العدد 5325 - الأربعاء 05 أبريل 2017م الموافق 08 رجب 1438هـ

إلى أين تشدون الرحال؟ التيار الديمقراطي الوطني في محاولاته الخروج من الشرنقة

يوسف زين العابدين زينل comments [at] alwasatnews.com

-

أحداث فبراير/ شباط 2011 أوقعت الجميع في أزمة طاحنة، فبعد نحو عقد من الزمان على بداية عهد الإصلاح السياسي الذي دشنه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بمجموعة من المبادرات والإجراءات التي أنهت أمن الدولة وحدوث انفراجات كبيرة في سماء البحرين، وبداية تشكل ملامح مرحلة جديدة في العمل السياسي، تأتي رياح «الربيع العربي» لتعصف بالبحرين وترجعنا إلى مربع البداية، تاركين وراءنا ما تحقق من إنجازات ومكاسب كانت حصيلة نضالات طويلة وشاقة للحركة الوطنية والتقدمية، التي قادت جماهير الشعب منذ حركة هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات مروراً بالستينات، وتحقق الاستقلال الوطني في مطلع السبعينات، وتجربة المجلس الوطني التي لم يرد لها أن تستمر طويلاً، وانحسار الحركة الوطنية التقدمية بعد الضربات الشديدة التي تعرضت لها من قبل جهاز «هندرسون» أثناء حقبة أمن الدولة، وغياب الديمقراطية التي امتدت لما يقارب من ربع قرن من الزمان. ومع بداية مشروع الملك حمد للإصلاح السياسي جرت بعض المحاولات للملمة التيار الوطني التقدمي في بوتقة واحدة إلا أن الأنانيات الحزبية الضيقة، وتباعد المنطلقات والمواقف والرؤى أدت إلى ظهور الجمعيات السياسية الثلاث (وعد والتقدمي والقومي) امتداداً لتنظيماتها السياسية (الشعبية - التحرير - البعث)، دون الانصهار في بوتقة واحدة، ولاحتى الاتفاق على آليات لتوحيد وتقريب المواقف.

وخلال الفترة منذ انطلاق المشروع الإصلاحي، ولغاية أحداث فبراير 2011 كانت درجات الانسجام في المواقف، والتنسيق بين هذه الجمعيات الثلاث تتقارب وتتباعد حسب الموقف من تجليات المشروع الإصلاحي. ففي الوقت الذي أجمعت كل القوى السياسية بما فيها جمعيات التيار الديمقراطي الوطني على التصويت بنعم للميثاق، فقد حدث خلاف شديد في الموقف من المشاركة في الانتخابات البرلمانية في العام 2002، حيث لوحظ قبول التقدمي والقومي بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية والبلدية، فيما قاطعت (وعد) الانتخابات مبتعدة عن مواقف شقيقتيها (التقدمي والقومي) ولم تقتنع بالمشاركة إلابعد مرور أربع سنوات عجاف، خلالها أحست بأنها بعيدة عن لعب دور فاعل في الحياة السياسية في البحرين، وأنها أدخلت نفسها في عزلة تامة، فكانت المشاركة في انتخابات 2006. ومع بداية هبوب رياح «الربيع العربي» لم تتمكن جمعيات التيار الوطني الديمقراطي من بلورة موقف موحد ومتميز عن تيارات المعارضة الأخرى من الحوادث، ولم تتمكن من لجم الاتجاهات المتشددة والمتطرفة في تيار المعارضة المنادية أو حتى إبداء النصح لها، بل وخلق ائتلاف آخر أكثر واقعية وأكثر موضوعية، ربما بسبب قوة التيار الجارف، وقوة المؤيدين داخل هذه الجمعيات الثلاث لقوى التشدد في الساحة، حتى انقادت القيادات لمثل هذا التوجه بوعي (أو بدون وعي وإرادة) وحدث ما حدث، ودخلت البلاد في وضع معقد وملتبس، وظلت جمعيات التيار الوطني الديمقراطي، تتلمس الطريق بحثاً عن طريق للخروج الآمن من أزمتها الداخلية، وإيجاد حلول لأوضاعها الداخلية المتضعضة، ولملمة شمل أعضائها لتجاوز أرهاصات ونتائج فبراير 2011 التي أربكت وأرهقت الجميع.

لقد مرت البحرين بعد حوادث فبراير 2011 بفترات عصيبة اتصفت بالتوتر الشديد، وزيادة جرعات العنف والعنف المضاد على خلفية ما حدث في الدوار، ولجوء الدولة إلى إجراءات أمنية مشددة، استهلكت الكثير من الموارد المالية والطاقات البشرية، والتي تركت جروحاً غائرة في وجدان الكثيرين، فيما وقعت في صفوف الطرفين وبنسب متفاوتة، وقعت خسائر بشرية ومادية ومعنوية كبيرة، واستمر هذا الوضع ومازال بين مد وجزر. كما جرت خلال بعض المنعطفات في تلك الفترة محاولات أهلية للملمة الوضع، وفتح قنوات للحوار المجتمعي بين الفرقاء لم تؤدِ إلى نتيجة تذكر؛ بل ذهبت كثير من الجهود الوطنية الخيرة أدراج الرياح.

وفي الجانب الرسمي نجحت الدولة في تنظيم حوار حسب مواصفاتها وحدود قبولها للحد الأدنى من المطالب، والخروج بالتوصيات الكثيرة التي قادت إلى تعديل بعض مواد الدستور في العام 2012، لكن ذلك لم يلق قبولاً من معظم أطراف المعارضة المنضوية تحت لواء الجمعيات الخمس آنذاك بقيادة جمعية الوفاق. ومن المفيد ذكره هنا أن جمعيات التيار الديمقراطي سعت بشكل متفاوت (وعلى استحياء وخجل) إجراء مراجعة لما جرى في قراءة جديدة للوضع؛ لكنها وللأسف الشديد ظلت أسيرة خطابها القديم، ولم تتمكن من الخروج عن الإجماع المقدس للجمعيات الخمس، فولجت أكثر وأكثر في شرنقة المواقف المتزمتة والمتشددة إرضاء للخط غير العقلاني، ولجمهور الشارع الذي كان يقود الجميع إلى التهلكة، هنا أدركت أقلية من الحكماء في هذه الجمعيات الثلاث (بدأها الديمقراطي ثم القومي وأخيراً وعد) بأنه لابد من التقاط الفرصة، وأخذ المبادرة ضمن قراءة جديدة للملمة التيار الديمقراطي لإخراج البلد من الوضع القائم والمتشرذم اجتماعياً، بعد سجال امتد لثلاثة أعوام بين أقطاب هذا التيار، تمخض عن مبادرة إيجابية لفتح حوار بناء بين مجموعة من الشخصيات الوطنية المشهود لها بالنزاهة، وحب الوطن، والفكر النير، وبين هذه الجمعيات في إطار مبادرة تضمنتها مسودة وثيقة متوافق عليها بين هذه الجمعيات الثلاث أطلق عليها «مسودة وثيقة التنسيق بين أطراف التيار الوطني الديمقراطي في البحرين». وبالفعل دعت اللجنة التنسيقية لاجتماعات لمجموعات مصغرة من هذه الشخصيات للاستماع إلى وجهات نظرها ومرئياتها تجاه الموضوع وتجاه الوثيقة، على أن يصار إلى جمع الملاحظات ومناقشتها وغربلتها، وربما الخروج بوثيقة أخرى أكثر قبولاً من الجمهور الواسع للتيار الوطني - الديمقراطي.

ولا بد هنا من التوقف لإبداء بعض الملاحظات على الوثيقة المقدمة من جانبين، الأول يتعلق بمحتوى هذه الوثيقة ومنهجيتها وصياغتها الفنية، والثاني يتعلق بمآل هذه الوثيقة وآليات ونهج عمل التجمع.

الجانب الأول: محتوى الوثيقة ومنهجيتها وصياغتها الفنية: 1- ماذا تريدون من هذا التجمع؟ يشير العنوان إلى «وثيقة التنسيق بين أطراف التيار الوطني» فهل يدور الحديث هنا عن تأطير تيار ديمقراطي واسع مطلوب استقطابه، للعب دور فعال في عملية الانتقال السياسي كبديل مقبول لقوى التشدد والتخلف أم أن الحديث يدور عن شكل من أشكال التنسيق بين الجمعيات الثلاث في إطار تجمع، يخدم أهداف آنية إرضاء لبعض القواعد ولغايات حزبية ضيقة، حيث تبين الوثيقة بجلاء تام في البند رابعاً بأن «تأطير التيار وإنما هو إطار تنسيقي بين تنظيمات من أجل نجاح مساعيها في تحقيق أهدافها المتوافق عليها ضمن إطار العمل الوطني العام».

2 - هناك تساؤل يطرح نفسه؟ كيف يمكن ضبط إيقاع الجمعيات الثلاث فيما بينها من جهة وبينها وبين التجمع المنشود؟ وهل يتحول هذا التيار في النهاية إلى ترس من تروس الجمعيات الثلاث بمعنى أخر هل يراد له أن يدور في فلك هذه الجمعيات الثلاث؟ أم ينطلق في فضاء أرحب بعيداً عن ضوابط هذه الجمعيات وقيودها؟

فإذا كان المنشود هو خلق تيار ديمقراطي وطني واسع، فإن التوقف عند يافطة الوطنية والديمقراطية سيدفعنا إلى الاعتقاد بأن هذا التيار هو التيار البديل دون شك للتيار الطائفي، حيث أنه يتبنى التوجه الوطني العابر للطوائف، ويتبنى التنوير والحداثة في مواجهة الظلامية والتكفيرية، إلا أن الوثيقة المذكورة ترسل تطمينات في أكثر من موقع بأن هذا التجمع ليس بديلاً للمعارضة؛ بل مكملاً وجزءاً منها. ( الهدف رقم 17).

3 - لغة الخطاب: الواضح أن الوثيقة مازالت تستخدم اللغة القديمة، فهذا الخطاب القديم موجه أساساً لأعضاء الجمعيات الثلاث؛ بل للأعضاء المتشددين في المعارضة، ولا أعتقد شخصياً أنها مناسبة لمخاطبة الجمهور الواسع في التيار الوطني الديمقراطي المستهدف والموجه إليه الخطاب قبل الأعضاء، لأن التيار الوطني الديمقراطي الواسع يريد أن يستمع إلى خطاب جديد عقلاني بعيد عن المزايدات، وعن ممارسات الاتجاهات المتشددة في هذه الجمعيات، التي لم تتمكن حتى الآن من قراءة الخريطة السياسية، والوقوف على التوازنات المحلية والإقليمية والدولية بدقة، أو قراءتها وفهمها بشكل خاطئ.

4 - المنهجية والصياغة الفنية: الوثيقة بحاجة إلى إعادة صياغة سياسية، بحيث تكون مقبولة من التيار الوطني الديمقراطي كما أسلفنا كذلك، فإنها بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة فنية بأسلوب موضوعي رصين في إطار منهجية علمية واضحة تنزع عن فقراتها نوازع التشدد والغلو، آخذين بعين الاعتبار الجمهور الواسع المخاطب الأهلي والرسمي، والتوجه الجديد لاستقطاب جمهور مل من خطاب عتيق يكرر نفسه، دون أن يطرح جديداً يخرجه من هذا الوضع القائم، ومن شرنقته التي التفت عليه نتيجة تراكمات من الممارسات الخاطئة.

إننا بحاجة إلى خطاب جريء يتصالح مع النفس، ومع البلد، ومع الجمهور، ومع الخصم، دون أن نحيد عن مبادئنا الوطنية - الديمقراطية. إننا بحاجة إلى خطاب هادئ يضع النقاط على الحروف، يشخص المشكلة بموضوعية تامة، ويضع لها الحلول بحرص شديد بعيداً عن المزايدات والأنانيات الفئوية/ الحزبية الضيقة. إننا بحاجة إلى خطاب جديد يخاطب الأهلي والرسمي، ويبني معهما وشائج وعلاقات تساعد على إعادة بناء ما تحطمت من جسور، وما خربت من ممرات وطرق، بل معالجة الجروح الغائرة بصبر وإصرار وجلد.

الجانب الثاني: مآل هذه الوثيقة وأليات ونهج عمل التجمع: من غير الواضح حتى الآن كيفية تنقيح هذه الوثيقة في ضوء الملاحظات والآراء المختلفة التي قدمت مكتوبة أو شفاهة إلى اللجنة المسئولة عن الاستماع لوجهات نظر الشخصيات الوطنية، فبعض الآراء والملاحظات قد تكون متباينة إن لم نقل متناقضة، لكن المؤكد بأن غالبية الآراء تشدد على ضرورة إعادة صياغة الوثيقة ليكون مقبولاً من الجمهور الواسع لهذا التيار، وكذلك أن يكون الخطاب عقلانياً لايثير الجانب الرسمي؛ لكي لا يعترض عليه ويئده من البداية.

الإشكالية الوحيدة أمام الجمعيات الثلاث هي في كيفية إقناع المتشددين من أعضاء الجمعيات الثلاث الذين لا يوافقون على تحسين الخطاب وشذبه؛ بل يطالبون برفع سقف المطالب والتشدد في لغة الخطاب. وفي كل الأحوال فإن الوثيقة النهائية التى ستعرض على الشخصيات الوطنية للتوقيع عليها لن تخرج عن إطار الصياغة الأولى (المسودة الأولى) بكل علاتها في الجانب الفني السياسي، وربما ساهم موقف (وعد) المتشدد من مسألة شطب عضويتها، وإغلاق مقرها من قبل وزارة العدل في مزيد من التشدد اتجاه الوثيقة. وكذلك ليس هناك وضوح بشأن آليات ومنهجية عمل هذا التجمع (بعد إنشائه) .

أملنا كبير في أن يسود لغة العقل بدلاً من التشدد، لتمكين الجمعيات الثلاث من الخروج من الشرنقة أولاً، ولتمكين التيار الوطني الديمقراطي الواسع من الانطلاق والسباحة بحرية في فضاءات الوطن تالياً.

إقرأ أيضا لـ "يوسف زين العابدين زينل"

العدد 5325 - الأربعاء 05 أبريل 2017م الموافق 08 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 6:56 ص

      #صحوة_زينل

      حطو إسمه زينل هذا ويا الربع إللي سبقوه يطالبون المعارضه "بالمراجعه" على قولتهم !!!

    • زائر 16 | 3:53 ص

      أستاذ يوسف الحلم مو ممنوع وليس حرام، أنما الحرام القفز فوق الحقائق ، المعارضة في هذا البلد معروفة سمها ما شئت، وعودة الروح لتياركم لن تعود ، صح النوم ...... وسلامتكم

    • زائر 14 | 2:47 ص

      مغالطات

      لم أكمل المقال لما فيه من مغالطات ساقها كاتب ينحاز للنظام ،،،،وإهمال ست مساهمات وعدم نشرها أكبر دليل على تلك المغالطات،،،،....

    • زائر 13 | 2:27 ص

      أنتم كما البلد كلها في حالة توهان.

    • زائر 12 | 1:36 ص

      تتمه ..... التيار الديمقراطي (ما عدا) "وعد" يكاد ان يكون منفصلاً عن الواقع و عن هموم الشارع المعارض اذا كان هذا التيار يعتبر نفسة معارضاً ؟! فمن يتابع فعاليات التقدمي و القومي سيجد انها اقرب للنادي الثقافي منها للجمعية السياسية فمن لا يتفاعل مع ما يجري في الميدان المحيط به فليغير نشاطة من سياسي لثقافي او فني.

    • زائر 11 | 1:35 ص

      تتمه .... اما الكلام المكرر للاخ زينل و غيره عن تخفيض او تحسين الخطاب المعارض او المتضمن لوثيقة عمل الجمعيات الثلاث فالمقصود به تمييع الخطاب و تضييع تضحيات الناس التي يبدوا ان زينل غير معني بها او غير متضرر مما يجري...يتبع

    • زائر 10 | 1:34 ص

      مع خالص الاحترام للاخ يوسف زينل لكن يبدوا انه يعيش خارج العصر ! كرر الاخ عبارة "الجمهور الواسع للتيار الوطني الديمقراطي" و لا اعرف عن أي جمهور يتحدث فاذا كان الحديث عن اعضاء الجمعيات (الثلاث) فالمتابع يعرف ان الحضور في المؤتمر العام لأكبر جمعيات التيار (وعد) لا يتعدى 200 شخص!! و اذا كان المقصود بالجمهور من يؤيد الجمعيات فأين هؤلاء عن الفعاليات و الندوات التي تقيمها و التي لا يتعدى الحضور فيها عن الاعضاء (القياديين) في الجمعيات و القليل من الجمهور المهتم بالشأن العام... يتبع

    • زائر 19 زائر 10 | 6:56 ص

      انا وغيري

      الحضور الضعيف لا يعني الكثير جدا ... لان الكثير من المؤيدين للحركات الوطنية الغير مرتبطة بالدين لا يحضرون لاسباب عديدة. واغلبيتهم من المثقفين و اصحاب الفكر المنفتح

    • زائر 9 | 1:17 ص

      وسيتكرر الوضع مستقبلا فمطالبات الشعب لتحسين حياته ستتجدد بين فترة واخرى
      وما يمنع حدوث ذلك هو وجود الديمقراطيات الحرة التي ترفضها الجهات الرسمية فبدون ذلك لن تستقر البلد ابدا

    • زائر 8 | 1:00 ص

      مهما غيّرت أي جهة شعبية ث في الوثائق وتنازلت عن بعض المطالب واستخدمت خطاب مداراة فلن تنجح بدون إرادة جادة ممن بيدهم القرار في السلطة.

    • زائر 4 | 11:13 م

      الى الاسف الربيع العربي ضيع غالبية الدول العربية اين كنا قبل 2011 واين وصلنا الان

اقرأ ايضاً