العدد 2526 - الأربعاء 05 أغسطس 2009م الموافق 13 شعبان 1430هـ

دروز بلا جنبلاط

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا يفرحنّ أحدٌ من المعارضة بما فَعَلَه وليد بيك بحقّ حلفائه. فالرجل لم يجترح شيئا سوى أنه أعاد طبائعه. السيناريو نفسه يتكرّر. أخذ حصته النيابية مُضاعفة بالاتّكاء على سياسيي الطوائف ثم تركهم وولّى هاربا. الأمر ذاته فعله مع التحالف الرباعي قبل أن ينفرط.

زُرتُ جبل الدروز وتحدثتُ مع ناسه الطيبين. تضيّفت معهم وارتشفتُ من أخلاقهم قبل موائدهم الكريمة. لمحت جيدا ديانتهم وأفكارهم بالتوازي مع ما يرتديه بعضهم من أسمال، وهيئات خاصة في الشكل تنحتها عادة الأعراف والتقاليد الدرزيّة المُتّبعة.

كلّ ذلك حفّزني لأن أقرأ عنهم الكثير سواء عندما كنت في لبنان أو عندما رَجَعت. قرأت في التاريخ الدرزي منذ إرهاصاته وتشكّله نهاية القرن التاسع وبداية القرن العاشر الميلادي وحكم الخليفة الفاطمي السادس الحاكم بأمر الله.

قرأت العلاقة بينهم وبين الإسماعيليين. وفترة نشتكين الدرزي، وظهور التنوخيين والأرسلانيين والبحتريين، وانقسامهم إلى قيسيّة ويمنيّة ثم إلى يزبكيّة وجنبلاطية، وموقعهم من الصراعات الإقليمية.

اليوم وعندما أسرد التاريخ الدرزي في لبنان وفق التشكيل الجنبلاطي الذي يخطّه وليد بيك أتساءل: كيف سيُكتب هذا السلوك في المستقبل؟ كيف سيُضمّ مع التراث العريق للأمير عبدالله التنوخي الكبير؟ هذا سؤال مهم جدا.

ما فعله وليد جنبلاط منذ العام 2005 لم يكن شيئا عابرا لا في تاريخه الشخصي ولا لتاريخ لبنان. ما جرى منذ ذلك اليوم وإلى ما قبل السابع من مايو/ أيار لا يُمكن أن تذيبه الذاكرة؛ لأنه حدث مستولد وفوّار.

عندما كان يقول وليد بيك «السيارة التي استهدفت مروان حمادة جاءت من الضاحية (الجنوبية) وبعلم حزب الله» فإنه يُفجّر الجِعَار الطائفي بين الضاحية (الشيعية) والجبل (الدرزي) بأقصى سرعة ومستوى من التطرف.

وعندما كان يجهر في خطاب جماهيري «جئنا نقول لك يا طاغية الشام ولحلفائك إذا كان النسيان مستحيل، فإن التسامح مستحيل» ورفع شعار «يا بيروت بِدْنَا الثار من لحّود ومن بشّار» فإنه كان يحرق الوصل العضوي بين بلدين جارَيْن يسمع الواحد منهما زَحِيْرَ بطن الآخر.

وعندما كان ينبز للمقاومين في الجنوب بعد تحيّته لباسل فليحان بقوله «أما البواسل الآخرون فإنهم ثعالب حقد وإجرام» ويُسمّي سلاح حزب الله «بسلاح الغدر» فإنه كان يُؤسّس لفوضى طائفية وطنية على أعلى المستويات.

كلّ تلك الخطابات لم تكن كلمات مُجرّدة وعابرة، لأن ما أردفها لم يكن أقلّ من تحريض وسلوك وتحالفات وإقليمية ودولية أضرّت بمكونات لبنان، لذا فمن المستحيل أن تُمحيها جردة حساب في خطاب لجمعية عمومية لحزب سياسي.

عندما يقول وليد بيك اليوم بأن زيارته لواشنطن كانت نقطة سوداء، فأين تُصرَف لقاءاته السابقة بديك تشيني، ومستشاره جون هانا، والسناتور المُتصقّر جوزيف ليبرمان، وستيفن هادلي وأليوت أبرامز، ومايكل دوران ويخاطبهم في عشاء خاص بأن «السياسة الأميركية في لبنان هي نموذج ناجح لإدارات مقبلة»!

هذه الأمور ليست مزحة، ولا خطيئة شخصية تزول بكفّارة صوم أو عتق رقبة، بل إنها حرَقَت بلدا وجيّشت طوائفه للاحتراب بالصدور المفتوحة، ومزّقت عروقا كانت موصولة في السياسة والطائفة والدين.

إذا كانت قراءة جنبلاط السابقة لظروف المنطقة والعالم دفعته لقول وفِعْل ما فعل لصون الطائفة الدرزيّة الكريمة، فإنه يُمثّل أقصى درجات الأنانية والتموضع الطائفي بعيدا عن همّ الوطن وناسه.

بل إن الهمس من أنّ انعطافته الأخيرة هي لصون الدروز من أيّ حرب مذهبية في لبنان فإن جنبلاط يُخطئ؛ لأن الحرب المزبورة إن تمّت (لا سمح الله) فإنها لن تكون وليدة ظروف لحظيّة، بل إنها ستستدعي إرهاصات أصل المشكلة. وللحديث صلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2526 - الأربعاء 05 أغسطس 2009م الموافق 13 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:42 م

      ZA2ER

      en lam yakoun ma tourid aRID MA YAKOUN

    • زائر 5 | 5:59 ص

      الحريري ليس أحسن

      الزائر رقم 4 حبذا لو سألت عن مصدر ثروة الحريري لوجدت أن جنبلاط أفضل بكثير

    • زائر 4 | 4:56 ص

      جمبلاط و المال السياسي .......

      منذ الحرب الأهليه و هذا الرجل يطبل لمن يدفع له أكثر. إنها غلطت الشيخ سعد الحريري أنه وثق بهذا الثعلب.

    • زائر 3 | 3:47 ص

      هذه هي السياسة

      لم ينقلب جنبلاط وحده فبعد أن كان حسن نصر الله يصفه باللص و القاتل و السارق أصبح الآن يغازله و كذلك النظام السوري علما أنه أصدر بحق جنبلاط مجموعة من الأحكام الخنفشارية نتيجة موقفه و أصبح النظام يزور دروز سورية مرارا و تكرارا كي يغيظ جنبلاط حينها فلماذا هذه الحملة الشعواء على جنبلاط. نحن الدروز نتمنى أن يذهب جنبلاط و أرسلان و وئام وهاب إلى الجحيم و تحل محلهم قيادات شابة و لكن لبنان مبني على التوارث العائلي للزعامات السياسية

    • زائر 2 | 3:41 ص

      رغبة في الزعامة

      جنبلاط لا هم له سوى الزعامة و أقولها من كوني درزي أن جنبلاط يطمح أن يكون زعيما على حساب مبادئه و عندما قام وليد جنبلاط بقيادة ثورة الأرز و التصدي للوصاية السورية صفقنا له جميعا و ما نريده هو لبنان حر مستقل بعيد عن الوصاية السورية و حينها غفرنا نحن الدروز لجنبلاط كل مواقفه السابقة لكن كما نقول نحن ذيل الكلب يبقى أعوح و لو وضعته في القالب 40 سنة. لقد تغيرت التحالفات الدولية و جنبلاط يريد الزعامة و النظام السوري أيضا مستعد للتحالف معه و كذلك حزب الله أي لا أحد له ثوابت

    • زائر 1 | 10:52 م

      آه منك يا جنبلاط

      و الله لم أر متقلباً في السياسة كجنبلاط ففي كل يوم له رأي مختلف و حلفاء مختلفون و رؤى مختلفة و مواقف أشد اختلافاً من بعضها البعض
      فهو يحاول بتقلباته و اختلافاته المعهودة أن يجني مصالح و فوائد قدر الإمكان تماشياً مع الظروف و التقلبات السياسية

اقرأ ايضاً