العدد 5328 - السبت 08 أبريل 2017م الموافق 11 رجب 1438هـ

التوقعات الاقتصادية للبحرين... 15 عاماً من الإصلاح

ياموركوتيلين

المستشار الاقتصادي لمجلس التنمية الاقتصادية

بعد ما يقارب العقد من الذعر الذي أصاب الأسواق في أغسطس/ آب 2007، لا تزال البيئة الاقتصادية العالمية تتسم بالصعوبة على نحو غير مسبوق. ومع ذلك لا يزال بإمكان البحرين مواجهة المستقبل بتفاؤل حذر بفضل سجل حافل من الإصلاح والتنويع الاقتصادي يمتد لخمسة عشر عاماً، جنبا إلى جنب مع الجهود المبذولة على نطاق المنطقة لمواجهة التحديات المالية التي ظهرت بسبب سوق النفط الجديد.

في أعقاب الانخفاض المستمر لأسعار النفط منذ أواخر عام 2014، لا يزال ضبط أوضاع المالية العامة بلا شك هو التحدي الأكثر إلحاحاً في المنطقة. وقد قدّر صندوق النقد الدولي العجز المالي الإجمالي في بلدان مجلس التعاون الخليجي في عام 2016 بمبلغ 200 مليار دولار. وعلى الرغم من أن ذلك يرجع في المقام الأول إلى الانخفاض الحاد في عائدات النفط، إلا أنه يرجع أيضاً إلى الضعف الهيكلي، وكانت هناك فترة زمنية فاصلة سمحت للنفقات الحكومية بالنمو بسرعة أكبر من الاقتصاد بشكل عام.

في الفترة من عام 2000 إلى 2014، تضاعف إجمالي الإنفاق الحكومي في المنطقة من حوالي 114 بليون دولار إلى 627.5 بليون دولار؛ أي بزيادة تبلغ 450 في المئة على مدى فترة قصيرة نسبياً. ولحسن الحظ تم اتخاذ خطوات واضحة على مستوى المنطقة لمعالجة هذا الوضع. وتهدف هذه التدابير إلى توسيع نطاقها ثم الانسحاب تدريجياً في سبيل إدارة أثرها على النشاط الاقتصادي وتحقيق تنويع مالي مستدام.

وتسعى جهود الضبط إلى الحد من الإنفاق الحكومي المتكرر، وترشيد الإعانات العالمية، وزيادة الإيرادات الحكومية من خلال استعراض الرسوم القائمة وفرض رسوم جديدة. وأهمها، يبدأ العام المقبل من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة على مستوى المنطقة. ومن المتوقع أن تسفر هذه الجهود عن خفض العجز المالي الإجمالي إلى 160 مليار دولار هذا العام. وفي حين أن هذا يمثل انخفاضا كبيرا، فإنه لا يزال من المحتمل أن يتجاوز العجز 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، مما يحث على أهمية مواصلة جهود الإصلاح على المدى المتوسط.

ويعكس النهج الشامل للإصلاح المالي القناعة بأن ديناميات سوق النفط العالمية تتغير نتيجة للتقدم التكنولوجي والتغير في استهلاك الطاقة على الصعيد العالمي. وبينما من غير المرجح العودة الى أسعار النفط ما قبل عام 2014 والتي كانت تصل الى أرقام مكونة من 3 خانات، يمثل انتاج النفط الصخري باستخدام التكسير الهيدروليكي هامش مرن في سوق النفط العالمية. وقد ساهمت مكاسب الكفاءة الكبيرة في خفض سعر نقطة التعادل لبعض أهم محميات الصخور الزيتية والتي جذبت استثمارات متزايدة من قبل شركات النفط الكبرى. ويتميز الصخر الزيتي بتواضع التكاليف التشغيلية نسبيا، مما يسهل ضبط مستويات انتاجه مقارنة بالعديد من حقول النفط التقليدية الجديدة. وإذا استمر هذا الوضع الجديد، فإن الإصلاح المالي في دول مجلس التعاون الخليجي سيستمر. بالإضافة لذلك فإن مثل هذا النموذج سيسمح لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بالمضي قدما في الخطط التي غالبا ما تكون طويلة الأمد لتحويل دور القطاع العام من المستثمر والمشغل، إلى المنظم والميسر. ومن خلال تحقيق طموحها في جعل القطاع الخاص في طليعة النمو، سيصبح بإمكان المنطقة السعي نحو توليد فرص توظيف أكثر استدامة وتحقيق المكاسب الإنتاجية اللازمة لتحقيق مكاسب مستدامة فيما يخص مستويات المعيشة.

أثر انخفاض الإيرادات الحكومية والإصلاح المالي سلبياً على النمو الاقتصادي في المنطقة، على الرغم من أن المقومات الهيكلية القوية لا تزال تشكل مصدرا هاما للاستمرارية. ويقدر معهد التمويل الدولي أن النمو في دول مجلس التعاون الخليجي قد تباطأ من حوالي 3 في المئة في عام 2015 إلى حوالي 2 في المئة في عام 2016. ومن غير المرجح أن يتسارع النمو الاقتصادي بشكل ملحوظ هذا العام، على الرغم من أن المعطيات بدأت بالتحول -بشكل مشجع جدا – لصالح القطاع الغير النفطي. ومن المتوقع أن ينعكس ذلك على ارتفاع أسعار النفط تدريجياً، فضلا عن كون الاقتصاد أخذ الوقت الكافي في التكيف مع الوضع المالي الجديد والواقع الاقتصادي الأوسع.

إن استمرار قدرة البحرين على مواجهة هذه البيئة الغير المعتادة في المنطقة، يرجع في المقام الأول إلى نجاحها في تنويع مصادرها الاقتصادية. القطاعات الغير النفطية تساهم بأكثر من 80 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة والتي أصبح النمو فيها أقل اعتمادا على القطاعين النفطي والحكومي، وأكثر اعتماداً على التركيبة الديمغرافية، والبيئة التنظيمية الجذابة، والتبادل الإقليمي للسلع. كما يستفيد الاقتصاد الغير النفطي من الانفاق الهائل على مشاريع البنية التحتية وهو الأعلى في تاريخ البحرين. وبصرف النظر عن تأثيره على النمو على المدى القصير، فإن الاقتصاد الغير النفطي يدفع عجلة التنويع إلى الأمام من خلال رفع معدل النمو في قطاعات مثل الخدمات والتصنيع والخدمات اللوجستية. وحافظ زخم نمو القطاع الغير النفطي على معدلات قوية بنسبة بلغت 3.6 في المئة في عام 2015، يليه ما يقدر بـ 3.7 في المئة في عام 2016. وعلى الرغم من أن هذه المعدلات قد تنخفض إلى حد ما على المدى القريب والمتوسط، فمن المرجح أن تبقى قريبة من 3 في المئة هذا العام.

وبالإضافة إلى محركات النمو المعاكسة للدورات الاقتصادية، بإمكان البحرين الاستفادة من سجل ثابت ومستدام بفضل الإصلاحات التي تم وضعها مسبقاً لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة حاليا. وكان الهدف الرئيسي للإصلاحات التي نفذتها البحرين على مدى الخمسة عشر عاما الماضية هو خلق بيئة تسمح للقطاع الخاص بأن يصبح المحرك الرئيسي للنمو. وفي الوقت نفسه، كان هناك اهتمام مبكر بالمقومات التي تجعل القطاع العام عاملا تمكيني ذكي ومرن للتنمية والتنويع.

لطالما لعب مجلس التنمية الاقتصادية دورا رئيسيا في دعم الجهود الرامية لتحقيق نمو مستدام وشامل في البحرين بما يتماشى مع قيمها الفريدة في الاعتماد على رأس المال البشري، وتنظيم إدارة الجودة، والتواصل الجيد. على مدى العامين الماضيين، عمل مجلس التنمية الاقتصادية بجد للتركيز على جذب الاستثمار إلى البحرين من أجل خلق نمو اقتصادي مستدام ووظائف ذات جودة عالية. وقد تركزت هذه الجهود على خمسة قطاعات رئيسية نعتقد أن البحرين تقدم عبرها مزايا تنافسية مميزة وتوفر إمكانيات هيكلية قوية للنمو – الخدمات المالية؛ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ السياحة؛ النقل والخدمات اللوجستية؛ والتصنيع. هذه هي المجالات التي يمكن للبحرين والمنطقة أن تتطلع من خلالها إلى زخم نمو قوي في السنوات المقبلة بالإضافة إلى أن البحرين في وضع يخولها لخدمة العديد من الاحتياجات القائمة والناشئة. ويبدو أن هذه الجهود بدأت تؤتي ثمارها، فقد كان عام 2016 عاما قياسيا بالنسبة لنا حيث حققنا زيادة بنسبة 100 في المئة في الاستثمار.

وعلى المدى البعيد تركز البحرين على عدد قليل من المجالات الرئيسية لضمان الاستفادة من الفرص والحفاظ على توجه اقتصادي إيجابي. اذ أن هناك تركيز قوي مستمر على الإصلاحات التنظيمية لضمان أن بيئة الأعمال في المملكة مواتية لتأسيس الشركات وضمان نموها. صنفها البنك الدولي في العام الماضي كواحدة من أفضل 10 تحسينات على مستوى العالم في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال. وسيؤدي التقدم المستمر في برنامج الاستثمار في البنية التحتية في البحرين، والذي تبلغ قيمته 32 مليار دولار أمريكي، إلى زيادة الترابط الإقليمي والعالمي، وجعل اقتصادنا أكثر كفاءة وإنتاجية، وأكثر قدرة على المنافسة على المستوى العالمي.

ولكننا نحتاج أيضا إلى استيعاب أننا نعيش في عالم يتسم بالتغيير السريع والمدمر في كثير من الأحيان. وللتجاوب مع ذلك يجب على البحرين أن تكون ذكية، وقادرة على التكيف، والتفكير في المستقبل. لذا فإننا نعمل على وضع جدول أعمال شامل لخلق منظومة قوية وقائمة على التكنولوجيا لتساعدنا على الاستعداد لاقتصاد المستقبل. وفي الوقت نفسه، سيتم تسليط الضوء على الميزة التنافسية الرئيسية التي نقدمها، ألا وهي توفير رأس المال البشري المؤهل في المملكة. حتى في السياق الإقليمي، لدينا فرصة للتقدم عبر تطوير وتغيير اقتصاداتنا وأنظمتنا ونظمنا التعليمية. وقبل كل شيء، سيضع هذا العمل حجر الأساس للمشاريع التي سترتقي بالقدرة على التكيف، ونمو الإنتاجية، والتكامل في الاقتصاد الإقليمي والعالمي على نطاق أوسع. ومهما كانت أوجه تذبذب الاقتصاد العالمي، فإننا نرى أن هذا يمثل طريقة منطقية وضرورية للمضي قدما في الاقتصاد البحريني على مسار الإصلاح بطريقة تحقق الهدف المنشود والمتمثل في تحقيق النمو المستدام للجميع.

إقرأ أيضا لـ "ياموركوتيلين"

العدد 5328 - السبت 08 أبريل 2017م الموافق 11 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 2:28 ص

      مقال تلميعي من الدرجة الصفر

    • زائر 4 | 11:57 م

      ممكن نعرف لماذا البحريني لا يحصل على ورقة من وزارة تدل على انه حسن السيرة ليعمل في الدول الخليجية القريبة ... كلام نظري من مستشار

    • زائر 3 | 11:40 م

      التوقعات بأن يصبح المواطن غريبا كل الغرابة عن وطنه متسكّع وربما طرّار بينما يصبح الأجانب هم أرباب البلد وأسياده

    • زائر 2 | 11:04 م

      وصفات جاهزة

      مثل ما يقول باقي الخبراء و المستشارين اذا فعلنا كذا حققنا كذا و لكن هذا مجرد كلام نظري نريد علاجا فعلا لمشاكل الاقتصاد و المالية بعيدا عن التنظير

اقرأ ايضاً