العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ

عشية عيد الميلاد: هل تغامر أميركا... جريا وراء مصالحها؟

كان عيد ميلاد رائعا هنا في هذا الجزء الصغير من الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة الاميركية، إذ تصدر القرارات الكبرى في عصرنا الحاضر. بدأ الجليد يتساقط في واشنطن في غسق يوم 24 ديسمبر/ كانون الاول الماضي. في اليوم التالي، تذكرت لأول مرة، أننا نستيقظ على ميلاد أبيض إذ كانت كمية الثلوج متراكمة بدرجة ما، من دون ان تشكل عائقا لسكان واشنطن في الواقع.

ومع ذلك، كان المشهد الرومانتيكي يصلح لجعل عيد الميلاد فصلا اضافيا غير عادي قبل ان يحل العام الجديد.

وبينما ذابت كتل الثلوج في وقت متأخر عشية عيد الميلاد، رددنا ترانيم الصلاة في الكنيسة من اجل السلام على الأرض وحياة سعيدة لكل إنسان، مع ادراكنا ما يخطط له من حرب طويلة، ربما ستكون خلال خمسة أسابيع.

ويمكن الاستدلال بالهجوم المرتقب على العراق دليلا مقنعا على غطرسة وعجرفة القوة الامبريالية العظمى، وكمثال اضافي على الدولة «الشريرة» الحقيقية في العالم التي تعمل منفردة لتصفية حساباتها (إذ تقوم اولا بالاستئساد أو رشوة واغراء دول اخرى بمرافقتها، لاعطاء المشروع الذي ترغب فيه مظهرا خادعا). ولكنني لا أراه كما تبدو الأمور.

اذا كان هناك بعض الناس الذين يعتقدون بمعنى الترانيم الميلادية، فإن ذلك يعني خشية الله، وهؤلاء الناس هم الاميركيون من مرتادي الكنيسة. (واذا كانت هناك امبراطورية أميركية، فإنها ستكون ذات تنوع معتدل أكثر من غالبية اسلافها الدنيويين). في القرن الماضي، كانت أميركا في توازن قوة عظمى من اجل السلام والخير. ربما نهزأ برؤية وودرو ويلسون المنادي باجراء اصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية يتعذر تطبيقها، لكن اهدافه من السلام والديمقراطية، والتجارة الحرة كانت تتخطى الحدود القومية (عصبة الامم آنذاك، الامم المتحدة اليوم) من أجل بقاء قوانين ولوائح النظام الدولي ذات طموحات عالمية فعلية.

وكما تعلم بريطانيا (بالاضافة لكل إنسان)، ان تكون دولة عظمى على القمة، تعتبر مهمة فريدة (فيها: الاقرار بالفضل وعرفان الجميل من قبل الآخرين ليس من ضمن مكتسباتها). فقد كتب احدهم ذات مرة عن «الدرس المأسوي» الذي يجب ان تتعلمه كل دولة عظمى: وهو انها لن تستطيع ان تكون محبوبة. وانني متأكد أن الرئيس بوش قد تعلم ذلك الدرس. لكن اعتراضي على الحرب المرتقبة سيكون له طابع عملي، فالسلبيات ترجح الايجابيات، والنتيجة اذن لن تكون تقدما.

هذه هي الطريقة التي ينظر بها الأوروبيون إلى الأمور، فنحن متشائمون ونخشى المجهول، إذ اصبحنا مقتنعين بالمساوئ الانسانية، ولذلك نفضل الوضع الراهن. ولكن أميركا لا تنظر إلى الأمور بهذه الطريقة. ففي حملتها على العراق، نراها تذعن لغرائزها الاولية، متخيلة أنها تستطيع ان تغير الأمور - في الشرق الاوسط - إلى الأفضل. فأميركا ليست سجينة للوضع الحالي.

نعم، تتدخل المصالح الذاتية، النفط، الرغبة في دعم اسرائيل. كما ان إدارة بوش تستغل موضوع العراق لاشغال الشعب وابعاده عن التفكير بالمشكلات الاقتصادية المحلية. ولكن يعتقد الناس في المناصب العليا في واشنطن بنظرية ويلسون بأنه يمكن إعادة تأهيل العراق إلى دولة متقدمة تصلح أن تكون نموذجا في منطقة مضطربة. ويضيفون سرا، ان المنطقة برمتها في مأزق وكل ما سيحدث بعد صدام يمكن ان يؤدي إلى أمور اكثر سوءا.

ولكنني، مثل غالبية الاوروبيين، اعتقد ان الامور ستتحول إلى أسوأ، إذ انك لا ستطيع ان تغير التاريح ببساطة، وأخشى ان يكون غزو العراق مجرد رمي للوقود على نار ذات دخان من غير لهب. ولن تكون العواقب سلاما وأمنا، وانما مزيدا من الحركة المعادية لاميركا، فهل فكر الاميركيون في هذا؟ يبدو أن هناك اشارة ضعيفة.

فبوش ادعى ان الحرب على صدام هي من أجل السلام. وتعتقد ادارته انها تستطيع تعزيز الديمقراطية في الشرق الاوسط. ولكن ورثة ويلسون يرغبون في وضع أموالهم إذ، حيث يجدون مصالحهم.

واميركا انفقت 400 بليون دولار سنويا في برنامجها الدفاعي، ولكن ماهية الموازنة للمشروع المخادع الذي أعلنه كولن باول قبل أسابيع قليلة للتعليم المتقدم، اقتصاد السوق والديمقراطية في المنطقة انما هو مبلغ حقير: مجرد 29 مليون دولار، أو (1) في المئة فقط من كلفة ناقلة طائرات واحدة ترابط في الخليج لضرب صدام (قيمتها أكثر من 3 بلايين دولار لا تشمل الطائرة). ولا ننسى ان اميركا، ومن اجل تعزيز مصالحها الخاصة، منحت اوروبا خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية. ونظرية «المصلحة الخاصة» قوية وفاعلة في الوقت الراهن، إذن فلماذا لا توضيع خطة باول لاعادة بناء الشرق الاوسط؟

ولكن ربما (أوقف بوش)، إذ يتجنب الحديث عن «تغيير النظام» في هذه الايام، ولكن لا احد يشكك انه قرر التخلص من صدام وليحدث ما يحدث ومهما يفعل العراق فإن الضغط يظل شديدا. فبغداد تواجه الآن مهمة شبه مستحيلة بإثبات خلوها من أسلحة الدمار الشامل. حتى لو أن مفتشي الأسلحة ومعهم الاستخبارات الغربية لم يجدوا الاسلحة فإن اية، هي نتيجة نتيجة تفضي إلى وجود صدام زعيما عراقيا، هي نتيجة غير مقبولة.

في هذه الاثناء، نحن نواجه أكبر قوة تسير القضايا الانسانية: إما ان تحترم أو على الاقل لا تفقد اعتبارها. فقط يمكنك التفكير في تلك العناوين البارزة اذا تراجعت القوات الاميركية: «انكشاف خدعة بوش» أو «صدام يراوغ حرا مرة أخرى»، التفكير فيها يسبب سكته دماغية في البيض الابيض، وستتحطم صورة الرئيس القوية ورصيده السياسي القوي.

كل ما نأمل فيه أن يثور أحد في العراق ويعمل ضد صدام أولا وينفذ لنا العمل (الخبيث). ولكن هذه الآمال الضعيفة لا تبشر بعيد ميلاد سار وإن كان «الكريسماس» أبيض تحيط به الثلوج.

خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً