العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ

علماء الآثار يناقشون حماية حضارة العراق

بينما تتصاعد إرهاصات الحرب:

تصور الأسماء بطريقة نابضة حياة الممالك القديمة الماضية، امبراطوريات بابل وآشور منذ عهد نبوشادنزار والاسكندر الأعظم. انهارت غالبية تلك المواقع والمعابد والمساجد للحضارات القديمة منذ قرون عدة ماضية. ولكن ما بين 10,000 و 100,000 من تلك المواقع الأثرية مازالت تحتفظ بأطلال باقية، وطبعا عاصرت العراق في العهد الحديث. وبينما تعد الولايات المتحدة لشن حرب، قلقت مجموعات دولية من أمناء المتاحف والمؤرخين من تكرار الدمار الذي وقع على الكنوز العراقية أثناء الحرب الخليجية قبل أحد عشر عاما ومناشدة حكومة الولايات المتحدة أن تضع المواقع التاريخية في حسبانها.

وانشغل المتخصصون بامكان حدوث تهديدات لآلاف المخلفات الأثرية والنصب التذكارية المنتشرة في جميع انحاء العراق والتي تمثل خرطا مزودة ومعلومات أخرى لوزارة الدفاع الأميركية.

تهدف المبادرة، التي تم تنسيقها بواسطة أمين آثار قديمة سابق في متحف جي بول جيتي، هو آثرور هوغتون، إلى توضيح أهمية المواقع على أمل أن تعي المؤسسة العسكرية ذلك وبالتالي تتفادى استهدافها.

وأخبر عالم الآثار الأميركي، جون مالكولم، صحيفة (الفنون) قائلا: «تأسيسا على ما جري فى عاصفة الصحراء الماضية، فإن اية معركة تنشأ من هجوم عبر الكويت أو المملكة العربية السعودية، من المرجح أن تكون هناك مواضع دفاعية أو خندقية في هذه الأماكن الأثرية». وأضاف: «في جنوب العراق، أعلى الأراضي في أحيان كثيرة توجد على قمة المواقع الأثرية، وإذا كانت هناك جرافات تقوم بتكوين متاريس أعلى هذه المواقع، فإن ذلك ينتج عنه بالتأكيد تحطيم هذه الآثار».

ويعتبر التهديد حقيقيا وماثلا للعيان، إذ كثير من النصب التذكارية تقع بالقرب من قواعد جوية أو مصافي نفط أو معامل تم استهدافها في حرب الخليج.

وتقع (كربلاء) مزار الامام الحسين، وهي أشهر الأماكن المقدسة العراقية جذبا بالقرب من مصنع أسلحة كيمياوية ومنصة صواريخ تم قذفها في العام 1991. كما تعتبر (أور) من الأماكن العراقية المشهورة وربما أقدم مدينة في العالم، تقع بالقرب من قاعدة جوية رئيسية تمت مهاجمتها أيضا. في البصرة، تقف شجرة قديمة كثيرة العقد تعرف بـ (شجرة آدم)، على موقع (جنة عدن) حسنة السمعة، وجوارها مصنع للأسلحة الكيماوية. وقالت هلين ماكدونالد، من المدرسة البريطانية للآثار في العراق، تديرها جامعة كامبردج: «حاول العراقيون في السنوات الماضية تحويل مقدار كبير من آثارهم المهمة للغاية إلى مستودعات في الريف. وقاموا الآن بفعل ذلك مرة أخرى، ولكن هناك بعض الآثار يستحيل تحويلها كالحجارة الضخمة. وإذا ما ضربت قنبلة متحفا أو ما يشابه ذلك بالتأكيد ستقضي على تلك الآثار».

وتكون النتيجة محو وطمس محتمل لتاريخ جيل بعد جيل يعود إلى 4000 سنة قبل الميلاد.

وأضافت ماكدونالد قائلة: «يعتبر الشرق الأدنى بما فيه العراق أحد أقدم المناطق التي سكنتها المجتمعات الزراعية، وأقدم المناطق التي شهدت حضارات تتمثل في المدن والكتابة وبناء معقد كالمعابد». واستطردت ماكدونالد: «يتحدث الناس عن مصر ولكن هناك الكثير من الآثار المماثلة والمختلفة توجد في المنطقة. إذا ذهب الناس إلى المتحف البريطاني يشاهدون النقوش الآشورية، التي جلبت من مواقع في العراق. ومازالت هناك نقوش ونحت مماثل في المتحف القومي للآثار في بغداد. وقد كتبت المدرسة البريطانية للآثار في العراق عن هذه المخاوف. قام المسئولون فيها بمخاطبة وزارة الخارجية أثناء حرب الخليج للتعبير عن القلق، ليس فقط على الجوانب الانسانية ولكن أيضا من التأثيرات التي يحدثها الدمار على الثقافة».

وحذر شالز تريب، من مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية في لندن، من أنه ليس القذف فقط هو الخطر الوحيد، ولكن في أعقاب حرب الخليج، سببت العقوبات بالتوازي دمارا ضخما في المواقع الأثرية في العراق كالذي أحدثه الهجوم المباشر. فقد قادت ظروف الفقر إلى حال سلب ونهب الكثير من الأماكن الأثرية والمتاحف التي تحتوي أحيانا على نفائس مهمة حتى بعد أن تم نقل المقتنيات الأفضل إلى بغداد. كثير من الآثار النفيسة نقلت إلى سوق الفنون في الغرب». وأضاف تريب: «هناك كثير من الاغراءات في دولة معدمة لتبديد هذه الثروة ذات القيمة العالية في الغرب». وأشار العلماء الأميركيون إلى معاهدة لاهاي في العام 1954 التي تحظر استهداف المواقع الثقافية والدينية في الحرب، ذلك حتى يعززوا قضيتهم مع الحكومة الأميركية.

ولم تقر واشنطن أبدا بالاتفاق ولكن هناك جهودا أثناء حرب الخليج لتفادي النصب الثقافية على رغم أن الخبراء خافوا من أن القوات الأميركية تعوزها المعلومات الأثرية التي يحتاجون إليها لمعرفة أية المواقع يجب تفاديها.

وقد وقعت بريطانيا المعاهدة لكنها لم تصدق عليها ولذلك هي غير ملزمة بها قانونيا. ومع ذلك قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية انها تتقيد بالنصب التذكارية الدولية وتتضمن المادة (53) من البروتوكول الاضافي الأول لمعاهدة جنيف منع الأعمال العدائية ضد النصب التاريخية والأعمال الفنية وأماكن العبادة. وأضافت المتحدثة: «من الواضح أننا نسعى بكل ما في وسعنا إلى التزام تعهداتنا الدولية».

وقال متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية «أنها لم تناقش الوضع داخل العراق. ويبقى الموقف البريطاني الرسمي أننا لم نستعد للحرب بعد. عموما، تحاول القوات البريطانية أن تكون مستشعرة للمواقع الثقافية». وأضاف: «في العملية الهجومية، دائما تضع الأماكن التاريخية الدينية أو ذات الأهمية الثقافية في الاعتبار إذ نجد قربها من أهداف عسكرية مشروعة وتضع العملية تحت المراجعة المستمرة».

وما يستدعي السخرية أن البريطانيين هم الذين يشجعون الاهتمام العراقي بتاريخ البلاد، وأن العلماء البريطانيين من أمثال زوج اجاثا كريستي وماكس مالووان ساعدوا في بحث كثير من المواقع الأثرية.

وأضاف الدكتور تريب: «منذ أن تأسست الدولة بواسطة البريطانيين في مطلع العشرينات، هناك جهود جادة لتطوير شيء يميز الهوية العراقية بواسطة اعطائهم الشعور بأنهم يعيشون على أرض لا تصدق ثروتها». واستغل صدام حسين أمجاد الدولة الماضية للمساعدة في بناء أمته، مشجعا سكان الشمال على الافتخار بأمجاد حضارة نينوى وأولئك الذين يقطنون الجنوب لتمجيد التاريخ العظيم لمدينة (أور). وقد اختتم الدكتور تريب بتنبؤ كئيب قائلا: «كانت ميسوبوتاميا القديمة مهد الحضارات. واضحا أن ما سيحدث هناك سيكون مروعا للغاية».

خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً