العدد 2141 - الأربعاء 16 يوليو 2008م الموافق 12 رجب 1429هـ

فكرة سطحية عن الخالدين تحاكي «سوبرمان»

«هانكوك»... فيلم سخيف يعرض الآن في سينما الدانة. فالسيناريو مجرد تكرار لنموذج فكرة «البطل» الجبار القادر على فعل كل شيء ويمتلك قوة خارقة تتجاوز المنطق والمعقول وآتية إلى الأرض من عالم آخر.

«هانكوك» هو صورة أسطورية تحاكي نموذج «سوبرمان». والفارق بين الشخصين أن الأخير سقط على الأرض من كوكب آخر وبسبب اختلاف الجاذبية بين الكوكبين تميزت شخصية «سوبرمان» بقدرات هائلة وخارقة أعلى من مستوى البشرية. بينما «هانكوك» ينتمي إلى فئة الخالدين وهي توارثت القوة من الأرض ونجحت في الاستمرار واختراق الزمن ومعاصرة كل الأجيال والحضارات والحقبات من دون أن تصيبها عوارض الشيخوخة. وهانكوك ينتمي إلى هذه الفئة الخالدة التي انقرضت من الدنيا ولم يعد يوجد منها سواه وزوجته التي قررت الإقلاع عن مهمتها والعيش في حياة عادية تشبه عادات وتقاليد البشر.

الفكرة مثيرة، ولكنها سخيفة، لأن المخرج اعتمد سيناريو سطحيا لتقديم موضوع متخيل لا أساس له من الصحة متناولا إياه بقالب مبسط يميل إلى الحركة والسرعة لكسب المشاهدين.

تبدأ الصور الأولى بحادث سرقة تقوم به مجموعة من الهواة الشباب. الشرطة تأخذ بمطاردة المجموعة بينما «هانكوك» غارق في النوم من شدة السكر. يتقدم منه طفل وينبهه إلى الحادث وفجأة يطير البطل الخارق في الفضاء ويطارد المجموعة بأسلوب متوحش وغير منظم، ما يثير حقد الناس بسبب الدمار الذي يلحقه بالممتلكات خلال رحلة المطاردة.

الصور الأولى أعطت فكرة سلبية عن هذا البطل المتفوق؛ فهو يريد المساعدة، ولكنه يحدث أضرارا في الأبنية والسيارات تفوق فوائد المهمة التي يتبرع للقيام بها.

بعد هذه المشاهد المثيرة عن خوارق البطل المزعوم يبدأ المخرج التعريف بشخصيته من خلال رجل بسيط متزوج وطيب القلب ويحلم بعالم عادل وفوق أطماع الشركات وطموحات البشر. هذا الرجل كاد يتعرض لحادث اصطدام بقطار لولا تدخل الخارق في اللحظات الأخيرة. إنقاذ الرجل مهد الطريق للتعارف على الزوجة وابنها. ثم يبدأ الرجل الطيب سياسة ترويض الخارق وتدريبه وإعادة تأهيله لتحسين صورته وتسويقها للناس. عملية تهذيب «هانكوك» تمر بمراحل، لأن الخارق صعب المراس ولا يعرف معنى الاحترام وتقدير مشاعر الناس ومخاوفهم من تصرفاته الهمجية المثيرة للفزع.

حتى الآن الفكرة معقولة في اعتبار أن السيناريو يريد أن يعطي أهمية لموقع العلاقات العامة في عصرنا ودور الإقناع في تسويق المنتوج وتقديمه للمستهلك، إلا أن الفكرة تتجاوز هذه الحدود لتبدأ في تقديم صورة «فلسفية» عن شخصية تاريخية تتخطى الزمن وتخترقه عبر كل المحطات. والظريف في السيناريو أنه انتقل إلى زوجة الرجل الطيب ليتبين أنها أيضا من فئة الخالدين وكانت زوجته على ممر الزمن آخرها في فلوريدا قبل 80 سنة.

في تلك الحقبة يتعرض الخارق لاعتداء من عصابة تؤدي به إلى فقدان ذاكرته، الأمر الذي شجع زوجته على الهرب طلبا للراحة وبحثا عن حياة عائلية بسيطة. الزوجة كانت على علم بالخارق، ولكنها ابتعدت عنه حتى لا تفسد قوتها وقوته. فالتقارب بين خارقين يعطل إمكانات الخلود ويضعف تلك القدرات الاستثنائية. ولهذا السبب قررت الخارقة ترك زوجها الخارق قبل 80 سنة بعد أن تعرض لحادث الاعتداء في فلوريدا.

فقدان الذاكرة جعل من «هانكوك» شخصية فظة يصعب التعايش معها أو تقبل ما تقوم به من أفعال تريد الخير، ولكنها لا تستطيع تقديمه من دون خسائر جسيمة تفوق في أضرارها كل الفوائد المكتسبة.

المعاناة التي يتكبدها يوميا «هانكوك» ناتجة أصلا عن فقدان الذاكرة. فهو لا يعرف اسمه ولا أصله؟ ولماذا يتمتع بهذه القوة؟ ومن أين أتى بكل هذه القدرات الخارقة؟ ومن أي عالم جاء؟ وما هي مهمته؟ وما هي وظيفته؟

كل الأسئلة هذه كانت تثير قلقه الداخلي، الأمر الذي دفعه نحو امتهان السكر لتمضية الوقت، كذلك مساعدة المحتاجين بأسلوبه الفج الذي يضر أكثر مما يفيد.

الأجوبة التي كان يبحث عنها وجدها عند زوجته السابقة (الخارقة). فهي تعرف كل شيء وتتمتع بذاكرة قوية وإرادة لا تضاهى. وكل هذه الخوارق لا يمكن لها أن تستمر إلا بشرط واحد وهو أن تبتعد عنه ويبتعد عنها. فالحب بين «الخالدين» يضعف ويؤدي إلى شلل وانهيار وشيخوخة وموت كما يحصل لكل البشر. كذلك الزواج فهو محرم بين «الخالدين» لأنه يخالف الطبيعة ويزعزع تلك الاستثناءات ويجعلها تتهاوى مع الزمن.

هذا الشرط (الانفصال والابتعاد) يضمن استمرار الخلود ويجعل الزمن غير قادر على الاختراق. وعلى الأساس المذكور تدور معركة بين الخارق الذي يريد العودة إلى زوجته، والخارقة التي تمانع حتى لا يتكرر حادث فلوريدا الذي وقع قبل 80 سنة وكاد ينهي الحلقة الأخيرة من سلسلة الخالدين.

وهكذا ينتهي الفيلم على مشهد الابتعاد والانفصال بين الخارق والخارقة بعد أن نجح البطل في استرداد ذاكرته. واستعادة الذاكرة والإجابة عن الأسئلة ومعرفة الأصول والأسباب كلها ساعدت على ترويض أخلاق «هانكوك» وتحسين سلوكه وتطور أسلوبه في المساعدة وتقديم الخدمات، الأمر الذي اعتبر نجاحا للرجل الطيب وطموحه في تطوير علاقات عامة تسمح بتأسيس شركات لا تستهدف الرابح. والزوجة الخارقة تعود إلى زوجها الطيب لتعيش معه حياة عادية بعيدا عن «هانكوك» وعالم الخالدين.

الفكرة المختلقة قد تكون جيدة، ولكن الفيلم استعرضها بأسلوب سخيف وسطحي وغير مقنع، ما زاد من ضعف السيناريو وعدم قدرته على تقديم الشخصية الأسطورية بإطار متماسك.

العدد 2141 - الأربعاء 16 يوليو 2008م الموافق 12 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً