العدد 2194 - الأحد 07 سبتمبر 2008م الموافق 06 رمضان 1429هـ

في ذكر محاسن أهل البحرين وشعرائها وعلمائها ـ رضوان اللّه عليهم

الباب الحادي عشر(2)

17ـ الشيخ علي الإحسائي:

وهو من تلامذة الشيخ أحمد الإحسائي ومجاز عنه، وله كتاب في الخطب والأشعار، مات ـ قدّس سرّه ـ سنة 1211هـ الحادي والعشرين بعد المائتين والألف.

18ـ السيد أبو عليّ ماجد بن هاشم بن عليّ

بن المرتضي بن عليّ بن ماجد الحسيني البحراني:

قال السيد العلاّمة في السلافة في الفصل الثاني في محاسن أهل العراق والبحرين ما لفظه: أنا أبتدئ هذا الفصل بمن انتهي إليه الفرع والأصل، واقدمه لنسبه الذي به تقدّم، وإذا كان مدح فالنسب المقدم هو أكبر من أن يفي بوصفه قول، وأعظم من أن يقاس بفضله طول، نسب يؤول إلى النبي، وحسبٌ يذل له الأبي، وشرف ينطح النجوم، وكرم يفضح الغيث السجوم، وعز يقلقل الاجبال، وعزم يردع الأشبال، وعلم يخجل البحار، وخُلق يفوق نسائم الأشجار، إلى ذات مقدسة ونفس على التقوي مؤسسة.

ـ إلى أن قال قدس سره ـ: ومما يسطر من مناقبه الفاخرة الشاهدة بفضله في الدنيا والأخرة، أنه ـ رحمه اللّه ـ كان قد أصابته في صغره عين ذهبت من حواسه الشريفة بعينيه، فرأي والده النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه، فقال له: إن أخذ بصره فقد اُعطي بصيرته، ولقد صدق وبر صلى الله عليه وآله وسلم فإنه نشأ في البحرين، فكان لهما ثالثا، وأصبح للفضل والعلم حارثا وارثا، وولي القضاء فشّرف الحكم والإمضاء، ثم انتقل منها إلى شيراز، فطالت به إلى العراق والحجاز، وتقلّد بها الإمامة والخطابة، ونشر خبر فضائله المستطابة، فتاهت به المنابر، وباهت به الأكابر، وفاهت بفضله الألسن والاقلام وافواه المحابر، ولم يزل بها حتى أتاه اليقين، وانتقل إلى جنة عرضها السموات والارض اُعدت للمتقين، فتوفي سنة ثمان وعشرين وألف، وهذا محل نبذة من شعره، ونفثة من بيان سحره، ولا أراني اُثبت منه غير اللؤلؤ البحراني:

اخبرني بعض الأصحاب أنه كان أنشأ في الجمعة خطبة أبدعها وأودعها من نفائس البراعة ما أودعها، فلما ارتقي ذروة المنابر انشأ ما كان انشأ وحبّر، فاستأنف لوقته خطبة اخري، وضمنها بهذه الأبيات التي كست فنون القريض فخرا وهي هذه:

فانشدتك اللّه الا ما نظرت إلى

صنيع ما ابتدئ الباري وما ابتدعا

تجد صفيح سماء من زمردة

خضراء فيها مزيد الدرّ قد رضعا

إلى أن قال ( قدس سره الشريف):

وليس في العالم العلوي من أثر

يحير اللّب إلاّ فيك قد جمعا

ثم ذكر صاحب سلافة العصر قصائدا وابياتا من جنابه، وإنما أعرضنا عنها روما للإختصار، وسيجيء نبذ من حالاته ومؤلفاته فيما بعد ان شاء اللّه، إذ هو من عمدة مشائخ الإجازات.

19ـ السيد أبو محمد حسين بن حسن بن أحمد بن سليمان الحسيني الغريفي البحراني:

قال السيد العلاّمة في سلافة العصر عند ذكره ما لفظه: ذو نسب يضاهي الصبح عموده، وحسب أورق بالمكرمات عوده، وناهيك بمن ينتهي إلى النبي في الإنتماء، وغصن شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهو بحر علم تدفقت منه العلوم أنهارا، وبدر فضل عاد به ليل الفضائل نهارا، إلى ان قال ـ قدس سره ـ إلاّ أن الفقه كان اشهر علومه واكثر مفهومه، ومعلومه عنه تقتبس انواره، ومنه يقتطف ثمره ونواره، وكان بالبحرين امامها الذي لا يباريه مبارٍ وهمامها الذي يصدق خبره الأخبَار.

ثم ذكر بعض أشعاره كما هو دأبه وشعاره ـ إلى أن قال ـ: وكانت وفاته سنة إحدي وألف، ولما بلغ نعيه شيخه الشيخ داود بن أبي مشافير البحراني استرجع وأنشد بديهة:

هلك الصقر يا حمام فغني

طربا منك في أعالي الغصون

وقال الشيخ جعفر بن محمد الخطّي البحراني يرثيه:

جدّ الردي سبب الإسلام فانجذما

وهد شامخ طود الدين فانهدما

ثم ساق الكلام في رثاء ذلك الإمام إلى أن قال:

لو أسمع الأسد شيئا من مواعظه

لضلك الأسد خوفا تكرم الغنما

إلى أن قال:

كأنه وضريح ضمّ جثته

ذو النون يونس لما ان له التقما

يا قبّرة لا عداك الدهر منسجم

من المدامع هام يخجل الديما

20ـ السيد أبو عبداللّه محمد بن عبدالحسين

بن إبراهيم بن أبي شبانة الحسيني البحراني:

قال سيد المشائخ في سلافة عصره في ترجمته لهذا الإمام الهمام ما لفظه:

علم العلم ومناره، ومقتبس الفضل ومستناره، فرع دوحة الشرف الناضر، المقر بسمّو قدره كلّ مناضل ومناظر، أضاءت أنوار مجده ماثرا ومناقبا ـ إلى أن قال ـ: وكان قد دخل الديار الهندية فاجتمع بالوالد ومدحه بمدائح نقضت عزل الحارث بن خالد، فعرف له حقه وقابله من الإكرام بما استوجبه واستحقه، وذكره عند مولانا السلطان بما قدمه لديه، وملأ من المواهب الجليلة يديه، ولمّا قضي آماله من مطالبها، ارتحل إلى الديار العجمية وقطن بها، فلقي بها تحية وسلام، وتنقل في المراتب حتى وليَّ مشيخة الاسلام، وهو اليوم نازل باصبهان، ورافع من قدر الأدب ومن نثره ما كتبه إليّ من ديار العجم سنة سبعين والف:

انهي بهي سلام شدت بنعمات السرور أطياره، وبدت على صفحات الزهور انواره، وأصلح دعاء تعاضدت شرائط إجابته، وترافدت وسائط إصابته، وسمت مصاعد قبوله، ونمت فوائد فروعه واصوله، وأنفس ثناء ثنيت بالوفاءمسانده ووسائده، وبنيت على الولاء قواعده ومقاعده، وخالص اخلاص حديث خلوصه قديم وخط خصوصه مستقيم، يخدم به المجلس العالي ببدر المعالي، والمحفل السامي بالفرح النامي، سيدنا الأمجد ومخدومنا الأنجد، شمس سماء المحامد والفضائل، وغرّة سيماء الأماجد والأفاضل، ديباجة صفحتى الشرف والفتوّة، ونتيجة مقدمتي الولاية والنبوّة، ساحب أذيال العز الشامخ، صاحب أصول المحتد الباذخ، مربع الكرم والجود، مرتع الآمال والقصود، الذي نيطت أعمدة فضائل أحسابه الفائقة بسلاسل أنسابه السامقة، وأصبحت كعوب أعراقه في الكرم متناسقة، وشعوب أخلاقه في الهمم متوافقة، لازالت زوايا أشكاله عن أشكال الحصر والحد خارجة، وقضايا أحواله نتائج السعد والجد نايحة، برح تهذيب اخلاقه كافيا في استبصاركّل فقيه، ودلائل اعجاز سلسلة أعرافه الذهبية شافية في ايضاح مطول نعته النيه.

وبعد فإن المخلص المشتاق وإن حجبته ضروب الخطوب المتكانفة، وصنوف الصروف المتكاثفة، عن الإستنارة بتلك الغرّة البهية، والطلعة السنية، لكن مناطق النطق بالثناء على اللّسان مشدودة، وعقائد الولاء في الجنان معقودة، وأيدي الدعاء في المظان ممدودة بدوام توفيقكم، لإستجلاء عرائس العلوم الفائقة، واستقصاء الفنون الّلائقة، سائلا منه سبحانه أن يرفع لكم المراتب الفاخرة، ويجمع المطالب في الدنيا والأخرة، ويجري بأيدي عنايته أقلام أقضيته وأقداره فنظمها في سلك جلاس ذلكم المجلس الأنيس، وحضارة هذا وإن عطفت عواطف اشفاقكم على مخلصكم ومشتاقكم برشحة من رشحات اقلامكم في صفحة من صفحات ارقامكم، فذلك من كرم أخلاقكم لازلتم في دائرة الإرتفاع دائرة، ونعمه في آفاق الإتساع سائرة، ما خطبت على منابر السطور خطباء الأقلام بالحمد والثناء والدعاء والسلام.

ومن شعره قوله مادحا الوالد وهي من القصائد الفاخرة:

أري علما مازال يخفق بالنصر

به فرق أوج المجد تعلو يد الفخر

مضي العمر لا دنيا بلغت بها المني

ولا عمل أرجو به الفوز في الحشر

ولا كسب علم في القيامة نافعٌ

ولا ظفرت كفي بمغن من الوقر

فاصبحتُ بعد الدرس في الهند تاجرا

وإن لم أفز منها بفائدة البحر

طويتُ دواوين الفضائل والتقي

وصرت إلى طيّ الأماني والنثر

وسودت بالأوزار بيض صحائفي

وبيضت سواد الشعر في طلب الصفر

وبعت نفيس العمر والدين صفقةِ

فياليت شعري بالذي بهما أثري

إذا جنني الليل البهيم تفجرت

علىّ عيون الهم فيها إلى الفجر

تفرقت الأهواء مني فبعضها

القوي ببيت اللّه والركن والحجر

إلى أن قال :

مضت في حروب الدهر غاية قوتي

فاصبحت ذا ضعف عن الكر والفر

إلى أن قال ونعم ما قال:

إذا لم تكن في الهند أصناف نعمة

ففي هجر أحضي بنصف من التمر

على أن لي فيها حماة عهدتهم

بناة المعالي بالمثقفة السمّر

إذا ما أصاب الدهر أكناف عزهم

رأيت لهم غارات تغلب في بكر

ولي والد فيها إذا ما رأيته

رأيت بها الخنساء تبكي على صخر

ولكنني اُنسيت في الهند ذكرهم

بإحسان من يسلي عن الوالد البر

إذا ذعرتني في الزمان صروفه

وجدت لديه الأمن من ذلك الذعر

وفي بيته في كلّ يوم وليلة

أري العبد مقرونا إلى ليلة القدر

ولا يدرك المطري نهاية مدحه

ولو أنه قد مدّ من عمر النسر

وفي كلّ مضمار لدي كلّ غاية

من الشر الأوفي له سابق يجري

إذا ما بدت في أول الصبح نعمة

تري فرجا قد جاء في آخر العصر

تقل لي أبيت اللّعن أذعن مفضع

أأصبر أم أحتاج للأوجه الغبر

إلى أن قال:

وإني لأرجو من جميلك عزمة

تبلغني الأوطان في آخر العمر

إلى أن قال:

وما زلت مشتاقا إليهم وعاجزا كما

اشتاق مقصوص الجناح إلى الوكر

ولكنما حسبي وجودك سالما

ولو أنني أصبحت في بلد قفر

فمن كان موصلا بحبل ولائكم

فليس بمحتاج إلى صلة البّر

21ـ إبنه العلاّمة السيد عبداللّه بن السيد محمد البحراني:

قال في سلافة العصر في ترجمة هذا الإمام ما لفظة: أديب قام مقام والده وسدّ، ولا عجب للشبل أن يخلف الأسد، فهو نفحة ذلك الطيب وأريجه، ونهر ذلك البحر وخليجه، المنشد لسان محتدّه، وهل ينبت الخطي إلاّ وشيجة، أثمرت أغصان أقلامه النابعة بثمرات البيان، وضم هوامل الكلام لقمة النهج، وغنّي ورائها الحاديان، ثم أخذ في مدحه وذكر بعض غرر قصائده، منها قصيدة يمدح بها الميرزا محمد طاهر كاتب القائع لسلطان العجم:

أوجهك أم برق تألق أم بدر

ولفظك أم در تناثر أم سحر

وقدّك أم غصن غص يرتجه الصبا

وردفك أم موج به قذف البحر

وفتّانة العينين عذرّية الهوي

فما لمعنّي لا يهيم بها عذر

إلى أن قال:

بنفسي من زارت ولليل بهيمة

بسائرها من صبح طلعتها فجر

فقالت سلام قلت أهلا ومرحبا

بمن زار غبا بعد ما فقد الصبر

إلى أن قال:

فتي ساد كلّ الخلق رأيا وحكمة

وأعزب حتى قيل فيه هو الدهر

فشا أمره بالفضل والبذل والندي

فسار له في كلّ قافلة ذكر

ثم ذكر طاب ثراه قصائده البليغة، ولم يتعرض لوقت وفاته فتوفي ـ قدّس سرّه ـ سنة 1118هـ.

22ـ السيد ناصر بن سليمان القاروني البحراني (رض):

قال صاحب سلافة العصر في ذلك الإمام الرباني ما لفظه: هو من قوم لم يجنح المجد عن خطهم إلى التخطي، وفيهم يقول شاعر البحرين جعفر بن محمد الخطي ـ قدّس سرّه ـ:

آل قارون لاكبا بكم الدهر

ولازلتم رؤوس الرؤوس

وهذا السيد ناصر عزّهم، وناشر برّهم، وصفوة مجدهم، وربوة نجدهم، وفرقد سمائهم، وأوحد عظمائهم، ورأس رؤسهم، وباسق غروسهم، الخطيب الشاعر الرحيب المشاعر، نثر فأكثر، ونظم فأعظم، وصاب فأصاب، وجاد فأجاد، وقضي وشرع، ونضا وأشرع، وفرّع وفتّن، وبرع وتفنن، فنظمه وشح الزمان، ونثره نجح الأمان، يفضل زهر المروج بل يفضح زهو البروج، ويفوق سجع الحمام، بل يخجل سفح الغمام، وقد أثبت من كلامه وزهرات أقلامه ما تنافح به العماري ، وتصادح به القماري.

اخبرني شيخنا العلاّمة جعفر بن كمال البحراني، قال: كنت ذات يوم جالسا في مسجد السدرة أحد مساجد القرية المعمورة بجد حفص، إحدي قري البحرين وهو مدرسة العلم ومجمع أولي الفضل والعلم، وكان عميد البلاد وكبيرها وقاضيها، القائم به تدبيرها السيد حسين بن عبد الرؤوف جالسا في ذلك المجلس وإلى جنبه السيد ناصر المذكور، وأحد المدرسين يقرأ كتاب القواعد المشهور فجاء إبن أخ للسيد حسين المشار إليه نافحا بكمه وزحرح السيد ناصر عن مكانه وجلس بجنب عمه، فغضب السيد ناصر وعتب، وتناول القلم مسرعا وكتب: ألا تعجبين من تقدم ذي البنان الخاضب على ذي البيان الخاطب، وذي الطرف الفتون على ذي الظرف والفنون، وذي الجسم الفاصل على ذي الجسم الفاضل، وذي الطول على ذي الطول، فإن الزمان طبع على هذه الشيمة منذ كان في المشيمة، ثم ذكر صاحب السلافة من قصائده وفوائده، وإنما لم أذكرها لضيق المجال، فتوفي ـ قدس سره الشريف ـ سنة 1111هـ.

23ـ السيد عبدالرضا بن عبدالصمد الولي البحراني:

قال صدر الملّة والدين في سلافته في ترجمته: الرضي المرتضي، والحسام المنتضي، الصحيح النسب، الصريح الحسب، مجمع البحرين، بحر العلم، وبحر العمل، ومقلد البحرين، بحر الأدب وبحر الأمل، ثني إلى الفضل أزّمة رحاله، فأصبح في الأفاضل علما فردا، فأنشد لسان حاله: ليس الجمال بمئزرٍ فأعلم، وإن رديت فردا إلى أدب مستفاض وبيان واسع فضفاض، ومع ذلك فطبقة شعره وسطي، وإن مد لهِ من مد يد القول بسطا، وقد وقفت منه على مالم يهز الإستحسان، لا كثرة عطفه ولا كساه الإحسان رقته لطفه، فمنها اخترت له قوله من مطلع قصيدة:

بات يسقيني من الثغر مداما

ذو بهاء يخجل البدر التماما

حلل الوصل وقد كان يري

وصل من يشتاقه شيئا حراما

ويري سفك دم العشاق فرضا

في هواه أو يموتون غراما

زارني وهنا ولمّا يوفِ لي

منه ميعادا فأدركت المراما

جاءني في حُلّة من سندس

ثمل الأعطاف سكرا تترامي

فاعترتني دهشةٌ من حُسنه

حين ارخي لي عن الوجه اللثاما

ثم ذكر صاحب السلافة قصائدا بليغة فيها فليراجع، مات ـ قدّس سرّه ـ سنة 1115هـ.

24ـ أخوه السيد أحمد بن عبدالصمد البحراني:

هو للعلم علم، وللفضل ركن وسُلّم، مديد في الأدب باعه، جليد كريمة طباعه، خلّد في صفحات الدهر محاسن آثاره، وقلّد جيد الزمان قلائد نظامه ونثاره، ثم أخذ في مدحه إلى أن قال: ولا يحضرني من شعره غير ما أنشدنيه له شيخنا العلاّمة جعفر بن كمال الدين البحراني (رض):

لا بلّغتني إلى العلياء معرفتي

ولا أدعتني العلي يوما لها ولدا

إن لم أمرُ على الأعداء مشربهم

مرارة ليس يحلو بعدها ابدا

ولا يحضرني تاريخ وفاته (نوّر اللّه ضرايحهم جميعا )

25ـ السيد علوي بن إسماعيل البحراني:

قال سيد الصدر في سلافة العصر ما لفظه: فاضل في النسب والأدب معرق وكامل، تهدل فرع مجده وأعرق، وهو اليوم شاعر هجر ومنطيقها الذي واصله المنطق الفضل وما هجر، يفسح للبيان مجالا ويوضح منه غررا وأحجالا، ويطلع في آفاقه بدورا وشموسا، ويروض من صعابه جموحا وشموسا، ويشتار من جناه عسلا، ويهز من قناه أسلا، ثم ذكر ما سنح له من القصائد وما خرج عنه من الفوائد.

26ـ السيد عبداللّه بن السيد حسين البحراني:

قال في السلافة: أديب من أفراد الأعيان، الممثلين فوائد البيان للعيان، ينظم شعرا جزلا فيجيد جدا وهزلا، ويزيل به عن المسامع أزلا، ونثره أحسن مغني وأتقن لفظا ومعني، وقد كان صحبني سنينا ومازلت بفراقه ضنينا، حتى فرق الدهر بيننا وقدّر القضاء بيننا، ومن نظمه ونثره ما كتبه اليّ:

فخر العلي بحر المكارم لم تزل

بكم المعالي تستطيل علاء

طوقتني طوق السرور فهال من

جيد تطوّق بالسرور ثناء

فمتي أقوم بشكر برّك سيدي

والبر لا أستطيعه إحصاء

ويؤدِ مني كلّ عضو أنّه

يمسي ويصبح ناطقا ثناء

عبدا ملكتم سامحوه تفضلا

إذ كنتم السمحاء والفضلاء

نجل ساحة رافع قواعدها، ساطع آيات الكمال، ونقيل راحة جامع فرائدها، بالغ غايات الفضيلة والإفضال، من نيط بهمته الرفيعة نياط النجوم، فمتي يشكال أو يماثل وميط بعزمته المنيعة بسام الهموم، فمتي يساحل أو يساجل، الحائز قصبات السبق فلا يدرك شأوه، وإن أرخي العنان، الفائز بوصلات الحق فأستنارت آراؤه بشموس التبيان، المحدد بجهات مكارم الأخلاق، المجدد لسمات المفاخر على الإطلاق، الحاوي لعلوم آبائه الأكابر وراثة كابر عن كابر، برح سعادة الإقبال أوج سيادة الإقبال، مطلع شمس العلوم والمعارف، مجمع مجري العلوم والعوارف، من أوقفت نفسي بأعتابه موقف الأرقاء، فأرتقيت عن حضيض الإمتهان غاية الإرتقاء، كيف لا وهي كهف اللاّئذ ورقيم العائذ، وصفاء الصفاء، ومرو المروة والوفاء، وعرفات العرفان، ومني المني، ومظنّة الإحسان، لازلت منهلا للواردين، ولابرحت موئلا للقاصدين، حمية الذمار أبية عن الوصم والعار ـ إلى أن قال ـ صاحب السلافة: ومن شعره قوله متغزلا:

أتت تحمل أريق شمس الضحي وهنا

ولو سمحت بالريق كان لنا الهني

حكاها قضيت الخيزران لإنه

يشاركها في الإسم والوصف والمعني

ترينا الضحي والليل ساج وما أضحي

وطلعتها من نور طلعته أسني

مهفهفة الأعطاف حوراء خلتها

من الحور إلاّ أن مقلتها وسني

لها كفل كالدعص ملاء إزارها

وقدٌّ إذ ماست به يخجل الغصنا

عليها برود الإرجوان كأنها

شقائق أو من وجنتيها غدت تجني

ولا عيب فيها غير أن مليكها

يراها بخلق يعقب الحُسن بالحسني

إلى أن قال:

هي الروح والريحان والراح والمني

علينا بها معطي المواهب قد منّا

قصرت عليها محض ودّي فلم يكن

سواها له في القلب ريع ولا معني

27ـ الشيخ داود بن أبي شافير البحراني:

قال في السلافة: البحر العجاج إلاّ أنه العذب لا الاجاج، والبدر الوهاج، إلا أنه الأسد المهاج، رتبته في الآفاق شهيرة، ورفعته اسمي من شمس الظهيرة، ولم يكن في عصره ومصره من يدانيه في مده وقصره، وهو في العلم فاضل لايسامي، وفي الأدب فاضل لم يكلّ الدهر له حساما، إن شهر طبق، وإن نشر عبق، وشعره أبهي من شف البرود، وأشهي من رشف الثغر والبرود.

إلى أن قال ـ قدّس سرّه ـ ومن شعره قوله:

قل لأهل العدل لو وجدوا

من رسيس الحبِّ ما نجد

أوقدوا في كلّ جارحة

زفرة في القلب تتقد

فأسعد الهائم أيها اللائم

فالهوي حاكم إن عصي أحد

أو أراد القلب أن يردّد

سنّة العشاق أو يبعد

قال سلطان الغرام أعبد

خاضعا وأسجد كما سجدوا

ثم ذكر تمام القصيدة وبعض قصائده الفائقة، فتوفي ـ قدّس سرّه ـ سنة 1017.

28ـ أبو البحر الشيخ جعفر الخُطّي (رحمة اللّه عليه):

وهو جعفر بن محمد بن عليّ بن ناصر بن عبد الإمام الشهير بالخُطّي البحراني العبدي، أحد بني عبد القيس بن شن بن قصي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن سعد بن عدنان ـرحمه اللّه تعالىـ.

هكذا ضبطه البهائي ـ قدّس سرّه ـ قال صدر الأئمة في سلافة العصر في ترجمة أبو البحر ما لفظه:

ناهج طرق البلاغة والفصاحة، الزاخر الباحة، الرحيب المساحة، البديع الأثر والعيان، الحكيم الشعر، الساحر البيان، ثقف بالبراعة قداحه، وأدار على السامع كؤوسه وأقداحه، فأتي بكلّ مبتدع مطرب ومخترع في حسنه مغرب، ومع قرب عهده فقد بلغ ديوان شعره من الشهرة المدي، وسار به من لا يسير مسمرا، وغني به من لايغني مقررا، وقد وقفت على فرائده التي لمعت، فرأيت ما لاعين رأت ولا أذن سمعت، وكان قد دخل الديار العجمية فقطن فيها بفارس، ولم يزل بها وهو لرياض الآداب جان وغارس، حتى اختطفته أيدي المنون، فعّرس بفناء الفناء، وخلّد عرائس الفنون، وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وألف.

ولما دخل إصفهان اجتمع بالشيخ بهاء الدين محمد العاملي (رض) وعرض عليه أدبه، فاقترح عليه الشيخ معارضة قصيدته الرائية التي عنوانها سري البرق من نجد فهيج تذكار، فقال الشيخ له: قد أمهلتك شهرا، فقال الشيخ جعفر: بل يوما، بل في مجلسي هذا، فاعتزل ناحية وأنشأ هذه القصيدة البديعة في غاية الجودة، وهي هذه:

هي الدار تستسقيك مدمعك الجاري

فسقيا فخير الدمع ما كان للدار

إلى أن قال:

فأنت أمرء بالأمس قد كنت جارها

وللجار حتى علمت على الجار

عثرت إلى اللّذات فيها على سني

سنار شموس ما يغبن وأقمار

فاصبحت قد أنفقت أطيب ما مضي

من العمر فيها بين عون وإبكار

نواصع بيض لو أفضن على الدجي

سناهن لا استغني عن الأنجم السار

إلى أن قال:

الي ماجد يعزي إذا أنتسب الوري

إلى معشر بيض أماجد أخيار

ومضطلع بالفضل زر قميصه

على كنز آثار وعيه أسرار

سمي النبي المصطفي وأمينه

على الدين في إيراد حكم وإصدار

به قام بعد الميل وانتصبت به

دعائم قد كانت على جرف هار

فلما أناخت بي على باب داره

مثابة طواف وكعبة زوّار

فكان نزولي إذ نزلت بمغدقٍ

على المجد فضل البرد عار من العار

أساغ علىَّ رغم الحوادث مشزي

وأعذب ورد العيش لي بعد إصرار

وأنفذني من قبضة الدهر بعدما

الّح بأنياب علىَّ وأظفار

جهلت على معروف فضلي فلم يكن

سواه من الأقوام يعرف مقدار ي

ولما إنتهى إلى هذا البيت في الإنشاد، قال له ـ وأشار إلى جماعة من سادات البحرين وأعيانهم كانوا عنده ـ: وهؤلاء لا يعرفون مقدارك، فقال:

على أنه لم يبق فيما أظنه

من الأرض شبر لم تطبقه أخباري

إلى أن قال:

والزمتني جريا وراءك بعدما

وقفت مقاما دونه يقف الجاري

وكلّفتني مداح امرء لو مدحته بشعر بني الحّوا فدع عنك أشعار

ولما أتم إنشادها كتب إليه الشيخ بهاء الدين مقرّظا: أيها الأخ الأعز، الفاضل الألمعي، بدر سماء أدباء الأعصار، وغرة شيماء بلغاء الأمصار، أيم اللّه إني كلّما سرّحت بريد نظري في رياض قصيدتك الغراء، ورويت رائد فكري من حياض مزيدتك العذراء، زاد بها ولوعي وهيامي، وأشتد إليها ولهي وأوامي، فكأنما أعناها من قال قصيدتك الغراء، يا فرد دهره، تنوب عن الماء الزلال لمن يظمأ

فتروي متي تروي بدايع لفظها

ونظما إذا لم نرو يوما لها نظما

ولعمري لا أراك إلاّ آخذا فيها بأزمّة أوابد اللّسن نفوذها حيث أوردت، وتوردها أني شئت واردت، حتى كأن الألفاظ تتحاسد على التسابق إلى لسانك، والمعاني تتغاير في الانثيال على جنانك والسلام. كتبه بهاء الدين العاملي.

ومن بدائع غرر قصائده هي القصيدة التي يصف فيها حاله، وكان آتيا من قرية توبلي ـ وتعرف قديما بمرّيّ بكسر الميم وتشديد الراء ثم الياء المثناة ـ متوجها لقرية البلاد ومعه إبنه حسان وبينهما خليج من البحر، فلما توسطه ضربته في وجهه سمكة تعرف بالسبيطية فشجت وجهه، فانشأ هذه القصيدة، وينقل أنه لم يوجد بعد ذلك شيء من السبيطية في هذا البحر وهي هذه:

برغم العوالي والمهندة البتر

دماء ألاقتها سبيطية البحر

الا قد جنا بحر البلاد وتوبلي

علىَّ بما ضاقت به ساحة البر

فويل بني شن بن قصي وما الذي

رمتهم به أيدي الحوادث من وتر

دم لم يرق من عهد نوح ولا جري

على حدّ ناب للعدو ولا ظفر

تمامته أطراف القنا وتعرضت له

الحوت يا بؤس الحوادث والدهر

لعمري أبي الأيام إن باء صرفها

بثار امرء من كلّ صالحة

بكائي طويل والدموع غزيرة

وقد أتاني الشر

فلا غرو فالإمام بين صروفها

وبين ذوي الأخطارجرت إلى الحشر

ألا فأبلغ الحيين بكرا وتغلبا

فما الغوث إلاّ عند تغلب أو بكر

أير فيكما أن امرء من بينكما

وأي امرء يدعي إلى الخير والشر

يراق على غير الصبا دم وجهه

ويجري على غيرالمثقفة السمر

وتنبوا بنوب اللّيث منه وينثني

أخو الحوت عنه دامي الفم والثغر

ليقض امرء من قصتي عجبا ومن

يرد شرح هذا الحال ينظر إلى شعر

إلى أن قال:

توجهت من مرّي ضحي فكأنما

توجهت من مرّي إلى العلقم المرّ

تلجلجت خور القريتين مشمرا

وشبلي معي والماء في أول الجزر

فما هو إلاّ أن فجئت بظافر

من الحوت في وجهي ولاضربة العهري

لقد شق يمني وجنتي بنطحة

وقعت بها دامي المحيا على قطر

فخيل لي أن السموات أطبقت

علىَّ وأبصرت الكواكب في الظهر

إلى أن قال:

فها هو قد أبقي بوجهي علامة كما

اعترضت في الظرس اعرامة الكسر

فإن يمح شيئا من محياي اثرها

بمقدار أخذ المحو من صفحة البدر

إلى أن قال:

وقل بعد هذا للسبيطية افخري

على سائر الشجعان بالفتكة البكر

فلو همّ غير الحوت بي لتواثبت

رجال يخوضون الحمام إلى نصر

إلى أن قال:

يخاف على من يركب البحر شرها

وليس بمأمون على سالك البر

لعمر ابي الخُطّي إن بات ثأره

لذي غير كفوء وهو نادرة العصر

فثأر علىّ بات عند ابن ملجم

وأعقبه ثأر الحسين لدي شمر

ولما عرضت هذه القصيدة على الشريف العلاّمة ماجد بن هاشم البحراني كتب عليها مقرظا: أجلت رائد النظر في الفاظها ومعانيها، وأحللت صاعد الفكر في أركانها ومبانيها، فوجدتها قرة عين الإبداع، ومسرة في قلة الإختراع، والحق أحق بالإتباع، فالحمد للّه على تحديد معالم الأدب بعد اندراسها، وتقويم راية البلاغة بعد انتكاسها، ودرّ غرائب الفصاحة إلى مسقط رأسها، وازالة وحشتها وايناسها، وكتب ماجد بن هاشم البحراني.

ومن محاسن مراثيه قوله يرثي الشيخ ابا عبد اللّه بن ناصر بن حسين بن المقلد من بني وايل للسنة الحادية بعد الألف:

أكف البرايا من تراثهم صفر

وبيض المنايا من دمائهم حمر

وخيل الرزايا ما تزال معدة

تقابلنا فرسانها ولها النصر

تكر علينا البيض والسمر بالردي

فتبلغ ما لا يبلغ البيض والسمر

ومورد هذا الدهر مرّ وانّه

لأعذب شيء عندنا ذلك المرُّ

خليلي من أبناء بكر بن وائل

قفا واندبا شيخا به فُجعت بكر

وبدر ترائي للنواظر فاهتدت

به برهة ثم اختفي ذلك البدر

إلى أن قال:

فيا أيها الشاري الذي اتخذ الثري

مقاما فهلاّ كان في صدري القبر

وهلاّ استخار الغاسلون مدامعي

لجسمك غسلا ثم شيب به السدر

فإن جُعل الماء القراح برغم من

رآه لكم طهرا فأنتم له طهر

وإن بليت أكفانك البيض في الثري

فما بلي المعروف منك ولا الذكر

أوال سقيني صوت كلّ مجلجل

من المزن همام لا يجف له قطر

كأنك مغناطيس كلّ مهذب

فما كامل إلاّ وفيك له قبرُ

ليهنك فخرا ان ظفرت بتربة

يعفر خدّا دون إدراكها العفر

ثوي بك من آل المقلد سيد

هو الذهب إلإبريز والعالم الصفر

فتي كرمت آباؤه وجدوده

وطابت مساعيه فتم له الفخر

إلى أن قال:

جوادٌ له في كلّ انملة بحر

بصير له في كلّ جارحة فكر

ويا بلد الخطّ اعتراك لفقده

صدي الدهر كسر لا يرام له جبر

من الآن بدؤ الشر فيك وانه

لمتصل باق وآخره الحشر

فأي فتي لا يرهب الضيم جاره

فقدت ويسر لا يمازحه عسر

وليث وغي لو قابل اللّيث أعزلا

وحاوية لم يغنه الناب والظفر

فأقسم لولا موته في فراشه

لجردت البيض المهندة البتر

وأرعشت الملّة المثقفة السمر

وأقبلت الخيل المسومة الشفر

إلى أن قال ولنعم ما قال:

فلولا انقضاء الأعوام ما فني الدهر

ولولا فني الأيام ما نفد الشهر

ودونكم من لجّة الفكر درّة

منظمة يعنو لها النظم والنثر

وعذراء من حرّ الكلام خريدة

بأمثالها في الشعر يفتخر الشعر

وما مهرها إلاّ قبولكم لها

لقد كرمت ممهورة وغلا المهر

العدد 2194 - الأحد 07 سبتمبر 2008م الموافق 06 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً