إنّ الحديث عن تاريخ السينما في البحرين يعدّ منقوصا ما لم يشر إلى الجهود التي تمّ بذلها في البحرين في سبيل تصوير وإخراج وإنتاج الأفلام السينمائيّة. فقد بدأت أوّل مُحاولة للتصوير السينمائي في البلاد في أواخر ثلاثينيّات القرن العشرين على يدي (نارايانان) سكرتير مستشار حكومة البحرين بلغريف. فقد استخدم كاميرا 8 ملّم صورت من خلالها المناسبات الرّسميّة الخاصّة بالشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، وجزء من المُناسبات في عهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة. وبدأت جهود أبناء البحرين في التصوير السينمائي تبرز في نهاية عقد الخمسينيّات وبداية عقد الستينيات من القرن العشرين، واشتعلت جذوتها في عقد السبعينيات الذي تمّ فيه إنتاج الكثير من الأفلام المتنوّعة.
يرجع الفضل في بدء حركة التصوير السينمائي في مملكة البحرين إلى شركة نفط البحرين المحدودة (بابكو). فقد بدأت بتصوير بعض الأفلام الإخباريّة القصيرة في الفترة من العام 1965م إلى العام 1971م على يدي الفنّان البحريني المعروف خليفة شاهين.
وأنتجت شركة «بابكو» في نهاية عقد خمسينيّات القرن العشرين فيلما قصيرا ركّز على النّظافة، صوّرت مناظره في قرية النّويدرات، ومثّل الأدوار مجموعة من شباب تلك القرية حينذاك، وتمّ عرضه للجمهور في قُرى البحرين ومدنها التي كانت تزورها سينما «بابكو» المتنقّلة تحت إشراف خليفة شاهين.
امتلك الفنّان خليفة شاهين الذي يعدّ من أوائل العاملين في المجال السينمائي، خبرة في التصوير والإخراج السينمائي من خلال عمله في شركة نفط البحرين المحدودة، ومن خلال دراسته فن التصوير السينمائي في هوليوود سنة 1969م، فأسس في العام1971م «مؤسسة الصقر للتصوير». وحقق عددا من الأفلام التسجيليّة التي عرضت في مهرجانات عالميّة، وفازت بعدّة جوائز منها: «صور من الجزيرة»، و «ناس في الأفق» و «الموجة السّوداء».
نال خليفة شاهين شهرة على المستوى العالمي، وشارك بنجاح فريق شركة «والت ديزني» العالميّة المعروفة في تصوير وإخراج فيلم «حمد والقراصنة» الذي استغرق العمل به 18 شهرا، أي في الفترة من مايو/ أيار 1969م وحتى أكتوبر/ تشرين الأول 1970م، وعرض للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأميركيّة في السابع من مارس/ آذار 1971م، وتم توزيعه فيما بعد على دول العالم. والفيلم شبه روائي يعرض تاريخ وتراث البحرين ابتداء من العصر الدلموني. والتقطت مناظر الفيلم في البحرين، والرّبع الخالي بالمملكة العربية السعودية، وإمارة دبي.
ومن بين المحاولات الجديرة بالذكر في العمل السينمائي، محاولات كل من الشابين علي عباس ومجيد شمس، فقد حققا أربعة أفلام قصيرة وفيلما تسجيليا واحدا، تتراوح مدة كلّ منها بين عشر دقائق ونصف ساعة، وذلك في الفترة من العام 1972م إلى العام 1978م. وتتمثل تلك الأفلام في: «الغريب»، و «انتقام» و «الرجال الثلاثة» و «غدار يا زمن» و «ذكريات»، وهو الفيلم الذي فاز بالجائزة الثالثة في مهرجان «المحاولات السينمائية الشابة» في طهران العام 1979م. إذ شاركت به وزارة الإعلام. ويذكر أن جميع تلك الأفلام من قياس 8 ملم.
شهد منتصف عقد السبعينيات بزوغ نجم الفنان بسام الذوادي الذي طالعنا في العام 1975م بأول أفلامه وهو فيلم «الوفاء»، فيلم صامت من قياس 8 ملّم ومدته 12 دقيقة، تناول فيه بشكل مركز المخدرات ومضارها.
اتجه بعد ذلك إلى تقديم الأفلام الدرامية القصيرة وهي أفلام ناطقة تتمثل في: «الأعمى» في العام 1976م، ومدته 20 دقيقة، «الأخوين» في العام 1977م ومدته 15 دقيقة، و «الأجيال» العام 1977م أيضا ومدته 20 دقيقة.
أراد الفنان بسام الذوادي أن يطوّر ذاته في مجال العمل السينمائي وأن تكون أعماله وفق منهج أكاديمي، فاتجه إلى دراسة السينما بالقاهرة في الفترة من العام 1978م إلى العام 1983م، وحقق خلال تلك الفترة فيلم «القناع» في العام 1981م وهو فيلم صامت من قياس 16 ملم ومدته دقيقتان ونصف، تناول فيه معاهدة «كامب ديفيد».
وفي العام 1983م طالعنا الذوادي بفيلم «ملائكة الأرض» وهو فيلم ناطق قياس 16 ملم، تناول فيه مذابح طصبرا وشاتيلا» بشكل رمزي. وفي العام 1990م تمكّن من تحقيق فيلم «الحاجز» وهو فيلم روائي طويل قام بإنتاجه بالتعاون مع إذاعة وتلفزيون البحرين، ويعدّ أوّل فيلم روائي بحريني، إذ عرض الفيلم في الكثير من المهرجانات ممثلا مملكة البحرين أهمّها مهرجان «القاهرة السينمائي» في المسابقة الرسمية (1990م)... مهرجان «قرطاج السينمائي» في المسابقة الرسمية (1990م)... مهرجان «دمشق السينمائي» في المسابقة الرسمية (1992م)... مهرجان «السينما العربية» في باريس في المسابقة الرسمية دورة العام 1992م، وفي «البانوراما» في دورة العام 2000، ومهرجان «طوكيو لسينما الشرق الأوسط» العام 1992م، وقد قامت «مؤسسة اليابان الثقافية» بشراء نسخة من الفيلم مقاس 35 دعما للسينما في البحرين، ومهرجان «روتردام للسينما العربية» بهولندا في المسابقة الرسمية العام 2002م، و «بانوراما السينما العربية» في فرانكفورت العام 2005م. أما آخر أفلامه فهو «زائر» الذي أنتجه العام 2003م بالتعاون مع شركة «البحرين للسينما»، وكان من بين الأفلام التي لقيت استحسان وإعجاب الجماهير.
وقد شارك فيلم «زائر» ممثلا للبحرين في مهرجان «أصيلة» (جنوب - جنوب) للأفلام السينمائية، في المسابقة الرسمية العام 2004م، وافتتاح مهرجان «زوى» السينمائي بسلطنة عمان العام 2004م، وختام مسابقة «أفلام الإمارات» العام 2004م، ومهرجان «قرطاج السينمائي» في المسابقة الرسمية العام 2004م، ومهرجان «فجر» السينمائي في إيران في المسابقة الرسمية العام 2005م، ومهرجان «السينما الآسيوية» في نيودلهي بالهند العام 2005م.
* كاتب بحريني
العدد 2204 - الأربعاء 17 سبتمبر 2008م الموافق 16 رمضان 1429هـ