العدد 71 - الجمعة 15 نوفمبر 2002م الموافق 10 رمضان 1423هـ

باكستان تحتفل بفيلسوف الإسلام محمد إقبال

احتفلت باكستان حديثا بشاعر وفيلسوف الاسلام محمد اقبال وهو من الشخصيات التي لاقت اهتماما عظيما، وكُتبت عنها كتابات كثيرة في العصر الحديث. شاعرنا «محمد إقبال» هو المناضل بالكلمة والرأي والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، وفي سبيل الدعوة الاسلامية، فهو صاحب اكبر مدرسة شعرية في الهند. يقول الشيخ أبوالحسن الندوي: «لا اعرف شخصية ولا مدرسة فكرية في العصر الحديث تناولها الكتاب والمؤلفون والباحثون مثلما تناولوا هذا الشاعر العظيم»

وجاء في مقال في «مهرجان اقبال»، الذي انعقد في مدينة «لاهور» تحت اشراف حكومة باكستان، «ان عدد ما صدر عن اقبال من الكتب والرسائل في لغات العالم قد بلغ ألفين، ما بين كتاب ورسالة، هذا عدا ما نشر عنه من بحوث ومقالات».

المولد والنشأة

هو اقبال ابن الشيخ نور محمد، كان ابوه يكنى بالشيخ تتهو (أي الشيخ ذي الحلقة بالانف). ولد في سيالكوت احدى مدن البنجاب الغربية في الثالث من ذي القعدة 1294 هـ الموافق 9 نوفمبر/ تشرين الاول 1877م وهو المولود الثاني من الذكور.

أصل اقبال يعود إلى اسرة برهمية، اذ كان اسلافه ينتمون إلى جماعة محترمة من الياندبت في كشمير، واعتنق احد اجداده الاسلام في عهد السلطان زين العابدين بادشاه (1421 - 1473). ونجده يصف اصله فيقول: «ان جسدي زهرة في حبة كشمير، وقلبي من حرم الحجاز وأنشودتي من شيراز».

رحلته في طلب العلم

بدأ محمد اقبال تعليمه في سن مبكرة على يد ابيه، ثم التحق بأحد مكاتب التعليم في سيالكوت، وفي السنة الرابعة من تعليمه رأى ابوه ان يتفرغ للعلم الديني، ولكن احد اصدقاء والده لم يوافق، وانتقل اقبال إلى الثانوية.

بدأ اقبال في كتابة الشعر في هذه المرحلة المبكرة، فكان ينظم الشعر في بداية حياته بالبنجابية، ولكن أحد اساتذته وجهه إلى النظم بلغة الاردو، وكان اقبال يرسل قصائده إلى ميرزا داغ دهلوي - الشاعر البارز في شعر الاردو - حتى يبدي رأيه فيها، وينصحه بشأنها وينقحها، ولم تمض إلا فترة بسيطة حتى قرر داغ دهلوي ان اشعار اقبال في غنى تام عن التنقيح. أتم اقبال دراسته الاولية في سيالكوت، ثم بدأ دراسته الجامعية بجامعة البنجاب 1891م، التي تخرج فيها وحصل منها على اجازة الآداب 1897م، ثم حصل على درجة الماجستير 1899م، وحصل على تقديرات مرموقة في امتحان اللغة العربية في جامعة البنجاب.

تلقى اقبال دراستة الفلسفية في هذه الكلية على يد الاستاذ الكبير توماس آرنولد، وكان استاذا في الفلسفة الحديثة، وحجة في الآداب العربية والعلوم الاسلامية واستاذها في جامعة لندن.

وبعد ان حصل اقبال على الماجستير عين معيدا للعربية في الكلية الشرقية لجامعة البنجاب، وحاضر حوالي اربع سنوات في التاريخ والتربية الوطنية والاقتصاد والسياسة، وصنف كتابا في «علم الاقتصاد». لم يصرف التدريس محمد اقبال عن الشعر، بل ظل صوته يدوي في محافل الأدب وجلسات الشعر.

كانت اول قصيدة له بعنوان: «انه يتيم»، التي ألقاها في الحفل السنوي لجماعة «حماية الاسلام» في لاهور، وقد استقبلت القصيدة استقبالا حسنا، الامر الذي دعاه إلى ان ينشد في العام التالي وفي الحفل السنوي للجماعة نفسها قصيدته «خطاب يتيم إلى هلال العيد». بعدها سافر اقبال إلى لندن في الثاني من سبتمبر/ أيلول 1905، ليكمل تعليمه فاتجه إلى كمبريدج والتحق بجامعتها، اذ درس الفلسفة على يد استاذ الفلسفة مك تكرت، وحصل على درجة في فلسفة الاخلاق وتأثر بأستاذه مك تأثرا واضحا.

رحلاته إلى العالم الغربي والعربي

غادر اقبال لندن إلى القارة الاوروبية وزار عددا من بلدانها، وكان في كل اسفاره يعمل على نشر الاسلام، وأثر بشعره وأسلوبه في كثير من الاوروبيين.

ومما قاله في قرطبة اثناء زيارته:

لحورية الغرب وجه جميل

وجناتها أذنت بالرحيل

على العين والقلب كن ذا حذر

سماؤك فيها جمال القمر

- ويقصد بحورية الغرب هنا قرطبة

ومن أقواله في مسجد قرطبة:

نسيمك عذب رقيق الهبوب

أيا جامعا فيك جمع القلوب

أيا جامعي خصني بالنظر

أنا المؤمن الحق فيمن كفر

لكم حسن شوقا لرب العباد

وإيمانه زاد دوما وزاد

وهذه القصيدة يضعها بعض الباحثين بين روائع الادب العالمي.

زار اقبال افغانستان على اثر دعوة وجهها إليه نادر شاه، ملك افغانستان، ومر في احدى رحلاته على مصر، وقابل بعض شبابها واعجب بشاب مصري، ويقال: ان الشاب فرح جدا عندما علم ان اقبال مسلم ويقرأ القرآن، وقيل: ان اقبال لبس الطربوش بسبب المحادثة التي دارت بينه وبين هذا الشاب. ويذكر الاستاذ ابوالحسن الندوي انه زار فلسطين في سنة 1931، وكان مما قاله وهو في فلسطين:

ولما نزلنا منزلا طله الندى أنيقا

وبستانا من النور حاليا

أجد لنا طيب المكان وحسنه

مني فتمنينا فكنت الأمانيا

وفي المانيا نال الدكتوراه على بحث له بعنوان: «تطور الغيبيات في فارس». وعقب عودته من المانيا التحق بمدرسة لندن للعلوم السياسية، وحصل منها على اجازة الحقوق بامتياز.

عودته إلى وطنه

عاد اقبال إلى شبه القارة في شهر يوليو/ تموز 1908م بعد ان قضى مدة في اوروبا ما بين دراسات علمية وزيارات لدول عربية واسلامية، افادته في التدرب على منهج البحث والالمام بالفلسفة الغربية. مكث في لاهور، وقدم طلبا لتسجيله محاميا لدى القضاء الرئيسي، وتم تسجيله بالفعل. في مايو/ أيار 1909 عين استاذا للفسلفة في كلية لاهور، ولم توافق المحكمة في اول الامر على ان يتولى منصبين في الحكومة، ولكنها في نوفمبر 1909م وافقت على تعيينه، وصدر قرار تحت عنوان: «الموافقة على تعيين محام في المحكمة أستاذا مؤقتا في كلية الحكومة» وكان ذلك استثناء لاقبال.

واستمرت هذه الثنائية حوالي عامين ونصف عام، استقال بعدها من العمل بالتدريس، ليكون اكثر تفرغا للمحاماة. لم يعتزل اقبال التدريس نهائيا، اذ كان يتابع المؤتمرات والاجتماعات التي كانت تعقدها الجامعة، اذ كان له دور واضح في اصلاح حال التعليم في بلده في هذا الوقت.

دوره في الحياة السياسية

يعد اقبال من المجاهدين الذين دعوا إلى انشاء امة مسلمة في شبه القارة الهندية وصاحب نظرية «امتيين» اذ لا يمكن للشعب المسلم العيش في كنف الامة الهندوسية التي بطشت بالمسلمين، وكان له دور في نشوء دولة باكستان التي انفصلت عن الهند لتشكيل دولة مسلمة مستقلة عن براثن الحكم الهندوسي.

مرضه واعتزاله المحاماة

اجتمع المرض على اقبال في السنوات الاخيرة من عمره، فقد ضعف بصره وكان يعاني من آلام وازمات شديدة في الحلق، ما اضطره إلى اعتزال مهنة المحاماة، وفكر في ان يقصد فيينا طلبا للعلاج إلا ان حالته المادية لم تسمح بذلك، وتدخل صديقه رأس مسعود، اذ اقترح على يهوبال الاسلامية ان تمنحه راتبا شهريا من اجل اطفاله الذين مازالوا صغارا وحدث ذلك بالفعل واستمر الراتب حتى بعد وفاة اقبال.

اثناء مرضه هذا واعتزاله المحاماة ماتت زوجته الثالثة في مايو 1935 ثم مات صديقه العزيز رأس مسعود، ومن العجيب ان اقبال وسط هذه المحن والكرب لم يتوقف عن ممارسة نشاطه السياسي، بل ولم يتوقف عن الابداع وكتابة الشعر.

وفاته

في 21 ابريل/ نيسان 1938 فاضت روح اقبال إلى بارئها، وكان يوما عصيبا في حياة جماهير الهند عموما والمسلمين منهم خصوصا، فعطلت المصالح الحكومية، وأغلقت المتاجر ابوابها واندفع الناس إلى بيته جماعات وفرادى، ونعاه قادة الهند وأدباؤها من المسلمين والهندوس على السواء. ويقول عنه طاغور - شاعر الهند:

«لقد خلفت وفاة اقبال في ادبنا فراغا اشبه بالجرح المثخن الذي لا يندمل إلا بعد امد طويل، ان موت شاعر عالمي كإقبال مصيبة تفوق احتمال الهند التي لم ترتفع مكانتها في العالم».

آثاره ومؤلفاته

ترك اقبال ثروة ضخمة من علمه قلما تركها احد مات في مثل سنه. ومن آثاره - او ما وصل إلينا منها -: عشرون كتابا في مجال الاقتصاد والسياسة والتربية والفلسفة والفكر، وترك ايضا بعض الكتابات المتفرقة إلى جانب روائعه من الشعر

العدد 71 - الجمعة 15 نوفمبر 2002م الموافق 10 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً