العدد 2526 - الأربعاء 05 أغسطس 2009م الموافق 13 شعبان 1430هـ

الأربعــون

اليوم عمري أربعون!

كيف انقضت تلك السنون

مذ كنت طفلا ناعما ظفري غرير

والشعر أنعم ما يكون

والأهل حولي يضحكون

ويشبّهون:

لا ليس مثل أبيه، مختلف العيون

الكف كف أبيه والأذنان والفم والجفون

يتنبأون:

سيكون ذا شأن إذا كبر الفتى

رجلا يكون...

وأنا انقل ناظري بهم وهم يتحدثون

وأقول في سري دع الأيام تأتينى بما يتصورون...

***

من ثدي أمي قد رضعت حليبها

لم أعرف السيملاك والنيدو

ولا الكولوكوز

وإذا مرضت طبيبتى إمرأة عجوز

لم أنس أصبعها بحنجرتي ولا الطعم الكريه...

لفافتى ثوب قديم

غسلوه مرات ولم يبرح على جسدي يقيم

واللعب، كأنت لعبتى عوعو وكوز

والنوم، كنت أنام في منز جريد

في الحوش في الليوان في الحر الشديد

جلدي يغطيه الحرار

لم أختلف فأنا كأمثالي الصغار...

***

أعياد ميلادي تمر بدفتر النسيان

لا لعب ولا كعك ولا حتى شموع

بل ربما في يوم ميلادي تبللني الدموع

ما عدت أذكر، كل ما أدريه إن أحسست جوعا

التجى للتمر أو للخبز إذ كل يجوع

وإذا خرجت وفي يدي تمر قليل

ألقى العقاب

رباه كم أخشى العقاب

فأحتمي من خلف باب

وإذا وجدت يدي ملوثة يغطيها التراب

من فرط خوفي أمسح اليد في الثياب

فتكون كارثة

سألقى الضرب حتما في المساء

ويحار فكري عندما يعيا الجواب

ماذا لو أن أبي يسامحنى، سأغسلها بماء...

***

لله أشهد

والدي رجل حليم

لكنه إن كان يغضب مرة فمن الحريم

أمي تحرضه علي

فيثور يضربني ويأخذ مالدي

ماذا لدي؟

لوح صغير، شيء حقير

رباه ما أقسى الحياة على الصغار

الظلم يأتيهم إذا جن الكبار

فهم يظنون الغشاوة تنجلي عند النهار

لكنها هيهات

هل ينسى المسافر مرة في البحرين

أعراض الدوار؟

***

في الخمس أو في الست رحت المدرسة

منذ انبلاج الصبح أنظر للملابس والحذاء

حقا جديد؟

وكأنني في يوم عيد

ما زلت أذكر كيف أمسك بالحزام لألبسه

شيء فريد...

ماذا تكون المدرسة

أختي أظن مدرسة

كأنت تلقنني الحروف الأبجدية والنشيد،

(قد جاء نومك يا فريد هيا إلى النوم السعيد)

وأردد الكلمات حفظا في الصباح وفي المساء

فأنا صغير غير أني في عداد الأذكياء

أدري بأن الماء ماء، وكذاك أدري ما الهواء

فهو الهواء

هل بعد هذا من ذكاء؟

***

بشقاوة الأطفال ألعب في الفناء

ما كنت أدرك ما الدراسة والدروس

حولي تجمع أصدقاء

ما همهم إلا الملابس والفلوس

يتفاخرون بها فتحتدم النفوس

وبرغم أني لا أميل إلى الشراسة والعبوس

كنت المسيطر دائما بين الرفاق

فإذا غضبت تكون غضبتي انتهاء

لكنني سرعان ما أنسى العداوة والشقاق

فأنا مع الأيام دوما في عناق

وأنا مع الأصحاب دوما في وفاق...

***

منذ الطفولة

والهوى قد شدني نحو البنات

جيراننا كثر

وكنا نلعب (الصعكير) وقت الأمسيات

وأنا بإدراكي المبكر أنتقي الأحلى

ألاصقها أشم عبيرها

وأحس أني لست ألعب كالصغار

أحس في رأسي دوار

فأنا أخطط كي ألاقيها لتصطدم الصدور

وألامس الكتفين والشعر المضمخ بالبخور...

***

رجل أنا

لم لا أدخن؟

واشتريت العلبة الأولى وأغريت الصحاب

كنا نسير وننفث الدخان من بعد الظهيرة

للمساء

ما همنا إذ هذه الدنيا هباء

وكل ما قالوا لنا في النصح

لا يعدو هباء، أو هراء...

***

في الشارع الخالي لمحتهما اثنتين

هيا لنسرع خطوتين

ودع التردد صاحبي وإلى الأمام

هيا لنبدأ بالسلام

أهلا سلام، أهلا سلام

وبدأت أعمد للتأنق في الكلام

عل اللقاء هنا غدا ياحلوتين

وبنظرتين،

دخلت في دنيا الغرام

ومضيت، لكن عندما جن الظلام

حاولت جهدى أن أنام

وهل أنام؟

***

لم أختر التدريس. كرها في الوظيفة. من سنين

مع ذا، دخلت (معلمين)

ظني بأن أنأى عن الكيمياء والأحياء

أو حصص الحساب

تلك الدروس المفزعات كأنها يوم الحساب...

وعلى مدى السنوات في كل الفصول

ما كنت أرجع للدفاتر والكتاب

بل كنت أحفظ ما يقال

في الفصل بل كنت المثال

إذ بعد أن تلقى القصيدة مرة أو مرتين

أقولها وكان لي في الشعر عين

ولذا أنجّح كل عام...

***

ودخلت في سلك الوظيفة

حبة في مسبحة

مثلي من الخرز الألوف

ودعت أفكارى النظيفة

والأماني السابحة

ودخلت أعماق الكهوف

لأرى المخازي في طباع الناس

فوق المشرحة

والكل يمتشق السيوف

هذا يقطع ذا

فيا للمذبحة

فيها التباغض والتناحر

والحتوف...

وبدأت في الدنيا أطوف...

***

ما أجمل الحياة دونما عمل

ما أمتع الكسل

أمضيت عمري في حراث البحر

نقشت فوق الصخر

قاسيت بردا واحتملت الحر

ولم أنل - من بعد كدي دونما كلل

إلا التناسي المر إلا مصة الوشل

حمّلت قلبي فوق ما احتمل...

***

في لحظة نيّرة قررت في عجل

أن أترك العمل

إلا أكون تابعا كالثور والجمل

قطعت حبلي وانطلقت مبعدا

عن الذين يعملون في الظلام أشنع العمل

عن الذين يظهرون كل يوم دونما خجل

ليوبؤا الأنام بالعلل

ويملأوا الحياة بالضجيج والضجر...

العدد 2526 - الأربعاء 05 أغسطس 2009م الموافق 13 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً