العدد 5365 - الإثنين 15 مايو 2017م الموافق 19 شعبان 1438هـ

قصة قصيرة... آخر الطيور

سلمان بومعزة - قاص جزائري 

تحديث: 17 مايو 2017

في تلك اللحظة، عندما فتحت باب الشقة لم يخطر ببالي أبداً أنها ستكون المرة الأخيرة التي أراها فيها... كعادتها قبّلتني على خذي الأيسر، تحديداً فوق ذلك الجرح الذي لم يشأ أبداً أن يندمل، أنا أجزم أن له روحاً خفية تحاول تذكيري كل مرة بماضيَ الدفين. 

-هيا أسرع واخلع معطفك وانضم إليّ على المائدة.

كانت تحدّثني في سعادة غامرة وهي تعود إلى المطبخ، كان الجزء العلوي من ظهرها ينكشف لي من وراء فستانها الصيفي... لا أعلم كيف لهذه المخلوقات الأنثوية أن تتحمّل برودة الجو هكذا... صحيح أن المدفأة كانت مفتوحة لكنها أبداً لم تكن لتقضي على برد الشتاء هذا... ها هي تلقي عليّ تلك النظرة، عيناها الكبيرتان اللوزيتان تجعلانني أتيه في أعماقهما كل مرة. لم أستطع يوماً أن أقاوم نظرات إغرائها. 
دلفت إلى الشقة وسفطت الباب خلفي، ثم توجهت نحوها مسرعاً، أمسكتها من معصمها ومشيت بها نحو الشرفة... لم تحتمل المسكينة شدّة قبضتي فصاحت بألم :
-
آي. على رسلك يا آرتشر... ما الذي دهاك؟؟ 
أومأت لها برأسي حتى تحدق أسفل العمارة أين كانت تركن سيارة ليموزين سوداء... اتسعت حدقتا عينيها والتهمت الدهشة علامات الألم التي أبدتها قبل لحظات.
-
محال! آرتشر لقد وعدتني بالعدول عن هذا! 
لم تزل تحدّثني بهذه الكلمات حتى تزاحمت العبرات في مقلتيها. 
-
لم أستطع الافلات منهم يا حبيبتي... لكنهم وعدوني بأن هذه ستكون آخر مهمة.
في تلك اللحظة رن هاتفي. كانت تلك المكالمة هي معلومات حول الهدف الأخير، لم أكد أسمعه حتى ارتعشت يداي وسقط الهاتف أرضاً... أصيبت أليشيا بالفزع وأرادت أن تستفسر عمّا أصابني، أمسكت بي من كتفي وهزّتني بعنف... كانت تصرخ وتناشدني أن أفسر لها ما حدث، لكني لم أقوَ على الكلام... عبثاً حاولت إعادة الاسم الذي سمعته في الهاتف وحاولت تركيب حروفه بشكل مختلف علّني أصل لاسم آخر لكني لم أفلح في ذلك... حاولت العودة إلى الواقع، إلى أليشيا استرقت النظر إلى سيارة الليموزين... صراخ حبيبتي المتعالي جعلني أفقد التركيز أكثر... إنها تصرخ تصرخ وتطالبني بتفسير عمّا يحدث... فجأة يختفي الصراخ ويسكن ذلك الصوت... تهوي أليشيا على الأرض شهقات وزفرات عديدة تنبعث منها وفجأة... سكووون.
في تلك للحظة أخذت نفساً عميقاً وألقيت المسدس الذي كان في يدي بجانب أليشيا 
حملت الهاتف من جديد واتصلت. 
-
لقد سقط آخر الطيور..ليشيا كورون قد ماتت... 
الأمر الأكثر أهمية بعد القضاء على آخر الأهداف هو أن أمحو كل أثر لي في هذه الشقة. ففهي في النهاية قد جمعت لي ذكريات عديدة جميلة وحميمية. 
أخذت قارورتين من مبيد الحشرات ووضعتهما في المايكروؤون وضبطته ليشتغل بعد خمس دقائق... تلك كانت مدة كافية لي حتى أفتح فتحات الغاز ليملأ الشقة وأغادر المكان بسرعة... بعد سبع دقائق تحديداً كان الانفجار قد نسف كل شيء فيها. 
كنت أظن أن آخر مهمة لي ستكون وسيلة تحرري من قيود تلك المنظمة، ولكن يبدو أنها قد قادتني إلى عالم من الضياع والتيه... لقد أدرك جايسن أندرسن أنني لم أعد ذا فائدة بعد أن فقدت كامل عقلي في آخر مهمة، حينها قرر أن يريحني من هذا العذاب... طلقة واحدة من مسدسه اخترت أسفل صدري وألقي بي بعدها من أعلى جسر في المدينة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً