العدد 2150 - الجمعة 25 يوليو 2008م الموافق 21 رجب 1429هـ

أوروبا القلقة

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

بينما كنت أحدق بعيدا نحو «البلدة القديمة» المزدهرة والرائعة من هذه المدينة الأثرية (سلوفينيا)، التي هي في الوقت الحالي عضو في الاتحاد الأوروبي، بدا وكأنها ابتعدت كل البعد عن جمهورية يوغسلافيا التي كانت تشكل جزءا منها لغاية العام 1991، عندما نالت سلوفينيا استقلالها بعد معركة قصيرة. وبالنسبة للتوترات الحاصلة بين صربيا وكوسوفو، وهما من البقايا الأخيرة من يوغسلافيا، لم يكن الإحساس بها اشد عمقا هنا من تلك التوترات القائمة في معظم الأنحاء الأخرى من الاتحاد الأوروبي.

قامت معظم دول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف باستقلال كوسوفو، باستثناء إسبانيا وقليل من الدول. وستقوم سلوفينيا بالاعتراف بشكل رسمي باستقلال كوسوفو بينما هناك الكثير من مواطنيها، بما في ذلك غالبية الأفراد من ذوي التراث الصربي، سيبقون معارضين لذلك.

وهكذا، فانه لأمر يدعو إلى السخرية إلى حد ما أن يكون الرئيس الحالي لمجلس الاتحاد الأوروبي، الذي يتم التناوب عليه كل ستة شهور، هو رئيس سلوفينيا، التي كانت أول دولة من الدول الشيوعية السابقة تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2004 وقامت أيضا بتبني اليورو عملة لها في بداية العام 2007.

وبموجب كل المقاييس تقريبا، حققت سلوفينيا نجاحا اقتصاديا خلال السنوات الثماني عشرة الأخيرة وهي الآن تتمتع بدخل للفرد الواحد (حسب تكافؤ القوة الشرائية) يساوي تقريبا لدخل الفرد في أية دولة عادية في الاتحاد الأوروبي، ولما يقارب نسبة 60 في المائة ما يتمتع به الفرد الأميركي العادي!

وعلى رغم نجاح سلوفينيا، فهي في الوقت الحالي تواجه الكثير من المشاكل نفسها الموجودة في دول أكبر حجما في الاتحاد الأوروبي. وعودة إلى العام 1991، فقد كان لدى سلوفينيا، الدولة الممتدة أمام ثنايا جبال الألب النمساوية، هدف يتمثل في أن تصبح «سويسرا مصغرة» بوجود ازدهار اقتصادي لديها وتحرر على المستوى الشخصي. ومع ذلك، وبمضي السنوات العشرين الأخيرة فإن النظام الاقتصادي في سلوفينيا يشبه ذلك الموجود في فرنسا بدرجة أكبر مما هو في سويسرا.

أما الموقف تجاه رأس المال الأجنبي فهو في أفضل الأحوال موقف مختلط، وهو في بعض الحالات يكون عدائيا بشكل صريح. فهناك الكثير من السياسيين السلوفينيين يجادلون، كما هو حال سياسيي فرنسا، بأن هناك «مصلحة وطنية» في إبقاء العديد من الشركات السلوفينية بعيدة عن الأيدي الأجنبية. ومثلها مثل الكثيرين في «أوروبا العجوز» فإن البطالة فيها ذات نسبة مرتفعة بشكل مزمن، بحيث تبلغ أكثر من 7 في المئة بسبب أسواق العمل الجامدة، وبسبب الممانعة في تسهيل الاستثمار بالنسبة للشركات الأجنبية، وبسبب العوائق البيروقراطية والتنظيمية أمام تشكيل شركات جديدة.

ومن الممكن ملاحظة الفجوة «الفكرية» في الشد الحاصل بين الدول ذات المعدلات الضريبية المنخفضة في الاتحاد الأوروبي المؤلفة بشكل أساسي من دول وسط وشرق أوروبا الشيوعية السابقة (ذات الضرائب الثابتة والمعدل الضريبي المنخفض المفروض على دخل الأفراد والشركات لديها)، وبين الدول ذات المعدلات الضريبية المرتفعة وأسواق العمل الجامدة ممثلة نموذجيا بألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا.

وفي الأسابيع الماضية، رأينا كيف أن هذه الفجوة لعبت دورها في نزاع جرى بنحو غير ملائم إلى حد ما بين ألمانيا وليشتنشتاين. فقد قامت الحكومة الألمانية معتمدة بذلك على وجهة نظر واحدة بدفع أتعاب أو رشى بلغت عدة ملايين من الدولارات إلى موظف سابق في بنك في ليشتنشتاين ليقوم بالإبلاغ عن مواطنين ألمان يحاولون التملص من دفع الضرائب الألمانية.

وبفعل تصرف الحكومة الألمانية أصيب البعض في أوروبا بالرعب، مذكرين بأن قوانين سرية البنوك السويسرية الأصلية التي صدرت في سنوات ثلاثينيات القرن الماضي بهدف إبعاد «الغستابو» (البوليس السري النازي) عن تقديم رشى إلى موظفي بنوك سويسرية، وكان عدد قليل منهم (أي الموظفين) كشفوا ملكية الأموال الهاربة التي تم وضعها في هذه البنوك من قبل يهود ألمانيا وألمان آخرين كانوا معادين لهتلر. أما البعض الآخر في أوروبا فقد تحيزوا إلى جانب الألمان ضد ليشتنشتاين، مجادلين بأن من الخطأ أن يتم استخدام الشروط الخاصة بالسرية المالية لحماية أموال ضريبية هاربة.

ويقوم الألمان ودافعو ضرائب مرتفعة آخرون بتجاهل حقيقة أن بني البشر ينزعون بشكل طبيعي تماما نحو نقل شركاتهم وأموالهم (وحتى أجسامهم!) من مناطق ذات معدلات ضريبية مرتفعة إلى مناطق ذات معدلات منخفضة. وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل ولايات أميركية مثل تكساس وفلوريدا ونيفادا ونيوهامبشير تنمو بسرعة أكبر من ولايات ذات معدلات ضريبية مرتفعة مثل نيويورك ونيوجيرسي وكاليفورنيا.

وبما أن حرية حركة الأفراد والشركات تتسارع داخل الاتحاد الأوروبي وكذلك لدى الدول المجاورة له فإن البلدان الدولانية (المنادية بتركيز السلطة الاقتصادية لتكون بيد الدولة) تسلك نهجا يؤدي إلى أن تجد نفسها وبشكل متزايد محرومة وفي ظروف غير مواتية. فهل ستقوم هذه الدول باللجوء إلى ردود أفعال مشكوك فيها إلى حد ما من النوع الألماني، أم ستقوم باتخاذ إجراءات بناءة مثل خفض معدلات الضريبة الهدامة كما فعل الإيرلنديون وتحرير أسواق العمل كما فعل الدنماركيون؟

* خبير اقتصادي في معهد كيتو في واشنطن، ومدير مؤسسات اقتصادية عدة بما في ذلك «المركز الأوروبي للنمو الاقتصادي» في النمسا، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2150 - الجمعة 25 يوليو 2008م الموافق 21 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً