حتى اللحظات الأخيرة من مداولات المحكمة الدستورية التركية للنظر في حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم، لم يكن احد يستطيع تخمين منطوق الحكم، ذلك لأن القضاء مستقل... وإن كان هذا لا يكفي لكي تقرر المحكمة التي يغلب عليها الطابع العلماني، رفض حظر الحزب الإسلامي بسبب قيامه بنشاطات مناهضة للعلمانية وكذلك رفض منع 71 من أعضاء الحزب من ممارسة العمل السياسي. ربما أخذت المحكمة في الحسبان مستجدات ومتطلبات داخلية وخارجية.
يعتبر «العدالة والتنمية» حزبا معتدلا ومقبولا لدى الغرب ولذلك نجد أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان استبقت قرار المحكمة التركية برفض الحظر فيما أعلنت المفوضية الأوروبية أن إغلاق الحزب يعقد من الخطوات الإصلاحية المطلوبة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي طالما استماتت أنقرة للحصول عليه من دون جدوى. علاوة على ذلك لا تريد الولايات المتحدة حظر «العدالة والتنمية» الذي تجري حكومته اتصالات مكثفة لتخفيف التوتر بين الغرب وإيران بشأن البرنامج النووي. ولا ننسى أن تركيا ترعى محادثات سلام غير مباشرة بين سورية و»إسرائيل» في خطوة أنعشت هذا المسار المتوقف منذ 2000. ويريد المجتمع الدولي أيضا من حكومة رجب اردوغان لعب دورا ايجابيا ووضع حدا للانقسام بين شطري جزيرة قبرص. أما على الصعيد الداخلي لاشك أن للتفجيرات المروعة في اسطنبول والمتزامنة مع مداولات المحكمة لها تأثير على القرار القضائي، إذ لا يمكن استبعاد فرضية أن جماعات متشددة ربما تكون ممتعضة من الهيمنة العلمانية على بلد الخلافة العثمانية الذي تبلغ نسبة المسلمين فيه 98 في المئة من عدد السكان.
إذا نستطيع استنتاج أن قرار المحكمة الدستورية كان ذكيا بامتياز، إذ جنب البلاد الدخول في نفق سياسي واقتصادي مظلم، وإن كان لسان الحال يقول «مجبر أخاك لابطل».
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2156 - الخميس 31 يوليو 2008م الموافق 27 رجب 1429هـ