العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ

قالوا عن بني جمرة (1)

الحديث عن بني جمرة

جاء في كتاب: «البحرين درة الخليج» ص 387 لمؤلفه: محمود بهجت سنان: قرية جمرة أو بني جمرة تقع في جنوب غربي الدراز، وتبعد عن مرفأ البديع نحو ميل واحد، وهي تؤلف عقدة المواصلات للمسالك التي تربط القرى في هذا الجزء بعضها ببعض، ويقع طريق: المنامة - البديع، العام في شمالها، إذ تتصل فيه بمسلك فرعي طوله 400 ياردة، تبعد عن المنامة العاصمة بمسافة 12 كيلومترا قريبا وقريبة للشارع العام جنوبا.

جاء في كتاب: «البحرين من إمارات الخليج العربي» ص 94 - 95 لمؤلفه: خضير نعمان العبدي، ما نصه: بني جمرة: قرية تقع في الجهة الجنوبية لبلدة (دراز) وفي الجهة الشرقية للبديع، أي أنها في الجهة الغربية لجزيرة المنامة... وتقع على ربوة عالية أكسبتها منظرا جميلا، تحيطها حزم النخيل من جميع جوانبها وأقلها من الجهة الشمالية. تشتهر بصناعة النسيج إلا أن مصايفها بدوية وتنتهج النظام البيتي وقد بات هذا النظام في طريقه إلى الانتهاء لعدم تطوره مع واقع العصر الحديث.

قالوا عن بني جمرة (2)

جاء في كتاب: (دليل الخليج) القسم الجغرافي ج ا ص 276 لمؤلفه: ج. ج لوريمر. وتأريخ تأليف 1903 م قال: «بني جمرة على بعد ثلاثة أرباع ميل شرقي البديع، 50 كوخا للبحارنة الذين يعلمون بزراعة النخيل ونسج صوف العباءات، توجد قريبا منها بئر يستعملها سكان البديع للشرب، وبها قوارب لصيد اللؤلؤ، وعدد الحمير: 25 حمارا، والنخيل 1300 نخلة».

وتقييما لما ذكره هذا المؤلف ذكر بعض كبار السن في القرية أن ما ذكره مجرد تخرص ولا يملك شيئا من الدقة، فإن هذه القرية من قديم الزمن بيوتها في الغالب مبنية بالجص.

لقد كانت «بني جمرة» تزود البحرين بالأقمشة مما يدعو إلى النظر لها كمورد رئيسي لاقتصاديات كل سكانها. ولم تكن قرية «أبوصيبع» إلا الجناح الثاني لهذه الصناعة. هذا وكانت الإحصائيات بشكل دقيق مفقودة، مما يجعلنا أن نقول بأن هذه الصناعة كانت بشكل يستوجب من الأهمية ما يدعو للنظر في فترة كانت التجارة البحرية الواسعة مع الهند وبلاد فارس تتوسع بصورة جعلت أبناء البحرين يتوجهون لإشباع حاجاتهم الاقتصادية من المنسوجات ولذلك قاموا بتطوير هذه الصناعة في تلك الفترة... ولما كانت السفن تحتاج إلى الأقمشة من نوع خاص لأشرعتها بدت هذه الصناعة تشكل العمود الفقري لهذه المهنة لسد حاجات سفن الغوص وصيد الأسماك. وفي فترة الحرب العالمية الثانية نشطت هذه الصناعة بشكل واسع النطاق (في حدود قدرتها الإنتاجية المعتمدة على الأسلوب البدائي في الإنتاج) احتلت هذه المهنة مكانتها الأولى عند الأهالي وأصبحت المصدر الاقتصادي الوحيد، ثم اتسعت هذه الصناعة حيث شملت أنواعا مختلفة جعلها تتطور إلى الملابس الخارجية النسائية منها والرجالية. إلا أنها تدهورت بعد ذلك بغزو المنسوجات الحديثة، وفي الفترة الحاضرة اندثرت صناعة النسيج إلا أن الزائر لهذه القرية يلاخط أدوات الصناعة وبيوتها في القرية قائمة، وفي بعض البيوت، وأصبحت في الوقت الحاضر مركزا للباحثين عن الصناعات القديمة في البحرين.

يحسن أن نذكر كلام المبشرة «كورنيلا دالينبرج» الأميركية سنة 1925م عن القرية، حسب ما ذكرته صحيفة «الخليج» الإماراتية العدد 4808 – 9 محرم 1413 هـ 9 يونيو 1992م ترجمة وإعداد: خالد البسام. وكانت الرحلة إلى قرى البحرين، في سيارة «فورد» التي أعدت لمستوصف رحال، قالت المبشرة المذكورة:

وفي المحطة الأولى زرنا قرية «بني جمرة» التي تتكون من مجموعة من الأكواخ الملتفة حول ثلاثة عيون تروي البساتين البعيدة بعض الشيء عنها والمحيطة بها كذلك.وعندما وصلنا إليها كان علينا ترك الفورد والسير في طريق ضيق ووعر يؤدي إلى داخل القرية مشيا على الإقدام. وبالطبع أخذنا معنا حقائبنا الطبية وتركنا اثنين من المساعدين عند السيارة لتوزيع الأدوية على المرضى الذين نرسلهم بعد انتهاء الفحص.

ويبدو أن القرية عرفت بوصولنا لذلك جاء إلينا عدد من الرجال لمقابلتنا وقادونا إلى بيتين غير مسكونين كان يستخدمهما ناسجو الحصير. وأعطي الطبيب ومساعده أحد البيوت لمعالجة الرجال بينما ذهبنا نحن إلى البيت الثاني المخصص للنساء.

وفي بيت الرجال كان هناك الكثير من الحشود واقفة تنتظر دورها للمعالجة، أما نحن في بيت معالجة النساء فقد بقينا ننتظر حتى راحت النساء يتقدمن إلينا شيئا فشيئا. ومع الوقت امتلأ البيت بهن وبعضهن جئن للمشاهدة فقط ولحب الفضول ولسماع الأحاديث هنا وهناك.

وبعد انتهائنا بعد عدة ساعات رجعنا إلى مكان السيارة. وأثناء سيرنا شاهدنا بعض الرجال والنساء الذين أعطيناهم «روشتة» للدواء لأخذها من السيارة وهم عائدون إلى القرية يحملون معهم فناجين قهوة مملوءة بالمراهم وموضوعة في أوانٍ كبيرة، وزجاجات. وحبوب دواء كثيرة لا يستطيعون حتى حملها.

قالوا عن بني جمرة (3)

بعض ما جاء في مجلة «صوت البحرين» العدد 11 ذو القعدة 1370 هـ (1951 م) تحت عنوان « يوم بين صناع النسيج في قرية بني جمرة » ما يلي:

«اشتهرت بعض قرى جزر البحرين منذ عصور قديمة بصناعة النسيج اليدوي. وقد لاحظت «صوت البحرين» أن الكثيرين من الأهالي لا يعرفون شيئا عن هذه الصناعة التي كانت يوما ما تشكل المصدر الذي تستمد منه البلاد لباسها وموردا دائما لمئات الأسر العامة المكافحة ما حدا بها إلى إيفادي إلى إحدى هذه القرى لأطلع على سير العمل فيها وأكتب تقريرا عنه. أخذت مقعدي في السيارة إلى جانب أحد محرري هذه المجلة فانطلقت بنا نحو قرية بني جمرة؛ إحدى مراكز صناعة النسيج.

وما هي إلا دقائق حتى كانت تسير بنا في طريق ريفي جميل رصفت أرضه وترامت على جانبيه البساتين ولا نغالي إذا قلنا إنه أجمل طريق في البحرين. وكانت تمر بنا أثناء ذلك حافلة «باس» من الحافلات أو قافلة من الحمير البيض تحمل إلى السوق ما أنتجته القرية أو تحمل من السوق ما تحتاجه القرية. وكنا كلما ابتعدنا عن المنامة كلما ازداد هبوب نسمات الهواء البليلة المنعشة التي نفتقدها في المنامة في أكثر أيام الصيف فلا نكاد نحصل عليها إلا في القليل النادر. وبعد عشر دقائق تقريبا بدأت السيارة تخلف وراءها تلك البساتين لتسير في طريق تمتد الأراضي المقفرة عن جانبيه تتناثر هنا وهناك فيها بعض المزارع التي يملكها أولئك الذين أسعفهم الحظ... أو إن شئت النفوذ... فحصلوا على رخص لحفر آبار ارتوازية تروي مزارعهم هذه.

هل يا ترى يعجل المسئولون بتنفيذ مشروع الري الذي أشار إليه عبد الرحمن الباكر في العدد الأخير من هذه المجلة لينقذوا هذه الأرض وغيرها من الأراضي من البوار؟!

وأخيرا لاحت لنا بني جمرة... وهي قرية صغيرة تقع على مرتفع رملي تحيط به بعض بساتين النخيل الصغيرة وتضم مئة وعشرين بيتا يسكنها ما يقارب السبعمئة نسمة يعيش أكثرهم عيشة منخفضة المستوى. وأهلها يعيشون في حالة فقر مدقع فقد حرمتهم الطبيعة حتى من الماء الذي يتوافر وجوده في أغلب القرى. فهم لذلك يضطرون إلى جلب ما يحتاجون منه للشرب من مجرى مائي يبعد عن القرية قرابة ميلين.

تصور أيها القارئ أي شقاء تعانيه نساء هذه القرية حين يتركن بيوتهن في الشتاء تحت وابل المطر وقرصان البرد ليجلبن ما يحتجن إليه من الماء وليس عليهن من اللباس إلا أسمال ممزقة لا تكاد تقي من غائلة البرد القارص بالرغم من وجود المياه الارتوازية في قرية «البديع» التي تقع على مرمى البصر من بني جمرة. فلماذا لا تقوم الحكومة بحفر عين ارتوازية في القرية - كما فعلت في البديع والزلاق - رحمة بأولئك النسوة المعذبات؟

استقبلنا بعض من قابلناهم من سكان القرية بحفاوتهم وكرمهم المعهودين وتكرم أحدهم للطواف بنا على بعض مصانع النسيج التي اشتهرت بها هذه القرية. وقد وجدنا أن المصنع عبارة عن كوخ صغير من سعف النخل يحتوي في العادة على منسجين، وآلة للف خيوط «الغزل» وإعدادها للنسج، وبعض أدوات الصباغة إذ إنهم يشترون الغزل أبيض ثم يقومون بعد ذلك بصبغه بحسب حاجاتهم. ولا يفوتنا أن نذكر أن هؤلاء النساجين كانوا فيما مضى يعدون الأصباغ التي يحتاجونها من تركيب بعض الأعشاب والعقاقير وتكون ألوانها في العادة ثابتة لا تتغير. أما الآن فإنهم يستعلمون الأصباغ الهندية أو الأوروبية لرخصها أولا ولسهولة الحصول عليها ثانيا ولسهولة استعمالها ثالثا.أما عدد المشتغلين في كل مصنع فهم في العادة أربعة عمال: اثنان منهم للنسيج وواحد للصباغة والرابع للف الغزل وإعداده.

تنتج هذه المصانع الآن «الأوزرة» الأزر والعباءات (البشوت) والأردية وهي نوع من القماش الأسود الثخين تتدثر به الكثيرات من نساء البحرين وكانت البلاد تستورد منه في السابق كميات هائلة من الهند للاستهلاك المحلي ولتموين الأسواق المجاورة بحاجتها منه. أما الآن فإن إنتاج مصانع هذه القرية يسد حاجات البلاد.

ويستطيع كل نساج أن يعد عشرة أوزرة من الحجم الصغير أو خمسة من الحجم الكبير في اليوم الواحد. وهي في الواقع لا تقل جودة عن الأوزرة الهندية وإنما تحتاج إلى آلة ضاغطة (صنجة) أو على الأقل إلى غسل وكي لتصبح كالهندية تماما إن لم تفقها رونقا وقوة. ومع ذلك فهي تباع بربيتين للإزار الصغير وثلاث ربيات ونصف الربية للإزار الكبير بينما تباع الهندية بأضعاف هذين السعرين.

ولذلك فإن الإنتاج المحلي ينفد من السوق حال هبوطه لإقبال الطبقات الفقيرة وخاصة القرويين على شرائه.

أما العباءات (البشوت) التي ينسجونها فهي على نوعين: صيفية وشتوية. إلا أن أكثرهم لا ينتجونها لحسابهم الخاص وإنما بالأجرة لحساب بعض التجار. وهنا تتجلى لك المأساة... مأساة قوم لا يجدون من يحميهم أو ينصفهم حتى من أنفسهم. إن حياكة العباءة الصيفية تستغرق يوما واحدا وحياكة العباءة الشتوية يومين، يأخذون أجرا على نسجها يتراوح ما بين الأربع والثماني ربيات... يومان يقضي الرجل أكثر ساعاتهما في عمل مضنٍ شاق منكبا على منسجة يحرك يديه ورجليه ويجهد عينيه ليقبض بعد ذلك مثل هذا المبلغ التافه الزهيد الذي لا يتناسب أبدا مع مهارته الفنية وما يبذله من الجهد العظيم.

وازدهرت قبل سنوات حياكة الشُرع في البحرين التي كانت مقصدا لجميع سفن إمارات الخليج تقصدها لشراء حاجاتها من الشرع. كما كانت - أي البحرين - تصدر منه كميات كبيرة إلى دبي وقطر والبصرة وعمان تبلغ في كثير من الأحيان بين الأربعمئة والخمسئمة مَنّ في الأسبوع. وكان رسل جلالة ابن السعود في ذلك الحين يشترون له مقادير كبيرة لصنع الخيام.

أما الآن فقد تضافرت عوامل عدة على إماتة هذه الصناعة في البحرين منها: أولا عدم وجود الغزل اللازم للشرع، وتوقف جلالة ابن السعود ثانيا عن طلب كميات للخيام، وثالثا هبوط عدد سفن الخليج الشراعية ولاسيما سفن الغوص هبوطا كبيرا في السنوات الأخيرة.

و «بني جمرة» ليست القرية الوحيدة في البحرين التي يزاول أهلوها هذه الصناعة وإن كانت اليوم أكثرهم نشاطا. فهناك أبوصيبع والمرخ والدراز.

أما أبوصيبع فقد اشتهرت بنسج نوع من الأردية ذات المربعات التي تشبه ذيل الطاووس في ألوانها وكانت لها فيما مضى أهمية خاصة عند قسم كبير من سكان البحرين إذ كان من الأمور التقليدية أن يفرش رداء منها على سرير العروس ليلة زفافها ليصبح ملكا لها لا يجوز التفريط فيه. حتى إذا فارقت الحياة غطى نعشها وصحبها إلى القبر. إلا أن هذه العادة أخذت في التلاشي بفعل الزمن ولم يبقَ لها وجود إلا بين القلائل والقلائل جدا من الناس.

وكانت قرية المرخ - وقد توقف فيها العمل الآن - شهيرة بنسيج «الطرابزون» وهو نوع من القماش الأبيض الشفاف كانت تلبسه العائلة الحاكمة والطبقة المترفة من الشعب.

وازدهرت في الدراز يوما ما صناعة الأشرعة التي زالت فيما بعد للظروف التي بيناها من قبل فاتجه سكانها إلى احتراف مهنة صيد الأسماك.

إن تاريخ هذه الصناعة في البحرين قديم. حتى أنه ليصعب علينا أن نحدد الوقت الذي نشأت فيه أو الظروف التي أحاطت بنشأتها لعدم توافر المصادر لدينا. إلا أننا نستطيع القول إن إنتاجها كان يغذي الأسواق المحلية والأقطار المجاورة حتى عهد قريب. فلما جاءت السفن التجارية وحدث الاتصال بين البحرين والعالم الخارجي وتدفقت منسوجات المصانع الحديثة لم تستطع منتوجات المصانع اليدوية أن تصمد في وجه ذلك التيار الميكانيكي فأخذت في الاضمحلال حتى اقتصرت قبل الحرب العالمية الثانية على إنتاج الشرع التي تعتمد عليها جميع سفن الخليج.

ثم قامت الحرب العالمية الثانية فتوقفت سيول البضائع الأجنبية عن التدفق على البلاد واضطر الناس إلى اللجوء إلى ما لديهم من السوائل فدب النشاط في صناعة النسيج اليدوية. وصاحب ذلك توافر «الغزل» المستورد من إيران والعراق ومصر والهند ما فتح المجال أمام هؤلاء القوم لزيادة عدد مصانعهم حتى بلغت في قرية بني جمرة وحدها أكثر من ثلاثمئة مصنع. ومن ثم راحوا ينتجون للبلاد من الأزر والغتر والأردية وأنواع الأقمشة الأخرى ما استطاع أن يسد حاجات السكان.

كما صُدّر منه الكثير إلى دبي والقطيف وإمارات الخليج الأخرى. ثم انتهت الحرب فاتجه التجار إلى استيراد مختلف البضائع التي أخذت توزعها الدول الكبرى على أسواق العالم لتعوض ما خسرته في الحرب، واتجه التجار إلى استيراد تلك البضائع وصرفوا اهتمامهم نهائيا عن توريد الغزل غير عابئين لما حل بالمشتغلين بصناعة النسيج من خسائر وما أدى إليه عملهم هذا من شل هذه الحركة المباركة وخنقها.

وعندها اضطر الكثيرون إلى إغلاق مصانعهم والتحق بعضهم كعمال عاديين في شركة بترول البحرين ومارس البعض الآخر منهم مهنة صيد الأسماك. وما بقي في «بني جمرة» من المصانع الآن لا يزيد عددها على الخمسين مصنعا. وقد قال لي أحدهم: «إن كل رجال هذه القرية يجيدون هذه الصناعة وهم يتمنون أن يأتي اليوم الذي يستطيعون فيه العودة إلى مزاولة صنعة الآباء والأجداد».

وقبل أربع سنوات أو ثلاث هاجر الكثيرون منهم إلى المملكة العربية السعودية والكويت لإقامة مصانع لهم هناك.

ولكن يظهر أنهم لم ينجحوا في مهمتهم هذه فعاد أكثرهم. وإذا صادف أيها القارئ أن ذهبت إلى دبي أو الكويت أو غيرهما من أقطار الخليج ووجدت أحدا يشتغل بصناعة النسيج فتأكد تمام التأكد أنه هاجر إليها من البحرين إذ ليس في كل الخليج من يجيد هذه الصناعة غير أهالي البحرين.

مشاكل بني جمرة: أهمها مشكلتان رئيسيتان تقفان حجر عثرة في سبيل تقدم هذه الصناعة وازدهارها، ولو أمكن حلهما - وحلهما سهل جدا - لانفتح الباب أمام هذه الصناعة لتشق طريقها وتكون مرفقا هاما من مرافق الدخل في البلاد. هاتان المشكلتان هما:

أولا: عدم وجود رؤوس أموال لدى المشتغلين بهذه الصناعة. ذلك أن المقتدر منهم لا يكاد يملك مبلغا من المال يزيد على المئتي ربية. لهذا يجدون أنفسهم مضطرين دائما إلى بيع كل ما ينسجونه حال إنزاله إلى السوق ولو أدى ذلك إلى خسارتهم لأنهم يريدون الدراهم لاستخدامها في شراء غزل جديد لتستمر دورة عملهم. وأعتقد أن حل هذه المشكلة ينحصر في تكوين إدارة تتعاون مع هؤلاء النساجين تعاونا صادقا غير استغلالي وتكون مهمتهم تزويدهم بالأموال أو الغزل واستيراد ما يحتاجون إليه من آلات خفيفة كالآلة الضاغطة مثلا على أن تتولى هي - أي الإدارة - بيع المنسوجات وتنظيم تصديرها إلى بلدان الخليج. ترى لو كانت هذه الإدارة موجودة هل استطاع تجار «البشوت» مثلا أن يستغلوا هؤلاء المساكين هذا الاستغلال الفاحش؟.

ثانيا: عدم توافر الكثير من أنواع الغزل اللازم لهذه الصناعة. لقد أثبت هؤلاء القرويون أيام الحرب أن باستطاعتهم نسج أنواع كثيرة من الأقمشة لو توافرت لهم خيوط الغزل. ولست أدري ما الذي يمنع الحكومة من جلب كميات كبيرة من الغزل من الهند والعراق لبيعها لهؤلاء الصناع بأسعار معقولة ليستطيعوا أن ينتجوا من الأقمشة الرخيصة التي لا تقل جودة عن مثيلاتها من الأقمشة الهندية ما يسد حاجات الطبقات الفقيرة. فتخفف بذلك عن كاهل الفقير وتحافظ على صناعة من صناعات البلاد القديمة وتوجد أعمالا للأيدي العاملة. ولو أن الحكومة مثلا أولت جزءا من اهتمامها لقضية الغزل اللازم لنسج الشرع فاستوردته من الخارج لوضعت بذلك أول لبنة في بناء كياننا الاقتصادي. إن المصانع بعددها الحاضر تستطيع أن تستوعب من 8 إلى 10 ربطات (وزن الربطة 400 رطل) من هذا الغزل شهريا. ولا أظن أن استيراد مثل هذه الكمية البسيطة عسير على الحكومة».

العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً