العدد 2154 - الثلثاء 29 يوليو 2008م الموافق 25 رجب 1429هـ

تونس: طموحات كبرى أمام اختبار النفط وهواجس المستقبل

«التجمع الدستوري» التونسي في مؤتمر «التحدي»... يبدأ أعماله اليوم

قبالة العديد من التحديات التي طرأت خلال السنتين الماضيتين والتي اشارت الكثير من القوى السياسية إلى خطورتها على التجربة التنموية في تونس منذ خيار التغيير في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1989، ينطلق اليوم( الأربعاء)في تونس العاصمة، المؤتمر الخامس للتجمع الدستوري الديمقراطي تحت عنوان مؤتمر «التحدي».

المؤتمر الذي من المقرر أن يختتم أعماله في الثاني من اغسطس/ آب 2008، يحظى باهتمام خاص من قبل النخب السياسية والشرائح الاجتماعية في تونس، ذلك أن ظروف انعقاد المؤتمر تأتي في توقيت تواجه فيه الطموحات التونسية في مجالات التنمية كافة العديد من التحديات الجديدة، وخصوصا تلك الاقتصادية التي استجدت جراء أزمة ارتفاع أسعار النفط العالمية مضافا لها الارتفاع في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.

العديد من المراقبين في تونس يؤكدون أن خصوصية المؤتمر الخامس للحزب الحاكم في تونس لا تقتصر على التحديات الاقتصادية على رغم أنها ستحظى بالاهتمام الاوفر، بل تمتد إلى العديد من اطر التنمية التي ستتطرق لها فعاليات المؤتمر في أكثر من مجال، كما سيكون حضور القواعد الشبابية في الحزب حضورا أعمق وأكثر تأثيرا عما كان عليه الحال في المؤتمرات السابقة، وخصوصا مع توجيهات رئيس الجمهورية التونسية زين العابدين بن علي الداعية إلى اشراك الشباب التونسي في الحوارات السياسية وتعزيز تمثيلهم في اللجان والمؤسسات الحزبية.

أولى مراحل التغيير في النظام الداخلي للتجمع الدستوري الديمقراطي، كانت عبر اشراف أعضاء الديوان السياسي واللجنة المركزية للتجمع على انتخابات نواب الجهات فى المؤتمر، وهو تغيير مهم ولافت بعد أن كان اختيار النواب يتم من دون اللجوء إلى الانتخابات في القواعد الشعبية للحزب. طريقة الاختيار تغيرت وأصبحت بدورها تخضع لقواعد الديمقراطية المبنية على قواعد التنافس النزيه داخل الحزب. ووصف مراقبون هذا الإجراء الجديد في التنظيم الحزبي للتجمع بأنه «الدرس الأول في احترام الديمقراطية والشفافية داخله، وفى إكساب مناضليه الحس التنافسي النزيه الذي يتطلب بدوره التميز والتألق ومواكبة الأحداث والتفاعل معها من أجل الإلمام بكل المستجدات والمتغيرات السياسية».

وفي هذا السياق، تشير العديد من الاوساط السياسية إلى أن «التجمع الدستوري» الذي رافق الرئيس بن علي في عملية التحول والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تونس، يقف اليوم أمام اختبار «الحفاظ على المكاسب وصيانتها لضمان التواصل والديمومة على وتيرة العمل الدؤوب نفسها من أجل استنهاض الهمم والحث على المثابرة الدائمة والعمل الموصول في ترابط واضح بين الماضي والحاضر والمستقبل بكل ثقة في النفس»، وهو ما يجعله عبر إقراره بعض التعديلات واعيا لخطورة المرحلة وحساسيتها أولا، وقادرا على التمسك بخيارات التحول التي اطلقها الرئيس زين العابدين بن علي ثانيا، وهي الخيارات التي قادت التغيير في تلك المرحلة الحرجة أواخر عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وهي الخيارات التي ازدادت الحاجة إلى التمسك بها مع المستجدات الإقليمية والدولية وانعكاساتها الجديدة على تونس خاصة، والعالم ككل.

تونس التي حققت السنوات الماضية مستويات راقية في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، راهنت على الإنسان التونسي في تجربتها بعد الاستقلال، وربطت خيار الدولة العصرية بهذا الرهان الذي أعطاها القدرة على التميز مقارنة بتجارب دول المغرب العربي، واليوم إذ تنعقد اعمال المؤتمر الخامس لأكبر أحزابها السياسية والذي يمسك بمقاليد الحكم، هي مدعوة إلى تفهم المتغيرات الجديدة في الاقتصاد العالمي والتفاعلات والمضاعفات الجانبية الناتجة عنه، والتي تعتبر أداة ضغط على التجربة التونسية وسيكون مرورها من هذا الاختبار الصعب دلالة على أن الرهان على الإنسان التونسي كان الخيار الصحيح منذ البدء.

هذه القدرة على الإلمام بمتطلبات العصر المتغيرة يصفها البعض بأنها «العنصر الذي أكسب - التجمع الدستوري - القوة على التجدد الدائم والتفاعل المتواصل، إذ إنه يعتبر من أعرق الأحزاب السياسية فى المنطقة، ومن أقدرها على التعاطي مع المستجدات والمتغيرات، وتاريخه يدل على ذلك لأنه حزب قادر على التجدد دائما في مضامينه السياسية ومنطلقاته الفكرية وفي تحديد أهدافه، وتجديد شعاراته وخطاباته، ووضع الاستراتيجيات التي يريد تحقيقها».

الرئيس التونسي زين العابدين بن علي كان قد أذن، منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي بتشكيل لجان على مستوى الجهات - مشابه لنظام المحافظات - والمحلي لإعداد لوائح المؤتمر. وتم ذلك على مستوى القواعد بالداخل والخارج. وخلال شهر مارس/ آذار الماضي انطلق عمل اللجان الوطنية بإعداد دراسات فكرية عن مختلف مجالات المسيرة الحزبية المتعلقة خاصة بالتكوين والتحرك السياسي والاستقطاب والحوار ورسم الخطوط المستقبلية لعمل التجمع الدستوري الديمقراطي في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وتشمل أعمال اللجان الوطنية التفكير بالمسيرة الوطنية في ضوء الانفتاح الاقتصادي وتنامي المشاريع الاستثمارية الأجنبية وتأثيرات التقلبات العالمية على أسعار المواد الأولية. كما تضطلع هذه اللجان بصياغة مشاريع لوائح المؤتمر. وعدد هذه اللجان ثماني وهي: لجنة الشئون السياسية والعلاقات الخارجية، ولجنة الاقتصاد والتنمية الجهوية والمستديمة، ولجنة الشئون الاجتماعية والتضامن وذوي الاحتياجات الخصوصية، ولجنة الشباب والطفولة والرياضة، ولجنة التعليم العالي والتكوين ومجتمع المعرفة، ولجنة الثقافة والإعلام، ولجنة المرأة والأسرة، ولجنة التكوين السياسي.

وتشكل هذه اللوائح بحسب المراقبين القريبين من التجربة التونسية «المرجعية الفكرية التي يستند اليها التجمع في تعزيز حضوره وضمان مصداقية نشاطه السياسي وتثبيت دوره في دفع المسار الوطني ولاسيما أن المؤتمر الخامس يفتح الباب لطور جديد من النضال والعمل السياسي إزاء ما يشهده الواقع التونسي من تطور مطرد على جميع المستويات».

وكانت أعمال اللجان الثماني المكلفة بإعداد لوائح مؤتمر التحدي قد بدأت اعمالها منتصف الشهر الجاري. وتناول النقاش «مختلف الجوانب المتصلة بالحياة السياسية، ولاسيما المكاسب التي سجلتها تونس في مجالات الحريات الديمقراطية والتعددية السياسية والاعلام والادارة والحكم الرشيد وحقوق الانسان والمجتمع المدني». كما تناولت «الأبعاد المؤثرة على السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك دور التجمع الدستوري الديمقراطي وعلاقاته مع الاحزاب من الدول الشقيقة والصديقة».

وتم ابراز الابعاد التى يكتسيها مؤتمر التحدي كـ «محطة سياسية مهمة لحزب سياسي من حجم التجمع ومناسبة لتأكيد الثوابت والتذكير بالمكاسب التي تحققت لتونس بفضل القيادة الحكيمة والاستشرافية للرئيس زين العابدين بن علي».

وثمن اعضاء اللجان مظاهر ومجالات الرعاية الاجتماعية فى تونس من خلال «الاحاطة بمشاغل المواطنين وتطلعاتهم، موصين بمواصلة العمل للاحاطة اكثر بالفئات الهشة باتجاه تعزيز المكاسب المحققة على صعيد تحسين مستوى عيش ونوعية حياة المواطنين».

كما جرى التأكيد بشأن «مسألة العمل والنهوض بالعلاقات المهنية على مواصلة انتهاج سياسة الحوار بين اطراف الانتاج والمنظمات وتثمين ما تحقق في مجال تشريع العمل وشمولية التغطية الاجتماعية واصلاح منظومة التأمين على المرض من اجل تحسين الخدمات الصحية».

وتركزت الاعمال فى جانب آخر، على أوضاع الشباب في تونس حيث تم بالمناسبة تثمين قرار الرئيس زين العابدين بن بتطوير تركيبة اللجنة المركزية واثرائها بـ «الترفيع في عدد اعضائها بإضافة شاب وشابة من التجمعيين دون سن الثلاثين عن كل لجنة تنسيق وعن هياكل التجمع بالخارج». مؤكدة «أهمية غرس روح المبادرة لدى خريجي التعليم العالي ومنظومة التأهيل واشاعة ثقافة الاعتماد على النفس في بعث المشاريع الخاصة اسهاما في حركة التنمية الاجتماعية والاقتصادية».

كما برزت من خلال النقاش أهمية «التأكيد على دور الرياضة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي اشعاع صورة تونس في المحافل الدولية. وتطرقت اللجان إلى مكاسب الطفولة في تونس وكيفية تطوير أداء المؤسسات ذات العلاقة والى دعم البرامج الشبابية الهادفة الى التشجيع على تعاطي العمل المؤسساتي وتأصيل مقومات الهوية مع الانفتاح على الحداثة».

كما اكد النقاش ضرورة «بحث ظاهرة الفشل الدراسي في مختلف مستويات التعليم ووضع أفضل الحلول لها فضلا عن ايلاء قطاع التعليم العالي الخاص مزيدا من الاهتمام بغاية تأهيله لمعاضدة جهود منظومة التعليم العالي العام».

وتناول النقاش «المكانة المحورية لقطاعي الثقافة والاعلام في المشروع الحضاري للرئيس زين العابدين بن علي والتي جسدتها قرارات وانجازات عديدة عززت دور القطاعين في المسيرة التنموية وفي التعريف بنجاحات تونس على اوسع نطاق في الخارج». وتم تقديم العديد من المقترحات للنهوض بأداء القطاعين وجعلهما في «مواكبة متواصلة للمستجدات العالمية مع المحافظة على الخصوصيات الحضارية للبلاد».

وعلى صعيد آخر، اهتمت اللجان بالمسائل ذات العلاقة بـ «التنمية الاقتصادية والجهوية - مستوى المحافظات - والتعاون الدولي اللامركزي الى جانب المواضيع المتصلة بالسياسة المالية وخاصة التحرير الجاري للدينار والنقل وعمل المجالس الجهوية والمحلية للتنمية». كما تمحور النقاش حول «مكانة المرأة والاسرة في فكر الرئيس زين العابدين بن علي والتي تجسدت عبر مختلف الاجراءات والقرارات التي اتخذها لفائدتها منذ التغيير وهو ما جعلها شريكا فعليا للرجل في كل المجالات».

واكدت اللجان بالخصوص «ضرورة المزيد من العمل على تعزيز حضورها في مراكز القرار ولاسيما بعد قرار الرئيس ترفيع نسبة تمثيل المرأة في اللجنة المركزية الى 30 في المئة».

وكان الرئيس زين العابدين بن علي قد اذن بمناسبة عيدى الاستقلال والشباب 2008 بانطلاق اشغال اللجان الوطنية لاعداد المؤتمر باعتماد ادبيات التجمع السياسية ووثائقه ومراجعه الفكرية وما تضمنته تقارير اللجان المحلية والجهوية من مقترحات وتوصيات.

وأوصى بأن تكون أعمال اللجان الوطنية فرصة حقيقية لتمكين الطاقات التي يزخر بها التجمع وإطاراته النسائية والشبابية وكفاءاته الفكرية والثقافية وخبراته في مختلف الميادين لاعطاء الروح النضالية المتجددة واللازمة للمرحلة القادمة وبعث النفس القوي والضروري لرفع التحديات القادمة وكسب رهانات المستقبل.

يذكر أنه بعد تحول 7 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1987 الذي قاده الرئيس بن علي، عقد التجمع الدستوري الديمقراطي أربعة مؤتمرات، كان لكل مؤتمر منها شعاره الخاص. وكان «أولها مؤتمر «الإنقاذ» بمثابة مؤتمر تأسيسي كرس التوجهات والاختيارات التي انبنى عليها التجمع كتنظيم طلائعي متفتح. وبعد بضعة أشهر فقط أمكن إرساء دعائم تنظيم يصح وصفه بأنه جديد قلبا وقالبا. ثم تلته ثلاثة مؤتمرات كان كل منها يحمل شعار تلك المرحلة فكان مؤتمر»المثابرة» ثم «الامتياز» ثم «الطموح»، لتعكس طبيعة البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتجه التجمع الى تركيز السعي فيه.

«التجمع الدستوري الديمقراطي» من مرحلة التأسيس إلى التحول

يعود تأسيس «التجمع الدستوري الديمقراطي» إلى مرحلة الكفاح الوطني التونسي ضد الاستعمار في جملة من الحلقات المتصلة كان منطلقها في نهاية القرن التاسع عشر، عندما اكتسحت الجيوش الفرنسية البلاد التونسية في أواخر شهر أبريل/ نيسان من العام 1881، إذ رفض الشعب التونسي الاحتلال الأجنبي واستمات في الدفاع عن استقلال البلاد.

كانت قيادة هذه الحركة التحررية تضم ثلة من المثقفين التونسيين، وكان للشيخ عبدالعزيز الثعالبي الذي طاله الاضطهاد الاستعماري مع بقية رفاقه من الشباب التونسي دور في توحيد الصفوف وإعادة بناء الحركة الوطنية على قواعد جديدة. وتجسد ذلك في الإعلان عن الحزب التونسي العام 1919، وفي إصدار أول بيان مرجعي للحركة الوطنية في نوفمبر/ تشرين الثاني 1919، في شكل كتاب يحمل عنوان تونس الشهيدة، وهو كتاب يحلل المساوئ المترتبة على النظام الاستعماري ويقدم جملة من الحلول لتجاوزها.

ولم يلبث الحزب التونسي أن تطور إلى حركة سياسية مكتملة النضج، إذ أعلن الحزب الحر التونسي تأسيسه رسميا في 14 مارس/ آذار 1920، وأخذ ينادي بالحياة الدستورية وسيلة لتخليص البلاد من الاستعمار، وسرعان ما أصبح يدعى الحزب الحر الدستوري التونسي، وهي تسمية تتلاءم أكثر مع برنامجه وتستند إلى سابقة تاريخية هي دستور سنة 1861 الذي طالب الحزب بإحيائه، ويعد الدستور الأخير من أول الدساتير العربية على الإطلاق. واعتبر هذا التنظيم آنذاك، أول حزب سياسي في تونس وفي المنطقة المغاربية، يوفق في جمع كلمة الناس حول جملة من المطالب الوطنية الواضحة.

وأقبل الحزب بعد اكتمال بنانه الداخلي على نشر مبادئه داخل البلاد وخارجها فسافرت بعض الوفود من الحزب إلى فرنسا للتعريف بالقضية التونسية، فيما بدأت تعبئة القوى الشعبية بالداخل، وقد برهن الحزب على تجذره في الواقع التونسي بالتحامه بالجماهير في مناسبتين مشهودتين، أولاهما: أزمة أبريل/ نيسان العام 1922، وما تلاها من مظاهرات احتجاجية، والأخرى: مساهمته في تأسيس أول جمعية نقابية تونسية مستقلة العام 1924.

وأمام العديد من الضغوط التي مارستها القوى الاستعمارية على الحزب، وصل جيل جديد من الشباب المثقف إلى مواقع قيادية في الحزب مثل محمود الماطري والزعيم الحبيب بورقيبة والطاهر صفر والبحري قيقة، غير أن الخلاف لم يلبث أن دب بين جيل الشبان وجيل الشيوخ حول أساليب الكفاح، وأسفر الخلاف عن انعقاد مؤتمر قصر هلال في 2 مارس 1934 دون مشاركة اللجنة التنفيذية، وأفضى الأمر إلى ميلاد تنظيم وطني جديد هو الحزب الحر الدستوري الجديد يسيره ديوان سياسي يرأسه محمود الماطري، ويشرف على أمانته العامة المحامي الحبيب بورقيبة، وبدخول هذا الحزب ميدان الصراع مع الاستعمار بدأت مرحلة أخرى في تاريخ تونس، فتحول الكفاح التحريري من دائرة الاحتجاج اللفظي إلى طور النضال الجماهيري.

تعززت مسيرة الكفاح الوطني في تونس خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها وقد أبدى الحزب في هذه المرحلة الحاسمة كفاءة تنظيمية عالية وقدرة على القيادة والتعبئة أتاحت له تأطير القوى الحية بالبلاد تأطيرا محكما. وكانت أبرز خاصيّة ميّزت الحركة الوطنية خلال هذه الفترة هي عودة الوفاق بين الحزب الدستوري الجديد والقديم وقد تجلى ذلك فـي تنظيم مؤتمر ليلة القدر أو عرف بمؤتمر الاستقلال يـوم 23 أغسطس/ آب 1946.

وعلى هذا النحو تمكن الحزب من تشديد الضغط على الاستعمار حسب منهج في الكفاح فرض على فرنسا قبول مبدأ التفاوض والإقرار بالأمر الواقع فالاعتراف باستقلال البلاد (1956).

مع دخول البلاد بعد الاستقلال مرحلة سياسية جديدة، انتقل النضال الوطني من طور المطالبة بإلغاء الحماية الأجنبية إلى بناء الدولة الحديثة وتخليص السيادة التونسية من شوائب الاستعمار. تطور كفاح الحزب وتطورت مسئولياته وتركزت محاور النضال على تجسيم المثل والأهداف التي ضحت من أجلها أجيال من المناضلين والشهداء.

وكانت طبيعة المرحلة تقتضي إعادة تنظيم الصفوف وتقوية الجبهة الداخلية فتعلقت همّة الوطنيين ببناء المؤسسات الكفيلة بحماية الاستقلال وضمان مناعة البلاد واستقرارها. فأعلن النظام الجمهوري وتم إقرار الدستور. وبالتوازي، خاض الحزب سلسلة من المعارك ضد آخر معاقل الاستعمار، وعبر في مناسبات مشهودة عـن تضامنه الكامل مع كل حركات التحرير بالأقطار المولى عليها.

لما طرحت قضية الجلاء عن بنزرت كان للهياكل الحزبية دور أساسي في تعبئة الجماهير وغرس روح الكفاح قبـل معركة جويلية 1961 وبعدها، حتى انتصر الشعب واسترد سيادته كاملة.

وفي هذه المرحلة الحساسة من تاريخ تونس دار الجدل حول تجديد المنهج الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وحسم الأمر خلال المؤتمر السابع للحزب الذي افتتح ببنزرت في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 1964، والذي أقر مبدأ تعايش القطاعات الثلاثة: الحكومي والتعاضدي والخاص، وتغير تبعا لذلك اسم الحزب الذي أصبح الحزب الاشتراكي الدستوري.

ومع أن الحزب الاشتراكي الدستوري قام بدور محوري في مؤازرة عمل الدولة إلا أنه في أواخر مراحله شهد تراجع الديمقراطية في صلبه وبات الانفراد بالرأي قاعدة العمل وظهرت داخله خلافات ونزعات قوامها الولاء لمراكز القوى وللأشخاص، وفي اليوم السابع من نوفمبر 1987 أعلن الوزير الأول آنذاك والرئيس الحالي زين العابدين بن علي مرحلة التحول في الدولة والتي رافقتها الدعوة لإجراء نقد ذاتي وبناء ورصد عوامل الوهن والجمود في الحزب، وهو ما انتهى باجتماع اللجنة المركزية في دورتها الأولى بعد التغيير، يومي 26 و27 فبراير العام 1988، لإعادة النظر في تنظيم الحزب وهياكله وطرق عمله في ضوء مقترحات القواعد. وقررت تغيير اسم الحزب إلى «التجمع الدستوري الديمقراطي».

العدد 2154 - الثلثاء 29 يوليو 2008م الموافق 25 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً