ونكران لجميل الابوين عكس النساء بارين بوالدينهم قبل زواجهم وبعد زواجهم

    • زائر 21 زائر 2 | 2:02 ص

      تتكلمون وكأن الزوجه جايه من الشارع مو متربيه في بيت وعزيزه عند اهلها ومحد قال لك تعصي امك وابوك احترمهم وقدرهم وقوم بواجبك معاهم بس بنت الناس مو لعبه هي بعد رب العالمين عطاها الكرامه تعلمو من الامام علي (ع) لو بس احتفالاتكم بأهل البيت شو وفشار

    • زائر 25 زائر 21 | 4:25 ص

      شوفي اختي كلامش صحيح مئة بالمئة وهالشي لازم يصير خاصة اذا كانت الزوجة مثل ما ذكرتين لكن اذا كانت العكس ما ليها الا تكسير الراس
      انا عمتي والله سليطة لسان مو ادمية حتى الوالد وعمومي يقولون هادي ماادري من وين جاية والله لو ما زوجها كسر راسها وقطع اجنحتها جان سوت بيتهم مزبلة لكن زوجها رجال بحق ما يرضى على امه وابوه يعجبني دائما اقول زين يسوي كسر راسها عدل وكسر شوطتها تجي تنشر شرها في بيت جدي ههههههه مو مفتكين منها فصدقيني مو كل زوجة ادمية وبالمقابل الرجل ايضا مو كل زوج ادمي يعتمد

    • زائر 1 | 10:01 م

      الغريب أن البعض يشمت على موت من لايودهم مع أنهم يحبون له الخير و كأنه بعيد عن هذا المصير
      فإن نهزِمْ فهزّامـون قدمـا وإنْ نُهْـزَم فغير مهزّمينـا
      فقل للشامتين بنا أفيقـوا سيلقى الشامتون كما لقينا
      إذا ما الموت رُفِّعَ عن أناسٍ بكلكلـهِ أناخَ بآخرينـا

اقرأ ايضاً