العدد 2194 - الأحد 07 سبتمبر 2008م الموافق 06 رمضان 1429هـ

في ذكر ملوك البحرين وما وقع عليها

الباب الرابع

أول من سكن هذه الجزيرة طائفة من العمالقة المشهورة بالجاشم ـ بالشين المعجمة ـ، ثم ملك من بعدهم قوم من بني طسم من أهل اليمامة، وفي زمان بخت نصر اختارت شعبة من بني أزد سكناها، فلما جلس أردشير على سرير ملكه استولت عساكره على هذه الجزيرة، حتى ظهر في العالم سابور ذو الأكتاف وقصد تدمير الأعراب، فجاء إلى مدينة هجر وقتل من أهاليها جماعة كثيرة.

قال المسعودي في مروج الذهب: وقد كان سابور في سيره في البلاد أتي على بلاد البحرين وفيها يومئذ بنو تميم وبنو بكر وبنو عبد القيس، فأمعن في قتلهم وفر بنو تميم وشيخها يومئذ عمرو بن تميم بن مر وله يومئذ ثلاثمائة سنة، وكان يعلّق في عمود البيت في قفّةٍ قد اتخذت له، فأرادوا حمله فأبي عليهم إلاّ أن يتركوه في ديارهم، وقال: أنا هالك اليوم أوغدا وماذا بقي لي من فسحة العمر، ولعل اللّه ينجيكم من صولة هذا الملك المسّلط على العرب، فخلّوا عنه وتركوه على ما كان عليه، فصبّحت خيل سابور الديار، فنظروا إلى أهلها وقد أرتحلوا، ونظروا إلى قفّةٍ معلّقةٍ في شجرة، وسمع عمرو صهيل الخيل ووقعها وهمهمة الرجال، فأقبل يصيح بصوت ضعيف، فأخذوه وجاءوا به إلى سابور، فلما وُضع بين يديه نظر إلى دلائل الهرم ومرور الأيام عليه ظاهرة، فقال له سابور: من أنت أيها الشيخ الفاني؟

قال: أنا عمرو بن تميم بن مر وقد بلغت من العمر ما تري، وقد هرب الناس منك لإسرافك في القتل، وشدّة عقوبتك إياهم، وآثرت الفناء على يديك لتُبقي على من مضي من قومي، ولعلّ اللّه ملك السموات والأرض يجري على يديك فرجهم، ويصرّفك عمّا أنت بسبيله من قتلهم، وأنا سائلك عن أمر إن أنت أذنت لي فيه.

فقال له سابور قل: نسمع منك.

فقال له عمرو: ما الذي يحملك على قتل رعيتك ورجال العرب؟

فقال سابور: أقتلهم لما ارتكبوا من أخذ بلادي وأهل مملكتي.

فقال عمرو: فعلوا ذلك ولست عليهم بقيم، فلما بلغت بقوا على ما كانوا عليه من الفساد هيبة.

قال سابور: أقتلهم لإنا ملوك الفرس نجد في مخزون علمنا وما سلف من أخبار أوائلنا إنّ العرب ستدال علينا وتكون لهم الغلبة على ملكنا.

فقال عمرو: هذا أمر تستحقه أو تظنه.

قال: بل أستحقه، لابدّ يكون ذلك.

قال له عمرو: فإن كنت تعلم ذلك فَلِمَ تسيء إلى العرب، واللّه لإن تبقِ على العرب جميعا وتحسن إليهم، ليكافئونك عند إدالة الدولة لهم على قومك بإحسانك، وإن أنت طالت بك المدّة كافؤك عند مصير الملك إليهم، فيبغون عليك وعلى قومك، إن كان الأمر حقا كما تقول فهو أحزم في الرأي وأنفع في العاقبة ، وإن كان باطلا فَلِمَ تستعجل الأثم وتسفك دماء رعيتك.

فقال سابور: الأمر صحيح وهو كائن لكم، والرأي ما قالت، ولقد صدقت في القول، ونصحت في الخطاب.

فنادي منادي سابور بأمان الناس، ورُفع السيف، وكُفَّ عن قتلهم.

ويقال إن عمرو بقي في هذا العالم بعد هذا الوقت ثمانين سنة. إنتهي كلام المسعودي.

فلما انتقلت سلطنة الساسانية إلى أنوشيروان، فوّض إمارة تلك الجزيرة وعمان على يد المنذر بن النعمان، ولم يزل على حاله حتى طلع من مشرق السياسة شمس الإسلام، فصارت حكومة تلك النواحي إلى أبناء المنذر المزبور، فكانت تلك الساحة من متصرفات المسلمين كما سيأتي.

العدد 2194 - الأحد 07 سبتمبر 2008م الموافق 06 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً