العدد 5369 - الجمعة 19 مايو 2017م الموافق 23 شعبان 1438هـ

صفة ذكورة...القصة القصيرة

نوارة بوبير - قاصة جزائرية 

تحديث: 20 مايو 2017

لم يسألها أحد في ذلك اليوم عن شعورها كأنثى تعرضت للتهميش ووجهت لها صفعات النسيان لأنها امرأة تقدم بها السن... فرغم أنها لم تتجاوز الخامسة والأربعين من العمر إلا أن تلك الخصلات البيضاء وتجاعيد الوجه لم ترحمها وجاءت متسرعة تتسابق مع رغبتها في العيش مع زوجها كزوجة تحبه وتعشقه... وهي التي أنجبت له ستة أبناء حتى ترضيه وقدمت العديد من التضحيات لتسهل عليه بناء حياة زوجية تكون فيها شريكة له وللأبد.

هكذا كانت تعتقد... بأنها ستكون شريكة حياته حتى الممات دون أن يكون بينهما دخيل يعكر عليهما صفو حياتهما... أنجبت الإناث والذكور ولم تبخل عليه بالتفاني في أداء واجبات المنزل، فهو الذي رفض شغلها خارج البيت كموظفة في مكتب البريد... حتى تلك الوظيفة قد تم وضعها جانباً لإرضاء "علي" حبيبها منذ الطفولة وزوجها منذ بلغت الثانية والعشرين من العمر.

كانت حياة سعاد بسيطة... عادية لكنها كافية لإرضاء كل أفراد العائلة إلا أن رغبة علي في تجديد حياته بعد أن تعرف على "سهى" بنت الخامسة والعشرين قد غيرت كل الموازين وأحدثت خللاً في منظومة الأسرة البسيطة... فوقوفه أمام زوجته ورفيقة دربه بكل تلك البرودة ليخبرها بانتهاء مدة صلاحيتها بالنسبة له ورغبته في الشعور بالشباب من جديد مع شابة تصغره بثلاثين سنة قد تمكن من قتل كل ما تبقى من مشاعر الأنوثة والإحساس بالحياة في قلب سعاد... لم تبك ولم ترد عليه لكنها أحست بقهر يحطم وجدانها... "نعم إنه علي حبيبي الذي عشقته طيلة حياتي... يريد أن يستبدلني بأخرى ويبعدني عن ناظره لأني أصبحت مجرد عجوز في نظره... هكذا هي الحياة...".

وما زاد من كسر خاطرها موقف أهل زوجها الذين بدؤوا في تحضيرات العرس مبكراً أمام ناظرها... فتلك "الكسوة" والحلوى والزغاريد والحلويات وتخطيطات شهر العسل كانت تقطع مهجتها وتخنق أنفاسها... فهم لم يسألوا عن حالها بحكم أنه الرجل ويحق له أن يقرر كيف يكون أسلوب حياته... فهو الوحيد القادر على أن يغير شريكة حياته متى شاء... بل إنهم يرون بأنه قد تكرم عليها بعدم تطليقها... كيف لا وهو يحمل صفة الذكورة؟؟

حتى انه هجر فراشها مبكراً قبل أن يدخل "سهى" عروساً لبيته... فهي ترفض أن يشاركها به أحد... لان "سهى" شابة غيورة وترفض أن يعود علي إلى علاقته مع زوجته السابقة التي ما تزال زوجته حتى الآن... فقد لازم غرفة أخرى حتى يتمكن من محاكاتها على الهاتف طيلة الليل وسعاد متكئة على مخدة مبللة بدموع الحسرة بعد ان هجرتها البسمة وخاصمها النوم وهي تتذكر كل تلك اللحظات التي كانت تجمعها بزوجها وحديثه عن حبه وعشقه لها... كيف لا وهي التي ضحت من أجله بكل ما تملك ووقفت معه وقفة الرجال حين أدخل للسجن بتهمة اختلاس في البنك ودفعت كل غال ونفيس حتى يعود لمنزله... فكل طوبة في ذلك المنزل تشهد على تعبها وشقائها من أجله... لأنه حبيبها.

لم يشفق عليها أحد... بل كانوا يحدثونها عن جمال وأناقة العروس الجديدة التي ستدخل المنزل وتعيد له الشباب... الشباب الذي أفنته هي في حب ودعم زوجها وتربية أبنائها وتعليمهم ليحققوا نتائج ترضي ذاك الرجل "علي".

اقترب يوم الزفاف وانغمس الجميع في التحضيرات ولم ينتبه أحد لصوت خافت من غرفة سعاد... صوت أنين ومناجاة لكنها كانت خافتة تستحي من إفساد فرحة الحضور... كانت تحتضر بصمت لدرجة أنها لم تزعج أحداً.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً