العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ

التفرد الجمالي في منارة جامع القضيبية

يأتي جامع القضيبية من أجمل مساجد البحرين والتي أوجدت لها مكانا في مصاف جماليات عمارة المساجد في العالم الإسلامي والذي يعمق بداخلنا حب الانتماء لهذا الدين الذي نسأل المولى عز وجل أن ينصر امة الاسلام ويرد لها عزتها في هذا الزمن العصيب. ويمكننا اعتبار جامع القضيبية من أجمل مساجد البحرين إذ تشاهده من الخارج يعلوه شرفات على شكل اقواس مدببة ومفرغة وتم تنفيذها بشكل غريب وجديد عن المعروف فجعل المصمم الشكل مفرغا وجعل الخلفية مصمة وكأن العين تنفذ داخل تلك الفتحات كأنها محراب تصل عين الرائي إلى آفاق الروحانية إذ السماء بزرقتها الجميلة واللامحدود عبر الفضاء الواسع تلك الشرفات تحيط بكل حافة الجامع من الخارج ولعل تلك الاقواس المدببة نفسها التي نراها في الشبابيك وحتى الابواب التي تم تنفيذها بمستويات بارزة وغائرة تبرز جماليات من النحت المعماري، تلك الاقواس التي تم تكرارها في أكثر من عنصر حتى اننا نجده ذو مستوى منخفض على سطح الجامع في قاعدة المنارة.

ولمنارة جامع القضيبية جمال معماري مميز تتميز به عن كل المنارات في المساجد ونجد فيها الطلاقة الفكرية إذ التصميم المربع الشكل الذي يسيطر على الشكل العام للمنارة وعلى جانبي قاعدة المنارة شبابيك ذات أقواس مدببة يعلوها بروز على اسفله كوابيل وفي نهاية جدران المسجد يحيط بالمنارة شرفات مثل باقي حافة الجامع وهي بارزة عن سطح المنارة ويأتي جسم المنارة في حجم أصغر من القاعدة ومحافظا على الشكل الرباعي وتوجد شبابيك زجاجية في الجوانب الأربعة وتوجد بلكونات جصية دعمت بكوابيل اسفلها ويعلو الشبابيك قوس مدبب ويوجد في أركان المنارة اربعة أعمدة في كل ركن وقد حذفت زوايا الاركان ووضعت الأعمدة لكسر حدة الزوايا في شكل جميل وهي في تآلف نادرا مانراه في المآذن الاسلامية الاخرى ولكننا ممكن ان نراه في اعمدة المساجد الداخلية ولكن وجودها هنا هو الجديد، ويعلو المنارة من اعلى شباك كبير متدرج خارج عن سطح المنارة الفعلي ويوجد اسفل قاعدة الشباك ترديد للشرفات الخارجية وهي قد تكون على محراب متراص والشباك عبارة عن بلكونة من زخارف هندسية مفرغة بالشبابيك البحرينية القديمة في ثلاثة اجزاء لكل ضلع من اضلاع الشباك ثم يعلوه جسم المنارة الرباعي وقد فرغت اقواس مدببة في كل مساحة المربع تاركة اربعة اعمدة على اركانه ثم يعلوه ثمانية اعمدة ويربطها اقواس منكسرة ثم غطاء لتلك الاعمدة ثم قبة صغيرة ويعلوها الهلال.

ولعل ما يميز شرفات الجامع تلك الشرفات الخاصة بساحة المحراب الخارجي وهي اقواس لاسفل يعلوها سرر جبسية ذات فصوص، ومن الزخارف الدقيقة تلك الزخارف التي تغطي تجويف المحراب الخارجي وتتوج الفصوص الدائرية اعلى قوس تجويف المحراب في تتابع جميل متلاحق ومتوالد.

ومن جماليات جامع القضيبية ذلك المدخل الموجود على يسار المسجد ذو الدرج الصاعد لاعلى ويوجد على اركانه اعمدة لها قاعدة ناقوسية مضلعة ويتجان الاعمدة لها مقرنصات ملتصقة لتنتهي بجسم العمود الدائري إلى شكل مربع ليعلوه مكعب نحتت على اضلاعه اشرطة بارزة اسلامية تضم في اركانها اطباق نجمية، ولعل اوضاع الاعمدة قد تكون ترديدا لاوضاعها في المنارة كما رأينا، ولذلك المدخل شرفات مفرغة لاطباق نجمة هندسية تشع نورا داخليا شفافا يعكس تشابك الرؤيا الامامية بالخلفية وهي على شكل قوس منكسر ويوجد للمدخل ثلاثة مداخل ذي اقواس منكسرة ذكرت عليها آية قرآنية «في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال» صدق الله العظيم.

وفي المدخل الامامي كتبت آية نصها «أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا».

وخطت الآيتان بخط الديواني وكانت تعلو القوس المنكسر الذي يوجد على جانبيه زخارف نباتية بارزة في افريز مثلث.

أما عن سقف الجزء الامامي فيتوسطه اربعة تجاويف مثل تجاويف القباب من الداخل وهي من المصيص اما عن هيئتها الخارجية فهي ليست بقبة وإنما هي في الشكل ذات اربعة اضلاع ومكسوة بقراميد في غالبية الظن انها من الفخار، ويتدلى من تلك التجاويف نجف من الكريستال الاصلي الفاخر، وتضم النجفة الواحدة حوالي 26 لمبة تقريبا، وهناك شريط من المقرنصات الذي يكسو اعلى الجدران في مساحة المسجد الكلية الداخلية اما عن الجزء الخلفي فيختلف إلى حد كبير عن الجزء الامامي فللجزء الخلفي ايوانان عن يمين ويسار كل ايوان عبارة عن ثلاثة اروقة في خمسة صفوف ويتوسط الجزء الخلفي من الامام عند إلتقائه بالجزء الامامي وفي المممر نجد هناك تجويف هائل لنصف دائرة عند قاعدتها ونشأت من شكل رباعي وفي ثلاثة اضلاع ثم انتهت لاعلى من قوس منكسر مثل العقود المخموسة وهذا الحل هو التفرد الثاني في جامع القضيبية والذي سيكون محل بحث دائم في بعض القيم الجمالية المعمارية الفريدة فهو بدأ من نصف دائرة في مقطعها السفلي ثم انتقل من الواجهة إلى أعلى على شكل قوس منكسر اشبه بالعقود المخموسة كما ذكرت، وإننا نشعر بهذا التعجب والاندهاش عند تحوله من حال لحال آخر بسلاسة بصرية ممتعة تجعلك تشعر بغرابة لذلك التحول الفريد، فلقد رأينا عند معظم تجاويف القبلة في معظم المحاريب وإنما كان يبدأ بنصف دائرة وينتهي في واجهته في نصف دائرة ايضا، وإنما تفرد هذا التحول مجسدا لنا رؤية معمارية جمالية جديدة في مفردات العمارة الاسلامية بداخل هذا التجويف زخارف بارزة لوزارات تضم بينها زخارف نباتية دقيقة جدا جعل هذا التجويف محرابا ثانيا للجزء الخلفي في المسجد ويقف فيه الامام ليصلي بالمسلمين الفروض الخمسة.

ولعل هذا التجويف جاء حلا ابتكاريا لمشكلة المدخل القديم ذي التجويف وعندما تم إلحاق الجزء الخلفي كان هذا هو الحل الامثل الذي اخرج لنا عنصرا فريدا يحسب للعمارة الاسلامية في البحرين.

ويأتي جامع القضيبية بجمالياته المعمارية وثيقة من أهم وثائق الوازع الجمالي بجانب كونه ركيزة اساسية في نشر قيم وتعاليم الدين الاسلامي السمحاء في نفوس معظم أفراد المجتمع البحريني، فلقد اشتركت جمالياته المعمارية مع جمالياته الروحية والتي يبثها الجامع في نفوس من يرتاده وفي جذب الكثير من المصلين من شتى انحاء المملكة لكي ينهلوا من علم امامه ويمتعوا انظارهم بجمالياته الفريدة

العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً