العدد 101 - الأحد 15 ديسمبر 2002م الموافق 10 شوال 1423هـ

إلى عيون بلادي... مع ألف تحية

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

حبُّ الوطن لا يكون بقرار رسمي أو بمنح وثيقة وإنما هو حبٌ ينمو ويكبر ويعظم بذكريات أجدادٍ وبمواقف وطنية يسجلها التاريخ، وبجذور ضاربةٍ في الأرض نمت في داخلهِ - أصالة وعروبة وإسلاما وتاريخا.

فليس بوسع البحريني الأصيل إلا أن يحب وطنه لأن حب الأرض والتراب لا يُدس في القلب دسا أو يكون موسميا فهو باقٍ في الربيع إذ العطاء المعنوي والمادي والخدماتي ولا يمكن ان تسقط أوراقه في موسم الخريف، هذا الانتماء والاعتزاز بالأرض تفرضانهما قيم وطنية لا يعرفها إلا من لامس جلده ترابها وليس له من وراء ذلك منفعة ذاتية مادية تنتهي الوطنية بانتهائها. وحده الوطن لا يمكن ان يُتعاطى معه تعاطيا هندسيا وعلى طريقة التاجر في نهاية الشهر عندما يفتح سجلاته ليعرف الربح والخسارة إلا إذا كان التعاطي تجاريا 100 في المئة ليكون موقعا للزاد والكسب المالي وليصبح الحب الوطني حبا مزيفا وحبا يكون للوطن الأولي على قاعدة «وحنينه أبدا لأول منزل». لهذا تنعقد المفارقة الكبرى بين ان يكون المواطن بحرينيا أو بهرينيا مع الاعتذار للوثيقة ولمن آمن بكل هذه الفوضى العشوائية.

كان فولتير يقول: خبز في الوطن خيرٌ من بسكويت الأجانب، ونحن نقول كذلك كما قال فيلسوفنا الكبير ولكن الفارق بين إحساسه وإحساس مجتمعنا ان مجتمعنا يقولها وقلبه يضرب في صدره كعصفور خائف من أن يصبح هذا الخبز بعيد المنال فلا يبقى بعد ذلك خبزٌ ولا بسكويت إلا لمن أحب شجر الزيتون على من عشق تمر النخيل.

فعيدنا يكبر ويعظم عندما يعود أبناؤنا من غوانتنامو ويعود أبناؤنا من العراق. يكون العيد أجمل عندما تعود زوجة سامي سمير وابنه ويفك الله أسرانا في الخارج لتكتمل فرحة عيدنا الوطني وينشر الجميع أهازيج الفرح والياسمين وهم يستقبلون عيدنا الوطني الميمون.

تتعزز الوطنية في قلب المواطن أكثر عندما يكون منتجا ويرى وطنه يكبر ويعظم على سواعد أبنائه، فالتنمية اليابانية قامت على سواعد اليابانيين واقتصرت على الآخرين موضع الحاجة، فهو البلد الوحيد الذي قصف بالسلاح النووي واستسلم بلا قيد ولا شرط ولكنه بتمسكه بوطنيته وبتاريخه الوطني وسواعد أبنائه انتصر في نهاية المطاف فأصبح نمرا اقتصاديا وقوة صناعية تنافس أكبر الدول صناعة، تمسك بتاريخه وأعاد ذكرى (العهد الميجي) في عهد الامبراطور (موتسو - هيتو) الذي بدأ حكمه في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 1852 وكان عهده مستنيرا وبفضل هذا العهد تم إرساء قواعد نهضة اليابان الحديثة.

وكذلك البحرين إذ ابتدأت بعهد مستنير يقوده جلالة الملك بيْد انها تحتاج في بعض مواضعها الاقتصادية والسياسية إلى التوجه الياباني ذاته بأن تكون الأولوية للمواطن حتى يصبح مستقبلنا «ميجيا»، فقد ننعم باقتصاد كبير قائمٍ على المواطنين وخادمٍ لهم.

فالوزارات الخدماتية بحاجة الى أن تعيد قراءة معياريتها في تعاطيها مع المواطن، فمع تساقط تفاح شجرة السلطة يجب أن يقع التفاح في يد المواطنين سواء كانت التفاحة إسكانية، أو وظيفية أو تعليمية.

أنا أعلم ان بعض مسئولينا في بعض وزاراتنا يصعب عليهم هضم مثل هذه الفكرة وعلى حد تعبير «الجاحظ» إن هضم فكرة من هذا النوع أصعب من قص الأنف بالمنشار، لكن بالضغط السلمي وبالفضيحة الصحافية وبإلحاح المواطنين قد يعمل هؤلاء المسئولون على تغيير بعض المعايير الخدماتية التي أصبحت تقفز على المواطن لتكون لغيره، وقد تمثلت في عدة أوجه:

- ارتفاع نسبة العمالة الأجنبية مع ارتفاع نسبة بحرنة الأجانب.

- بقاء المؤشر الرقمي للبطالة اللهم إلا من أرقام بهلوانية يصرح بها بعض المسئولين السابقين. وحل هذه المشكلة يحتاج إلى جرأة رسمية.

- كثير من العمالة الأجنبية استوطنت وجاءت لتبقى ما يؤدي الى ضياع فرصة المواطن العاطل في ملء الفراغ المرتقب، وخصوصا في المواقع التي لا تحتاج الى تفتق عبقريات أجنبية. وللأسف أصبح حتى القطاع العام (قطاع الحكومة) مليئا بسواعد أجنبية آسيوية وغيرها وفي وظائف لا تحتاج الى مؤهلات كما هو حادث في أكثر من وزارة، فيوجد في وزارة الصحة موظفون أجانب وظيفتهم قراءة الكشوف، أو فتح كمبيوتر، أو تسجيل أسماء أو مواعيد... والتوجه ذاته موجود في بقية الوزارات، فهل ذلك يحتاج الى خبرة أجنبية؟ كما ان كل وزاراتنا مصابة بمرض فقدان المناعة أمام عقود الأجانب وقوتها أمام عقود المواطنين المؤقتة وكل ذلك فرارا من المستلزمات المادية وخوف (الابتلاء) باستحقاقات مثل هذه العقود وهنا يتعزز أيضا قانون عين عذاري.

وعلى ذكر الخدمات، أين هي وزارة الأشغال والإسكان عن صيانة شوارعنا في القرى وإضاءتها، فليس من المنطقي بعد مرور عشرات السنين على اكتشاف النفط تبقى قرى بكاملها تفتقر إلى ألف باء التعمير وهذه فضيحة كبرى للتنمية والحداثة والدولة الإلكترونية. لست متحيزا للمنطقة الشمالية ولكن من يرى الدراز وسار وبني جمرة وساحل البديع يصاب بالذهول ويتساءل: أين هي ملايين الدنانير التي ترصدها الدولة لهذه القرى؟ نحن لا نطمح إلى قرى شوارعها من الرخام الإيطالي وزهور حدائقها - إذ لا حدائق والحمدلله - من الزهور الهولندية أو يصبح زجاج مصابيح شوارعها شفافا مثل كريستال (باكارا) ولكننا نطمح إلى أقل القليل، نطمح إلى شارع نصف نظيف وبنصف إضاءة وبإشارات مستخدمة تدل على مناطقنا فقط.. فلا نطمح إلى حديقة أو ناد كبير يستوعب أبناءنا ولا حدائق زهرية غناء فهي لا تصح إلا لأصحاب العيون الزرق ممن عجنت طينتهم بالحلاوة والآيسكريم من الدول الغربية وإذا جئت إلى «سار» تصاب بالعجب العجاب! نحن نطمح إلى علف يومي نسد به رمق جوع بعض أبنائنا وبيوت إسكانية تخرج المواطنين من جحيم شقق الإيجار أو أقفاص بيوت آبائهم.

ولا أعلم في ظل هوس التجنيس العشوائي هل سيبقى لنا مكان نموت فيه أم ستستثمر المقابر - في ظل السباق التجاري - من قبل (إخواننا الجدد)، وخصوصا مع زيادة هرمونات التجنيس العشوائي وتكاثرها لدى بعض مسئولي إدارة الهجرة والجوازات، ليس هنالك ما يدعو إلى العجب عندما يبقى فيلسوف كبير كعبدالرحمن بدوي في شقته الضيقة في المهجر فيستفيد الغرب منه ومن كتبه التي بلغت 120 كتابا فلسفيا في حين يعج العالم العربي بالأجانب والأمية التي بلغت 70 في المئة والتخلف والفقر وتلك حقيقة الواقع إذ لم تعد مشكلة المواطن العربي ان يجد شقة يسكن فيها إنما أن يجد قبرا يدفن فيه وليس من الغريب عندما نعلم أن مئات العوائل في مصر مازالت تسكن في المقابر على رغم ان مصر بدأت مع اليابان في فترة واحدة في بناء النهضة.

إننا بحاجة الى مؤسسات اقتصادية تستوعب فقر المجتمع لا أن تزيد الوزير تخمة واتساعا وكروشا إضافية، وإني مازلت مقتنعا بسخاء الدولة وطموحها إلى تأهيل المواطن اقتصاديا لولا تلك التسريبات المالية الداخلية في جيوب بعض المتنفذين في الوزارات، وكل يوم نسمع عن سرقة كبرى كان آخرها سرقة في مؤسسة من المؤسسات الضخمة الاتصالية لكننا لم نرَ أية متابعة للملف سوى بعض التسريبات التي جاءت محرجة أيضا بسبب (فوحان) الريحة في كل مكان ودائما ما تكون الضربة بأرقام خيالية. وهنا يسأل المراقب بإلحاح: أين هم المتباكون على السياحة والاستثمارات؟ أليس الفساد المالي عاملا مساعدا لهروب رؤوس الأموال وطيرانها مفزوعة الى حيث الضمان المالي والاستقرار السياسي وخصوصا مع اقتناعنا بأن رأس المال جبان يخاف من كل شيء، من عدم الاستقرار السياسي ومن عدم الاستقرار المالي إذ الفسادان المالي والإداري عاملان أساسيان من عوامل هروب المال.

في عيد الوطن يكون هنالك عيد للأصالة البحرينية - بلا قطرية. وللولاء الوطني وللمحبة الوطنية، فنحن مدعوون إلى رفع علم مملكتنا عاليا في قلوبنا قبل مسيراتنا كي نحتفل بهذا العيد العزيز على قلوبنا، فقد نختلف على بعض الملفات ولكن يبقى الاختلاف شيئا والولاء الوطني شيئا آخر. فالحب الوطني والولاء لا يتجزآن، فنحن الذين نحب هذه الأرض سنة وشيعة وسندافع عنها وعن سيادة المملكة وحفظ أمنها. فما أجمل أن تتجمل شوارعنا ونواصي بيوتنا بعلم البحرين مرفرفا في ذكرى عيد وطننا المجيد. فكما يقول كاريل: جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه ولكن الأجمل أن يحيا من أجل هذا الوطن. فلكي نحيي الوطن يجب ان نعمل جاهدين على تأهيل أنفسنا وأبنائنا بالثقافة الوطنية وبالتأهيل التعليمي والتمسك بالأظافر بهذا التراب وبكل موقع وعمل ووظيفة نستطيع أن نخدم فيها وخصوصا أننا نلحظ التداعيات الخطيرة لبعض المشروعات العشوائية التي بدأت تهدد أمننا الاقتصادي والوطني. فيجب ان نتكاتف لتأهيل أبنائنا دراسيا وإلا فإنهم لن يرو مكانا لهم او مستقبلا وظيفيا او تجاريا وخصوصا مع كل هذا الزحف المرعب. فلنبدأ بتقوية جبهتنا الوطنية الداخلية الأصيلة ولنخرج من صوامعنا المذهبية وفوضى الأولويات متلاقين على وحدةٍ وطنية واحدة، على قاعدة وشعار عاشت المملكة وعاش أبناؤها الأصليون بلا عشوائية وعاش الملك

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 101 - الأحد 15 ديسمبر 2002م الموافق 10 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً