العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ

الحديث عن بني جمرة

وبعد ما ذكرنا عن البحرين كمدخل للحديث عن بني جمرة ننتقل الآن إلى هذا الحديث، وقبل الحديث عنها يثور أمامي هذا السؤال: لماذا لم يكتب عن هذه القرية شيء حتى كأنها لا قدم لها، ولا أثر في التاريخ!! علما بأن فيها ما يقتضي أن يكتب عنه، من علماء وخطباء، وحرف، وحوادث، الأمر الذي جعل حتى أبناءها لا يعرفون عن ماضيها إلا الشيء اليسير، إلى درجة أن العلماء الذين تتكرر أسماؤهم عند أبناء القرية نقلا عن أسلافهم يعرف شيء عن حياتهم وسيرتهم، بل يجهل حتى أسماء وآباء أكثرهم، وحتى الذين ليسوا ببعيدي العهد؟

والجواب على هذا السؤال هو: أني أحسب أن السبب يعود إلى أن الذين جاؤوا في الفترة المتأخرة أي فيما قبل جيلين أو ثلاثة في التاريخ قد تحملوا قضية الإهمال بسبب أميتهم من ناحية، وكونهم بعيدين عن الأمور العلمية بسبب اشتغالهم بمهنة الصياغة والنجارة والصرافة، وبعد ذلك بهمنة النساجة من ناحية أخرى.

وإن مصادري من الكتب عن هذه القرية تتلخص في ثلاث جهات:

-1 بعض الكتب التأريخية والمجلات التي تعرضت لذكرها.

-2 بعض الثقات في النقل وأهل الضبط الذين أعتمدهم وأثق بصحة نقلهم عمن تقدمهم كالعم المفغور له الخطيب ملاعطية بن علي الجمري طاب ثراه.

وقبل الحديث عن بني جمرة، أرى أن نأخذ معنى جمرة في اللغة، وفي الاصطلاح، ونشير إلى من سمي جمرة في صدر الإسلام، ومن كني بهذا الاسم، أو نسب إليه.

الجمرة في اللغة والاصطلاح والشعر العربي

الجمرة في اللغة: الحصاة، وجمعها جمرات، وجمار، وفي الاصطلاح: ثلاثة مواضع بمنى في ظاهر مكة، عرفت كذلك لأن الحجاج يرمون بها الجمار .

-1 حدثني المرحوم ابن العم الخطيب ملاعطية بن علي الجمري رحمه الله تعالى: أن أهل بني جمرة - في القديم - يمتهنون ثلاثة أعمال هي: الصياغة، والتجارة، والصرافة. ويشار إلى أهل الفن الأول بالصاغة، وإلى أهل الفن الثاني بالنجاجرة، وإلى أهل الفن الثالث بالخرادوة. أما عمل النسيج فقد امتهنه أهل القرية مؤخرا. وحدثني ابن العم الحاج حسن الحاج إبراهيم الحاج محمد نقلا عن أبيه رحمه الله: أن هناك فئة رابعة، يقال لها: المرايمة. وبتحري الحاج حسن، إنها فئة عملها ثقب اللؤلؤ، نظرا إلى أن هناك آلة يستعملها النجارون.

بالتدريس والتصنيف والعبادة والتأليف في قرية المصلي من توابع بلادنا بلاد القديم إلى أن توفي بها لثمان خلون من ربيع الأول سنة 984هـ (أربع وثمانين وتسعمائة من الهجرة) عن ستة وستين وشهرين وسبعة أيام (1576 م)، ودفن في مقبرة البلاد المعروفة بـ (مقبرة الشيخ راشد)، شمالا من المسجد، وقد زرت قبره مرارا ودعوت الله عنده. وعلى قبره صخرة مكتوب عليها اسمه واسم أبيه وبلاده وتأريخ وفاته ضاعف الله حسناته.

ورثاه ابنه الشيخ البهائي بقصيدة، منها قوله:

يا جيرة هجروا واستوطنوا هَجَرَا

وَاها لقلبي المعنَّى بعدكم وَاها

يا ثاويا بالمصلى من قرى هَجَرِ

كُسيت من حلل الرضوان أضفاها

أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت

ثلاثة كُنَّ أمثالا وأشباها

ثلاثة أنت أنداها وأغزرها

جودا وأعذبها طعما وأصفاها

حويت من درر العلياء ما حويا

لكن درك أعلاها وأغلاها

ويا ضريحا علا فوق السِماك علا

عليك من صلوات الله أزكاها

فاسحب على الفلك الأعلى ذيول علا

فقد حويت من العلياء أعلاها

«وكانت ولادته أول يوم من المحرم السنة الثامنة عشرة بعد التسعمائة (1512 م)، وعلى هذا يكون عمره - قدس سره - خمسا وستين سنة وثلاثة أشهر وأياما».

ومن هذه القصيدة البيت الآتي وهو من شواهد ابن هشام في «قطر الندى»:

دعاني الغواني عمهن وخلتني

لي اسم فلا أدعى به وهو أول

وقال ابن منظور في «لسان العرب» مادة جمر. والجمرة: القبيلة لا تنضم إلى أحد. وقيل: هي القبيلة تقاتل جماعة قبائل وقيل: هي القبيلة يكون فيها ثلاثمائة فارس أو نحوها. والجمرة: ألف فارس، يقال: جمرة كالجمرة. وكل قبيل انضموا فصار يدا واحدة ولم يحالفوا غيرهم فهم جمرة. الليث.

الجمرة كل قوم يصبرون لقتال من قاتلهم لا يحالفون أحدا ولا ينضمون إلى أحد، تكون القبيلة نفسها جمرة تصبر لقراع القبائل كما صبرت عبس لقبائل قيس. وفي الحديث عن عمر: أنه سأله الحطيئة عن عبس ومقاومتها قبائل قيس فقال: يا أمير المؤمنين كنا ألف فارس كأننا ذهبة حمراء لا نستجمر ولا تنالف أي: لا نسأل غيرنا أن يجتمعوا إلينا لا ستغنائنا عنهم. والجمرة: اجتماع القبيلة الواحدة على من ناوأها من سائر القبائل، ومن هذا قيل لمواضع الجمار التي ترمى بمنى جمرات لأن كل مجمع حصى منها جمرة. وهي ثلاث جمرات. وقال عمرو بن بحر: يقال لعبس وضبَّة ونمير الجمرات، وأنشد لأبي حية النميري:

لنا جمرات ليس في الأرض مثلها

كرام، وقد جربن كل التجارب

نمير وعبس يتقى تقيانها،

وضبَّة قوم بأسهم غير كاذب

جمرة في التاريخ

جاء في كتاب «سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب» لمؤلفه: أبي الفوز محمد أمين البغدادي الشهير بالسويدي ص 44 :

«الجمرات: بفتح الميم بطن من لخم فيما ذكره أبو عبيد في أنسابه فقال: هم من بني غنم بن أريش بن أراش بن جزيلة بن لخم. وقال الجوهري في صحاحه: جمرات العرب ثلاث: بنوضبة بن أد، وبنو الحارث بن كعب، وبنو نمير بن عامر، فطفيت جمرتان، جمرة ضبة لأنها حالفت الرباب، وجمرة بني الحارث لأنها حالفت مذحج، وبقيت جمرة نمير لم تطف لأنها لم تحالف. ويقال: الجمرات عبس والحارث وضبة وهم إخوة لأم، وذلك أن امرأة رأت في المنام أنه خرج من فرجها ثلاث جمرات، فتزوجها كعب بن عبدالمدان رجل من اليمن فولدت له الحارث بن كعب وهم أشراف اليمن، ثم تزوجها بغيض بن ليث فولدت له عبسا، وهم فرسان العرب، ثم تزوجها أد فولدت له ضبة، فجمرتان في مضر وجمرة في اليمن».

وعليه فالجمرة الباقية هي جمرة نمير. ومن هم نمير؟ قال السويدي في المصدر السابق ص 42 : «بنو نمير بطن من عامر بن صعصعة، منهم قيس بن عاصم بن أسيد الصحابي، وفد على النبي (ص)، قال في العبر: وكانت منازلهم الجزيرة الفراتية والشام».

من سمي جمرة في صدر الإسلام

عثرت وأنا أبحث عمن سمي بهذا الاسم في صدر الإسلام على أربع نساء صحابيات، ورجل، أما النساء فهن:

-1 جمرة، امرأة عيينة بن حصن الفزاري صحابية، وهي غير بنت الحارث بن عوف.

-2 جمرة بنت عبدالله التميمية اليربوعية، صحابية حسنة، دعا لها النبي(ص).

-3 جمرة بنت قحافة الكندية الكوفيه، روى عن النبي (ص).

-4 جمرة بنت النعمان العدوية، صحابية. وأما الرجل فهو: جمرة بن شهاب وهو من بني ضرام، فهو الذي سأله الخليفة عمر بن الخطاب (رض) - كما يروى - عن اسمه فقال: جمرة، فقال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، فسأله عن قبيلته فقال: ضرام من الحرقة، فسأله عن منزله، فقال: بنات لظى، فقال ما أظن أهلك إلا قد احترقوا، فيروى أنه ذهب إلى أهله فوجدهم قد احترقوا.

من كني بجمرة

جاء في كتاب (القاموس الإسلامي) وضع أحمد عطية الله المجلد الأول ص 631 : ابن أبي جمرة كنية اثنين من مشاهير فقهاء المالكية بالأندلس، هما:

-1 أبوبكر محمد بن أحمد بن عبدالطلب الأموي المالكي، ولد بمرسية عام 518 هـ 1124م، وتولى القضاء بها، كما تولى قضاء شاظية وبلنسية. من مصنفاته: (نتائج الأفكار ومناهج النظار في معاني الآثار). توفي بمسقط رأسه العام 599هـ أو 1203م.

-2 أبو محمد عبدالله بن سعد الأزدي المالكي، أصله من الأندلس، ثم سكن مصر، واشتغل بعلوم الحديث. اشتهر بكتابه (جمع النهاية)، وهو مختصر متداول للجامع الصحيح للبخاري، كما يعرف بـ (مختصر ابن أبي جمرة) توفي بمصر العام 695 هـ 1296م.

النسبة إلى جمرة

يقال في النسبة إلى جمرة: جمري، وجمريون، ويقال في اللهجة الشعبية: جمارى، هذا (أي جمارى ) في البحرين، وفي اليمن تستعمل في النسبة كلمة: جمري، وكلمة: جمرة، بدون ياء النسبة، فيقال: فلان جمرة، وفلان الجمرة.

والنسبة إلى جمرة تعني في الأصل النسبة إلى القبيلة، وصار فيهم من النسبة أخيرا في البحرين النسبة إلى المحلة أو القرية المعروفة بـ: «بني جمرة» التي تقع في القرن الغربي الشمالي من البحرين.

مذاهب الجمريين

الجمريون الذين في البحرين، وفي العراق، بمحافظة البصرة وفي إيران بمدينة المحمرة «خرمشهر» وقصبة النصار الذين هاجروا من البحرين إلى هذه البلدان في فترات سابقة، كل هؤلاء يعتنقون المذهب الجعفري.

أما الجمريون الذين في اليمن بالعاصمة (صنعاء) وفي شمال اليمن فيعتنقون المذهب الزيدي، وبعضهم سنة. كما أن بعض الجمريين في العراق يعتنق المذهب السني كما يدل على ذلك بعض ما عثرت عليه في مطالعاتي. جاء في مجلة «الأقلام» وهي مجلة تصدر في العراق قبل وفي السبعينيات من قبل وزارة الإعلام العراقية – ج. ا – السنة 2/ ربيع الأول 1387 هـ حزيران 1967م تحت عنوان: «إحدى السيدات المعلمات في عصر المستنصر بالله» : ا لشيخة تمني بنت الشيخ الأجل أبي خوص عمر بن إبراهيم بن الحسين بن عيسى الطيبي الجمري البغدادي الأزجي. سمعت عن أبي المظفر علي بن حمد الكرخي وحدثت وتوفيت ببغداء سنة 594 هـ (1198م).

بعض ماذكره الملا عطية عن الأجداد

ذكر المرحوم الملا عطيةبن علي بن عبدالرسول بن محمد بن حسين، عن الأخير (حسين) وهو جدنا المشترك، واسمه حسين بن إبراهيم بن مكي بن الشيخ سليمان بن مكي الجمري «كان حسين هذا غيورا على بلاده سياسيا يتحبب للبداة، وكان يفعل ذلك محافظة على بلاده، إذ لايزالون (أي البداة) والبحرين بلا دافع يهجمون بسفنهم على القرى فيستقبلهم أمام بلاده (أي بني جمرة) ويوسعهم عطائا حتى يرضيهم ويرجعوا، فعجز ما في يده في إحدى السنوات عن إرضائهم فاستأجلهم فأبوا إلا المبلغ الذي عينوه أو الهجوم، أو رهنا يتسلموه يزيديهم إلى حين الدفع، فلم يجد سوى ولده «محمد» فسلمه إليهم وهم عليه أمناء يذهبون به إلى البر لمدة معينة ويجتهد هو في تحصيل المال لفكاك ولده. فعل ذلك أكثر من مرة وليس له من الأولاد إلا محمد وبنت».

ذكر المرحوم الملا عطية إن«محمد بن حسين بن إبراهيم» اقترن اسم عائلتنا باسمه (آل محمد) وذلك لأنه «كان جوادا ذا ثروة طائلة مكنته من مزاولة التجارة في البلدان النائية، وكان على مايليق بشأنه من التجارة وهو الذي كان يرهنه أبوه عند الأعراب دفعا للبلاء إلى حين توفير المقرر من قبلهم لمنع مهاجمة القرية». وبعد محمد اقترن اسم عائلتنا باسم (آل عبد الرسول)، وعبد الرسول ورث مكانته من والده محمد بن حسين بن ابراهيم بن مكي بن الشيخ سليمان بن مكي الجمري البحراني.

وذكر المرحوم الملا عطية مايلي عن والده علي بن عبد الرسول: «كان أبي رحمه الله هو الأوسط وكان رجلا يحب التجارة والأسفار وكان سخي النفس طيب المعاشرة لايضمر غشا لأحد، واستقر بتجارته في سوق المنامة ووفق توفيقا باهرا. اعترضته عراقيل فأتت على تجارته، فهاجر إلى المحمرة، وأقام مدة ثم رجع عام 1388 هـ (1920 م)، وتوفي العام 1362 هـ (1943 م)».

العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:37 ص

      نسب بني جمرة

      وللعلم فأن بني جمره تتبع المذهب الشافعي السني, وأما بني جمره( البحرين) فهم قد تشيعوا بعد هجرتهم من اليمن, كما ناسبو غيرهم من العجم والمستعربين ولذلك فهم ليسو عربا انقياء.

    • زائر 1 | 5:36 ص

      نسب بني جمرة

      وبني جمره هم من القبائل اليمانيه العريقه التي تسكن قمم الجبال الشاهقه وهم عرب قحطانيين معروفين ببأسم وشراستهم العاتيه, ظلت قبائل بني جمرة على مر التاريخ مستقله لم تخضع لأي نوع من الحكم الخارجي حتى في عهد الدولة العثمانيه, حيث بعث احد القادة الاتراك رسالة الى اسطنبول يفسر فيها عدم قدرته على اخضاع بني جمره ويقول فيها: لو ان تحت إمرتي عشرة الالاف رجل من هؤلاء لغزيت بعم نصف اوروباء.

اقرأ ايضاً