العدد 2502 - الأحد 12 يوليو 2009م الموافق 19 رجب 1430هـ

جوانب مضيئة من التراث الثقافي لعلماء بربورة

مدخل عن التراث الثقافي لعلماء البحرين: 

12 يوليو 2009

شهدت البحرين الحالية (المعروفة قديما بجزيرة أوال) نشاطا ثقافيا رائعا في عصور مختلفة من تاريخها المجيد، بيد أنَّ حركتها العلمية قد تمايزت وتألقت في أربعة قرون هجرية متتابعة امتدت من القرن العاشر حتى الثالث عشر الهجريين، وعرفت هذه الجزيرة بكثرة مدارسها، وقد استقطبت في فترة ازدهارها وبروز إشعاعاتها الحضارية كثيرا من العلماء والدارسين فوفدوا إليها لتلقي العلم وخاصة علوم الشريعة، ولم يستطع مؤرخو العلم في منطقتنا تجاوز الحالة الثقافية - التقدمية للبحرين وعلمائها حتى أنهم عند تناولهم لموضوع معين من موضوعات المعرفة ومجالاتها يذكرون دائما لقب "البحراني" في كل إشارة منهم لرأي هذا العالم البحراني أو ذاك، وبصمت البحرين موقعها الحضاري بالعلم والفكر كحاضرة من حواضر العلم والمعرفة في العالم الإسلامي على صغر مساحتها الجغرافية، وقلة سكانها، ولكنَّ أهلها بعزائم العظماء النبلاء جعلوا البحرين واحة علم وفضيلة.

وقد شارك علماء البحرين في إنتاج حركة ثقافية واسعة ومتألقة عرفها التاريخ الحديث في أشكال متشابكة من العمليات الثقافية كتأليف الكتب ونسخ المخطوطات وعمليات التدريس، والمناظرات، والبحث الحواري في المساجد والمنازل وحتى الأسواق كما ذكرت مصادر دراسة التراث الثقافي لعلماء البحرين كما في كتاب "أنوار البدرين" لمؤلفه المؤرخ والعالم الجليل الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي البحراني.

وبعد ذلك بدأت هذه الحركة تذبل شيئا فشيئاَ بفعل وتأثير عوامل عديدة، ومن أهمها عوامل التأثير الخارجي كالاعتداءات وحملات الغزو التي استهدفت البحرين في أمنها من قوى إقليمية وأجنبية وخاصة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، وذلك بغرض تحقيق هذه القوى مطامع سياسية واقتصادية في بلادنا، واستفراغ مخزون عداوتها لأهلها، وعاشت البحرين بعد ذلك محنة صعبة بفرار علمائها وتشردهم في المناطق المجاورة، إذ تركت تراثها الثقافي مبعثرا كمخطوطات ورسائل علمية وتلف بعضها وتعرضت مدارس العلم ودوره للتخريب والتدمير، ولكن مع ذلك منَّ الله عليها أنْ حفظ القليل من تراثها العلمي والفكري في مكتبات معروفة وخاصة في إيران والعراق وشرق الجزيرة العربية، بالإضافة إلى احتفاظ المهتمين بالتراث من أهالي البحرين أنفسهم بقسم من هذه المخطوطات في مكتباتهم ببيوتاتهم، وتناقلوها جيلا بعد جيل لعدة قرون حتى وصلنا بعض هذه المخطوطات، وفي النفس غصة على ضياع كثير منها.

وتفاوتت بالتأكيد إمكانيات علمائنا وتباينت قدراتهم لأسباب عديدة، لهذا اشتهر بعضهم، وما يزال بعضهم الآخر وصار مجهولا حتى الآن، بل لم يعرف الناس تراثهم الثقافي حتى اللحظة الراهنة، ولم يساعدنا الماضون القريبون من عصرنا من فهم شيء من هذا التراث، فالنساخون للأسف منعوا عنَّا بعض المعرفة ولم يدخلوا في تفاصيل مفيدة لنا عن المخطوط ومؤلفه، واكتفوا بعملية النسخ، لهذا اجتهدنا ما أمكننا في البحث عنه لتقديمه للناس، فعلماء "بربورة" وتراثهم الثقافي لا يزال مجهولا، بل حتى اسمها التاريخي لا يعرفه مواطنون على الرغم من وجودها في الوثائق البريطانية التي اهتمت بتاريخ البحرين وبخرائطها الجغرافية، فإحدى الخرائط التي نحتفظ بها تكشف عن موقع القرية بالقرب من قرية النويدرات حتى نهاية العقد الثاني من القرن العشرين، وهي مثبتة في أحد المصادر والوثائق البريطانية وهو كتاب دليل الخليج الصادر في يوم 24 من ديسمبر/ كانون الأول سنة 1908م.

ومما لا شك فيه أن هذه الخطوة أولية نفهمها كمدخل إرشادي يضع أعين الباحثين على بداية الطريق، ونترك تفاصيل الحركة فيه لجهود أقوى في زمن لاحق، أو حتى نوهب في طي الزمان فسحة منه تمكننا من بذل مزيد من الجهد للبحث والتقصي، ولا نستطيع الاستغناء عن عون الله وتوفيقه لنا ولكل الباحثين من أبناء البحرين وغيرها في مهمة البحث والكشف والاستقصاء التاريخي - الثقافي، فكل من يضع رجله في المسار الصحيح تذهب به إرادة الجهد والزمن في مساحة أبعد وأوسع دائرة.

بوادر اتجاه ثقافي في البحث عن التاريخ الثقافي لبربورة:

مع عدم وجود إشارات واضحة عن علماء بربورة في مصادر التراث الثقافي للبحرين التي كتبها علماء كبار كالشيخ يوسف آل عصفور البحراني في اللؤلؤة، والشيخ علي بن حسن البلادي في أنوار البدرين وغيرهما حتى من الكتابات المعاصرة لمؤلفين بحرينيين فإن مصادر التراث الثقافي لعلماء الدين بوجه عام التي أشرف على تدوينها علماء كبار كالآغا بزرك طهراني في الذريعة، وكتابه الآخر طبقات أعلام الشيعة (الجزء السادس) وكذلك كتاب (موسوعة طبقات الفقهاء، ج 12) بإشراف العلامة الكبير الشيخ جعفر السبحاني نلحظ بوادر ولادة وظهور اتجاه جديد لدى عدد محدود من علماء البحرين والمثقفين ومن الباحثين للاهتمام بدراسة ظواهر من التراث الثقافي لعلماء بربورة والعناية بآثاره والتفتيش عن مصادره، حيث بدأت تظهر من بين أسطر وصفحات هذه المصادر أفكار وآراء يمكن لنا أن نؤسس عليها حركة بحث لدراسة فكر علماء من بلدة «بربورة» وما قاموا به من عمليات ثقافية أداء لواجبهم الديني والوطني وإثراء لنشاط الحركة الثقافية القائمة آنذاك.

ومن المؤكد أن هذا الاتجاه سوف ينمو في المستقبل متى ما صبرنا على ذلك، وآثرنا المشقة على الدعة والراحة، وذلك يحقق لنا ولتراث علمائنا في منطقة بربورة نتائج مهمة على مستوى البحث التاريخي المحلي، وعلى مستوى التعرف على عدد من علماء بربورة وتراثهم الروحي والثقافي، ونأمل أن يتراكم هذا الجهد للكشف عن كزيد منه.


مفهوم التراث الثقافي لعلماء بربورة:

المراد بالتراث - هنا - إرث إنساني وأدبي يشمل كل ما ينقله الناس لبعضهم جيلا بعد جيل من أنماط السلوك وعادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون وأفكار وقوانين أو دساتير وجوانب مادية ومعنوية لتنظيم حياة جماعة ما أو لإدارة الحياة في مجتمع معيَّن، وما يترتب عن ذلك كله من آثار ونتائج ومعطيات تعكس واقع الناس في فترة ما بخصائصها الإيجابية ومخلفاتها السلبية، وهذا ما ينطبق على حياة الناس في مجتمع قرية بربورة التي اندثرت منذ عهد قريب وبالتحديد من تسعين عاما تقريبا.

إنَّ التراث بمعناه المتقدم هو كل ما يدخل في الآثار الإنسانية التي ورثناها من جهود علماء بربورة الماضين ونشاطهم الثقافي وما تركوه لنا من كتب ومصنفات، ونسخ مخطوطات، ورسائل تناولت قضايا دينية وتاريخية وفكرية عبرت عن تفكير أهالي بربورة وهمومهم، وعن احتياجات المجتمع البربوري الروحية والقيمية والثقافية والاجتماعية في فترة وجود القرية التاريخي منذ نشأتها مرورا بالقرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين حتى لحظة اندثارها في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين الميلادي، أي إلى العام 1345 هجرية تقريبا (1927 م).

وظل هذا التراث الإنساني قائما وحيا فعالا يوجه حركة الناس من جهة، ويساعدهم من جهة أخرى على صنع آثار معززة له، حتى هجرت آخر عائلة بربورية القرية في منصف العقد الثاني من القرن العشرين، ولم يبق فيها سوى المرحوم (عبد الله بن يوسف البربوري) الذي بقي ساكنا في القرية بمفرده حتى توفاه الله تعالى قبل خمسين عاما تقريبا، ولكن صور التراث وقيمه لم يمحها الزمن ولا ألغاها الإهمال والتهميش، فما مكث في تاريخ القرية وما تجذر أصبح عصيَّا على الشطب والمحو.

مسوغات البحث في تراثهم الثقافي:

ثمة مسوغات تدعونا كباحثين في تراث علماء بربورة للاهتمام به والعناية بمخطوطاته، وهي لا تزال مادة خام في طورها الأولي، إذ لم تنشر بعد مخطوطة ولم تطبع دراسة عن هذا التراث، بل لا توجد في الدراسات والمصادر الحالية المعروفة بين أيدينا إشارات مباشرة عن علماء بربورة وتراثهم باستثناء قليل لا يناسب نشاطهم، وهذا وحده يكفي للاهتمام بعلماء بربورة الأبرار وبيان منتجاتهم الثقافية وإسهاماتهم في الحركة العلمية التي عرفتها البحرين في قرون خلت وخاصة القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، حيث تألقت فيها الحركة العلمية، وكان لعلماء بربورة جهود في إثراء هذه الحركة حتى وإن لم يكتشف هذه الجهود إلاَّ مؤخرا بعد أشارات بعض مصادر التراث الثقافي لعلماء الشيعة إلى أسماء بربورية عاشت خارج الوطن لظروف مختلفة.

ومن مسوغات اهتمامنا بالتراث الثقافي لعلماء بربورة ما يأتي:

1 - أنَّ بعض ما تركه بعض علماء هذه القرية البحرينية البائدة منذ العقد الثاني من القرن العشرين من تراث ثقافي متوافرة، ولا تزال بعض المخطوطات والرسائل والمصنفات بأيدي بعض المهتمين بالتراث الثقافي البحريني أو ربما محفوظة في مراكز الإحياء للتراث الإسلامي المتفرقة في بعض بلدان العالم الإسلامي وخاصة المناطق المجاورة القريبة من البحرين، وهي في الفترة الحالية تنتظر جهودا مخلصة لوضعها بين أيدي الناس كمادة علمية يجب التعلم منها، ونحن على أمل أن يتم البحث عن مزيد منها في قابل الأيام.

2 - أن بلدة بربورة المعروفة بأنها قديمة في عمقها الزمني وكبيرة جدا بكثرة سكانها، وبمساحتها الجغرافية قد استهدفها المتطاولون الكارهون للحقائق التاريخية.

3 - ونعتقد أيضا - وكمسوغ ثالث - أن مادة هذا التراث هو في حقيقته تعبير حي على رغبة البحرينيين الصادقة في تأكيد هويتهم الروحية والثقافية والحضارية بعمقها التاريخي، وتجسيد متألق لإبداعاتهم العقلية في فترة كانت المنطقة تعاني من فقر فكري، فكانوا يصفون أنفسهم كدلالة على هذا الانتماء كقول الشيخ ناصر البربوري البحراني في آخر رسالته عن فقه الحج أنه "تم بعون الله وتوفيقه بيد الأقل الجاني ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري"، أو وصف عالم آخر نفسه بأنه علي بن عبدالله بن حسين بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي، وما أطلقه علماء السير والتراجم على الشيخ المقدس علي بن جعفر الربعي بـ "البربوري" البحراني، وغيرهم يصفون أنفسهم بلقب "بربوري" كتعبير عن انتمائهم للقرية محل سكناهم على مدى قرون متتالية، وقد يضيفون كلمة "البحراني" لاستكمال الهوية وتحديدها بدقة.

4 - ومسوغ رابع نراه من أبرز مسوغات هذا الاهتمام لدى الباحثين وهو سعيهم لتأصيل البحث التاريخي للتراث الثقافي لعلماء بربورة هو اعتقادنا بدورهم في ترسيخ النشاط الثقافي لعلماء البحرين قاطبة، فما أنتجوه من مخطوطات ورسائل وأنشطة ثقافية - حتى مع قلة المتوافر منه بأيدينا - هو بكل تأكيد شاهد على نمو حركة علمية في البحرين خلال القرون الهجرية الأربعة من العاشر حتى الثالث عشر، وأنَّ بربورة لم تتخلف عن المساهمة فيه بقدر ما أتيح لأبنائها من إمكانيات في إثراء هذه الحركة.

5 - وفي سياق ما تقدم من مسوغات فإن من حق أبناء بربورة وخاصة علمائها أن نكشف بعض ما تعرفنا عليه من تراثهم الثقافي سواء ما كتبه نساخون ومؤلفون وعلماء دين وما ارتبط بذلك من قيامهم بعمليات ثقافية كالتعلم والتدريس والتأليف والتصنيف ونسخ الكتب وممارسة الخطابة الدينية وبعض العمليات الثقافية الأخرى المماثلة لما كان مألوفا في البيئات التربوية بالعالم الإسلامي.


الكتابات الأولية عن التاريخ الثقافي لقرية "بربورة":

على الرغم من ظهور بوادر اتجاه جديد للكتابة عن التراث الثقافي لبربورة ودور علمائها في تأصيل إسهاماتهم الفكرية بطابعها الروحي فإن الكتابة عن هذا التراث كحال نمو الطفل، فالكتابة الأولية عن بربورة وعلمائها وتراثها ما تزال في بداياتها، وفي طور الحبو، وهي صعبة إلى حد ما، فالخطوات الأولى تكون دائما متعثرة ومرهقة، وتشوبها العشوائية لأنها تبدأ لدى الباحثين في هذه الفترة التي نحاول فيها التعرف على بربورة وعلمائها من نقطة الصفر.

إن الطفل يبدأ في نموه الحركي بحركات بطيئة ومتدرجة، فيبدأ كخطوة أولى في تحريك جسمه بوجه عام ثم يظهر حركات خاصة بأعضائه كتحريك يديه، ثم يناوب تقلبه بين الظهر والبطن في فترة لاحقة، وبعد ذلك بقليل من النمو يحاول الزحف والحبو حتى يقف على رجليه مستندا، ويحاول أن يتعرف بمزيد من الجهد الحركي على العالم.

وهكذا يتدرج بعض الباحثين عن تاريخ "بربورة" وفي تعرفهم على جوانب الحياة فيها كالنمو التدريجي للطفل.

إذ بدأ الشباب حديثهم عن بربورة بأفكار بعضها عاطفي يخلو من العلمية، ثم قفزت أفكار أكثر نضجا تحاول قول شيء ما عن التاريخ الثقافي يخفف من الاعتماد فيه على أقوال العامة، وهذا يجعلنا نقول إن الكتابة عن التراث الثقافي لعلماء بربورة لا يزال أشبه بالطفل في مراحل حركته الأولى في البحث عن عالمه الخارجي، فما تزال الكتابة عن بربورة وتراثها بسيطة ومحدودة ولكنها ضرورية لتعريف الناس بواقعها الاجتماعي وتراثها الثقافي والروحي، وهي تتراوح بين أفكار مبعثرة يكتبها مبتدئون من الشباب، وبين مقالات في صفحات مواقع إلكترونية وبحوث مصغرة بعضها غير منشور، ومحاولات نعلم بها لتأليف كتب عن "بربورة وعلمائها" تنتظر أن ترى النور يوما، بيد أنَّ محاولات الكتابة - ولله الحمد والثناء - موجودة وقائمة حتى مع بطئها.

ومن هذه الكتابات :

1 - ما عرضه الأستاذ سالم النويدري من مادة ثقافية عن بعض الجوانب التاريخية لبلدة بربورة في قرص (CD) مصوَّر في مسجد الشيخ مؤمن بمنطقة بربورة بواسطة مؤسسة تدير احتفالا دينيا، وأشار فيها بصورة مجملة لقرية "بربورة"، ولأننا نعرف الأستاذ سالم باحثا جادا، فالمتوقع أن يوسع اهتماماته بالقرية وبتاريخها الثقافي، ويقدم مادة تاريخية ذات بُعْدٍ ثقافي تعكس مساهماتها الثقافية في المجتمع البحريني خلال فترة وجودها.

2 - مقال خادم تراب المؤمنين، حيث نشر هذا الكاتب باسمه المستعار مقالا موجزا عن ثمانية علماء من أهالي بربورة بعنوان "علماء بربورة الحبيبة" بإيجاز قدم فيه الكاتب سيرة ذاتية لهم، ويمثل ستة من هؤلاء العلماء الذين ذكرهم في مقاله (أسرة علمية هي أسرة الربعي) تسكن بمدينة شاهجهان بالهند، وقد نشره في أحد المواقع الإلكترونية وهو منتدى النويدرات، وقد استفدنا منه بعد التعرف شخصيا على كاتبه وبعد التأكد من المصادر التي اعتمدها في إعداده، فأسماء العلماء الثمانية مذكورة في بعض صفحات كتابي (الذريعة إلى تصانيف الشيعة "ج9" وطبقات أعلام الشيعة "ج 12" المسمى بـ "الكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة") لمؤلفهما الآغا بزرك الطهراني رحمه الله سبحانه وتعالى.

3 - وكتب كذلك صديقنا العزيز الأستاذ محمد أحمد سرحان بحثا صغيرا عن جغرافية بربورة، وقد اطلعت على محتوى هذا البحث الذي لا يتجاوز في صفحاته عن ثلاث عشرة صفحة تناول فيها الباحث موضوعا حيويا هو "جغرافية قرية بربورة" وذلك لاستكمال دوائر البحث في هذا الموضوع بجانبيه التاريخي - الجغرافي.

4 - وفي خطوة موسعة، ولكنها - بالتأكيد - ليست كافية لسبر التاريخ الثقافي، يقوم الأستاذ يوسف مدن (صاحب هذا الدراسة المتواضعة) بكتابة مطولة إلى حد ما يصل لحجم كتاب موثق ببعض الوثائق عن جوانب مضيئة من تاريخ بربورة، ويحاول تقديم مجموعة من الأدلة التاريخية - الحاضرة عن وجود بربورة ذاتها كتجمع بشري فعال في تاريخنا الوطني، وذلك باعتماد أدلة ووثائق ذات صلة بمخطوطات لعلماء بربورة ونساخين من أبنائها أو خدموا تراثها الروحي والثقافي حينما كانت قائمة، وقد بلغ الكتاب مراحل متقدمة نأمل أن يخدم القارئ الكريم في معرفة بعض تاريخه الثقافي الوطني في قرية شاء البعض أن يلغيها بتسمية نشاز هي هورة سند سيئة الصيت في معاجم اللغة وفي الذوق العربي، وتناول المؤلف في حلقته السادسة من كتابه بعض الأفكار عن علماء بربورة العشرة الذين تعرف عليهم من مصادر مختلفة، واعتبرهم أحد أبرز أدلته التاريخية على وجود القرية نفسها.

5 - وما أعلمه بيقين أن أحد علماء البحرين يقوم منذ سنوات بجمع بعض المخطوطات لعلماء البحرين ومنهم مخطوطات (كُتُب ومؤلفات) علماء بربورة الأبرار، وتمكن هذا العالم المثقف - بحمده تعالى - من العثور على عدد من هذه المخطوطات للاستفادة منها في عرض نماذج من جوانب التاريخ الثقافي لعلماء هذه القرية المراد لها على ألسن المتطاولين ونواياهم أن تغيب للأبد، فغرض هذا الباحث كما نعلمه علمي محض يستهدف إما تحقيق بعض مخطوطات علماء بربورة أو تدوين معلومات تاريخية عنهم في نطاق الجانب الثقافي وجوانب أخرى تتصل به، وكما علمته منه أنه يقوم بكتابته مدونة ثقافية عن بعض علماء بربورة.


تراثهم الثقافي بين الدين والتاريخ:

يدلَّ ما توافر لدينا من مخطوطات ومصنفات ورسائل كتبها بعض علماء بربورة أن إنتاجهم الثقافي برز في مجالين ملحوظين يتصل أحدهما بالآخر اتصالا وثيقاٌ هما الدين والتاريخ، ولا يستبعد أن حاول علماء آخرون من بربورة كتابة مصنفات ورسائل في علوم اللغة والأدب والشعر والحكمة العقلية، فالفرضية بوجود كتب ومؤلفات ورسائل تعالج بحوثا خاصة بعلوم أخرى ممكنة القبول، ولكنها قد تكون مضامين هذه البحوث قريبة كذلك من موضوعات الدين والتاريخ وتتشابك معهما وتخدمهما وخاصة أن طريقة البحث لدى العلماء السابقين نلحظ فيها جمعا بين البحث التخصصي أحيانا والجمع الموسوعي لموضوعات عدد من العلوم في كتاب أو مصنف واحد أو رسالة واحدة.


مظاهر التراث الثقافي لعلماء بربورة:

تشابه التراث الثقافي لعلماء هذه القرية المندثر منذ عهد قريب مع تراث علماء الإمامية في البحرين بتعدد مظاهره في صيغ سنذكر بعضها، وشارك هذا التنوع في إثرائه بقدر ما، ومكننا من استثماره في التعرف على الوجود التاريخي للقرية، فالتاريخ يفيدنا في مواجهة بعض الحقائق التي يراد لها أن تُغَيَّب عن الحركة والوجود الاجتماعي، وأنْ تطمس تاريخا للتركيز على تاريخ آخر لا ننكره ولكنه لا يحق له أن يشطب الآخر.

ومن مظاهر النشاط الثقافي لأهالي بربورة التي كانت أحد أدلة وجودها التاريخي، ما يأتي:


1 - طلب العلم والتعلم:

وهو أول خطوات تربية المتعلمين وإعداد العلماء في بلدة بربورة، ولا نعرف بالدقة كيفية بدء التعلم لدى هؤلاء الأعلام في قريتهم بربورة، بيد أنه من المتوقع تشابه ظروف بيئتهم التعليمية مع البيئات التعليمية عند الشيعة الإمامية في البحرين وعند غيرهم كذلك، وتفيد بعض العبارات المستمدة من بعض ما توافر لنا من تراجم وسير العلماء الآخرين أنَّهم تعلموا في حلقات تعليمية لعلماء كبار مشهورين بالنبوغ العلمي كما حصل لحضور الشيخ عبدالله بن الحسين البربوري البحراني حلقات الشيخ محمد بن علي بن عبد النبي المقابي والشيخ أحمد البلادي، وكذلك توقع تعلم الشيخ علي بن عبدالله البربوري على يد أبيه الشيخ عبدالله بن الشيخ حسين في منطقة سكناه وفي منطقة خارج بلادهما بربورة، ويعني ذلك طلب العلم بالرحيل والسفر والانتقال من منطقة السكن إلى بلاد العلماء المطلوبين بالبحرين وفي خارجها.

ولا يستبعد بدء تعلمهم بالتعليم القرآني المنزلي السائد في البيئات التربوية البحرينية قبل قرون كما هو حال النمط التعليمي الراسخ في حياة المسلمين على امتداد تجربتهم التربوية الكبرى، إذ عادة ما يلجأ الآباء إلى إلحاق الأبناء الصغار بتعلم القرآن على يد معلمين في البيوت والكتاتيب تمهيدا لإلحاقهم بحوزات علمية أو ملازمة مشايخ، ففي تحصيل هذه العملية مراحل متدرجة تبدأ بالتعليم القرآني منزليا أو في الكتاتيب ثم الالتحاق بالحوزات وملازمة المشايخ لدراسة علوم أكثر تقدما، ولا نحسب أن التعليم في بربورة يختلف كثيرا عن هذه الأنماط السائدة في بيئات المسلمين التربوية حتى وإنْ لم تسعفنا مصادر دراسة التراث الثقافي عند علماء البحرين بأية إشارات عن البدايات الأولى للتعليم وكيفيته في أرض بربورة.


-نشاط النساخين:

كأي قرية من قرانا الأصيلة اتجه بعض الناس فيها - منذ قرون - إلى كتابة بعض الكتب الدينية والتاريخية التي تسرد وقائع ذات صلة بتكوينهم الروحي والذهني والنفسي، ولما كانت آلة الطباعة غير موجودة أو لم يدركوها أو غير قادرين على امتلاكها أو غير واعين لأهمية استثمارها أو لإيمانهم أنهم بالكتابة اليدوية يخدمون دينهم وتاريخهم وينالون جزيل الأجر والثواب فإنهم للأسباب المذكورة قاموا بكتابة ونسخ بعض الكتب والمخطوطات وبخط أياديهم الكريمة وقد وصلنا بعضها إلينا.

ومن المشاركين في هذه المهمة الثقافية بعض علماء بربورة كالشيخ علي بن عبد الله البربوري الأوالي البحراني صاحب مخطوطة وفاة النبي يحي بن زكريا عليهما السلام، والشيخ سليمان الربعي البربوري بن الشيخ المقدس علي بن جعفر الربعي البربوري البحراني، حيث قام الشيخ سليمان بنسخ كتاب (شرح أصول الكافي) وأهداه لأخيه الشيخ يوسف الربعي البربوري البحراني، وكذلك الشيخ ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري البحراني صاحب رسالة "في فقه الحج"، وكذلك بعض النساخين المتأخرين من أبناء بربورة والنويدرات كالحاج علي بن عيسى بن عبدالله آل سليم والحاج حسن بن عبدالله بن سرحان اللذان قاما في العقد الثاني من القرن الرابع عشر الهجري بعملية نسخ بعض الكتب لمآتم بربورة، وهي محفوظة لدى أحفاد القائمين عليها.


- تأليف الكتب وتصنيفها:

تصدى لتأليف الكتب كمهمة ثقافية بارزة في النشاط الثقافي لعلماء البحرين قاطبة آنذاك علماء من بربورة ما زالوا للأسف مجهولين لدى الناس حتى بالنسبة لأهالي النويدرات والباحثين المهتمين بالتراث الثقافي لعلماء البحرين في القرنين (12، 13) الهجريين، وقد بدأنا محاولات التعرف عليهم من خلال مخطوطاتهم وتصنيفاتهم الثقافية كتأليف الكتب، وكتابة الرسائل الفقهية، وإنْ كان المتوافر حاليا لا يزال قليلا، بيد أن تتابع البحث مستقبلا قد يساعدنا على معرفة الجديد، فنحن بدأنا البحث من نقطة الصفر، وتم تكوين قدر من المعرفة عن علماء من بربورة وعن جوانب من تاريخ الثقافي والروحي بتقادم الأيام.

ومن العلماء الذين اهتموا بتأليف وتصنيف الكتب وإعدادها:

- الشيخ ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري البحراني، ومما نعرفه أن له رسالة في (فقه الحج وأحكامه) وعدد صفحاتها (254) صفحة، ومما يلحظ أن هذه النسخة هي النسخة الأصلية أو الأم ومكتوبة بخط المؤلف نفسه، وتحتفظ بها مؤسسة كاشف الغطاء لإحياء التراث الإسلامي بمدينة النجف الأشرف في العراق، ومشار إليها في الموقع الإلكتروني للمؤسسة، وفيما أعلمه هناك من الباحثين وعلماء الدين المعاصرين من تمكن من اقتناء نسخة من هذه الرسالة المخطوطة الخام، حيث لم تنشر بعد في عالم المعرفة وسوقها.

- الشيخ علي بن عبدالله بن الحسين بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي البحراني، وله كتاب مخطوط بعنوان "وفاة النبي يحي بن زكريا" عليه السلام، ونسخة هذا المخطوط موجودة لدينا، وعدد صفحاته حوالي 80 صفحة بخط يد أحد الناسخين من أهالي النويدرات، وهو ملحق بمخطوط كبير مكون من مخطوطات لكتب نسخها المرحوم الخطيب الحسيني الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف النويدري البحراني.


- التعرف على مخطوطات علماء من بربورة:

تعتبر المخطوطات وبعض كتب علماء هذه القرية أثرا ثقافيا خالدا يربطنا بتاريخ بربورة ونشاطها الثقافي سواء بالتعرف على مخطوطات في نسخها الأصلية أو منسوخة بأيدي بعض النساخ، وما يهمنا هو أن هذه المخطوطات تمثل دلالة تاريخية - ثقافية، وعنوانا على الهوية الحضارية والثقافية للقرية وإبداعات أهلها في ظروف صعبة أحدقت بهم في فترات متصلة من تاريخ قريتهم وخاصة في الفترة الأخيرة، فتشردوا وتركوا "الجمل وما حمل" بعد أن فقدوا أمنهم النفسي، وفقدوا حريتهم نتيجة ظروف وعوامل لسنا في محل مناقشتها.

ومن المخطوطات ما أشرنا إليها آنفا كرسالة الشيخ ناصر بن عبدالله البربوري البحراني في رسالته (فقه الحج وأحكامه)، وكذلك كتاب أو مصنف الشيخ علي بن عبدالله بن الحسين بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي.

بالإضافة إلى ما نسخه نساخ من أهالي بربورة والنويدرات لمخطوطات أو كتب لعلماء من بربورة كابن سليم.


- أسماء علمائية بربورية:

كان البحث في البداية صعبا لمعرفة أسماء من علماء بربورة، فحركتنا في هذا المجال انطلقت لسوء الحظ من نقطة الصفر، وقد رافق هذه العملية صعوبات ومتاعب مكنتنا من الحصول على نتائج ذات قيمة علمية، فقد أثمر البحث - وقد تم على مرحلتين - عن معرفة ثلاثة علماء في المرحلة الأولى، وسبعة علماء في المرحلة الثانية، ففي المرحلة الأولى تم التعرف على أحد العلماء وابنه، وعالم بربوري ثالث من خلال مخطوطته في فقه الحج، وهم كما يأتي:

- الشيخ عبدالله بن الحسين بن أحمد بن علي بن جعفر البربوري البحراني الذي عرف في بعض الدراسات والتراجم المعاصر بـ "الزيوري" تصحيفا، وهو من علماء القرن الثاني عشر الهجري ووالد أحد العلماء الشيخ علي صاحب مؤلف أو كتاب "وفاة النبي" يحي عليه السلام المذكور آنفا، وقد درس الشيخ عبدالله البربوري على يد علماء كبار كالشيخ محمد بن علي بن عبدالنبي المقابي البحراني وأجازه في الرواية عنه سنة 1147 هجرية، كما درس على يد أحمد بن عبدالله بن الحسن بن جمال الشيخ البلادي، وحضر مع علماء كبار كالشيخ يوسف العصفور الدرازي وأخويه محمد وعبدعلي حلقات البحث التعليمية عن العالمين الجليلين المقابي والبلادي، وقد تنقل الشيخ عبدالله البربوري لطلب العلم والمعرفة من قريته "بربورة" إلى قرى داخل البحرين كقريتي "مقابة والبلاد القديم".

- والشيخ الثاني هو الشيخ علي بن عبدالله بن الحسين بن أحمد بن جعفر البربوري البربوري الأوالي صاحب كتاب "وفاة النبي يحي بن زكريا" عليهما السلام، ويستفاد من مخطوطته أنه عاش مخضرما بين قرنين هما (12، 13) الهجريين فقد كان حيا سنة 1200 هجرية.

- وآخر الثلاثة الذين تعرفنا عليهم في الفترة الأولى من البحث هو صاحب الرسالة (في فقه الحج) المحفوظة بمؤسسة كاشف الغطاء لإحياء التراث الإسلامي، وهو الشيخ ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري البحراني، وهي رسالة يحاول بعض المهتمين بالتراث الثقافي تحقيقها ونشرها.

وفي المرحلة الثانية عثرنا على أسماء جديدة من خلال أحد المواقع الإلكترونية، ولكن اضطررنا لمراجعتها في مصادر التراث الثقافي لدى علماء الشيعة وخاصة في كتابي "الذريعة للآغا بزرك طهراني، وكتابه الآخر طبقات أعلام الشيعة، ج6 المعروف بالكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة"، ومن هؤلاء العلماء ما يأتي.

- الشيخ جعفر البربوري البحراني رحمه الله تعالى وهو كما ذكرت بعض مصادر دراسة التراث الشيعي من معاصري جلال الدين أبي المعالي الشيخ عبدالرؤوف الجدحفصي، وله معه مراسلات ومكاتبات تضمنت بعض الردود والأجوبة على بعض الأسئلة بينهما.

- وعلماء (أسرة علمية) من أصل بربوري سكنت الهند بعد هجرتها إلى هناك وعميدها المقدس الشيخ علي بن جعفر الربعي البربوري البحراني والد كل من العلماء الشيخ أحمد الربعي، والشيخ يوسف الربعي، والشيخ سليمان الربعي البحراني، ومن أبناء هؤلاء كذلك الشيخ ناصر بن الشيخ أحمد، والشيخ عبدالله والد الشيخ ناصر البربوري، والشيخ ناصر المشار إليه في مرحلة التعرف الأولى وصاحب رسالة فقه الحج التي يعمل بعض الباحثين كما ذكرنا على تحقيقها.

العدد 2502 - الأحد 12 يوليو 2009م الموافق 19 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً