العدد 121 - السبت 04 يناير 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1423هـ

مولان يتحدّث عن فيلمه «THE MAGDALENE SISTERS»

المخرج الاسكتلندي بيتر مولان هو صاحب فيلم (راهبات ماغدالين) أو (The Magdalene Sisters)، وهو الفيلم الذي حصل على جائزة الدب الذهبي في مهرجان فينيسيا الدولي هذا العام. وقد تحدث مولان في هذا اللقاء عن سبب كون قصة الراهبة السادية تجعله قريبا من وطنه.

قابلت مولان مساء الأحد مختفيا في فندق الاكسيليسيور هربا من الصحافيين الايطاليين الذين يطاردونه في كل مكان والذين يقول عنهم مولان: «انهم يتعبوني فعلا فأنا لا أجد وقتا لنفسي، انهم يتبعوني حتى إلى الحمام. كنت أعتقد أن مهرجان كان هو الاسوأ بين المهرجانات ولكن اتضح لي ان هذا المهرجان أسوأ.

تم الاحتفاء بالفيلم الثاني للمخرج والممثل الاسكتلندي الذي يحمل عنوان «راهبات ماغدالين» The Magdalene Sisters في فينيسيا في سبتمبر/ ايلول الماضي. وقد ضمنت ملاحظات مولان الصريحة عن الكنيسة الكاثوليكية، التي تحدث بها في المؤتمر الصحافي لهذا الفيلم، وتصدر خبر فيلمه عناوين الأخبار في الصحف المحلية.

وتدور القصة في فترة الستينات في أحد ملاجئ الأيتام السيئة السمعة في ماغدالين في ايرلندا إذ يتم أخذ النساء المخطئات (الايتام أو الفتيات الصغيرات اللواتي يصبحن حوامل قبل الزواج) ليعملن في غسل الملابس وذلك بهدف تطهيرهن من ذنوبهن. المدهش هو ان هذا الملجأ لم يغلق الا منذ ست سنوات فقط. ويحكي الفيلم عن أربع نزيلات في الملجأ تسيطر عليهن راهبة تسمى بريدجيت بطريقة وحشية، وبريدجيت (جيرالدين ماكيوان) هي ممرضة تحصل على المتعة من معاناة الفتيات، وقد كانت تعرف بالأخت بريدجيت. ويقول مولان ان جيرالدين تمكنت من القيام بالدور بشكل جيد.

وقد استلهم مولان فكرة الفيلم بعد مشاهدته برنامجا وثائقيا عرض على القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني بعنوان «ممارسة الجنس في جوٍّ بارد» وقد كان يتحدث عن معاناة النساء الموجودات في ماغدالين، بالاضافة إلى الكثير من الحوادث التي واجهها مولان في حياته كالتقائه امرأة مثل الاخت بريدجيت وذلك مباشرة بعد انتهائه من المدرسة في غلاسغو.

يقول مولان «والدتي مثل معظم الأمهات العاملات في المصانع أرادت ان تتخلص من ابنها البالغ من العمر سبعة عشر عاما في الاجازة الصيفية، فأخبرتني بأنها حصلت لي على عمل لدى راهبة تبحث عن متطوعين للقيام بعمل تجديد واصلاح لمحطة اطفاء لتحويلها إلى شقق للنساء العازبات المتشردات اللواتي يعانين من الشيزوفرينيا»، وبدلا من قضاء العطلة الصيفية في الشرب والعمل في المصانع كما في الصيف السابق توجه مولان إلى لندن. كانت محطة الاطفاء في منطقة بوبلار في شرق لندن وكان الأجر هو خمسة جنيهات في الاسبوع. وبمجرد وصول مولان لاحظ أن الراهبة التي كانت رئيسته لمدة ثمانية اسابيع تعلق صورة بينيتو موسيلليني على الحائط فوق رأسها وقد كانت متشددة بشكل كبير حتى بمقارنتها بالاخت بريدجيت. ويتذكر مولان قائلا: «كانت تحمل عينين صغيريتن ذواتا وميض وكان طولها أربعة أقدام وتسع بوصات فقط، ولا أعتقد ان هناك أي شخص بمثل وحشيتها أبدا».

وفي المنزل المجاور لمحطة الاطفاء كان يسكن رجل تلقبه الراهبة بالشيطان، وهو رجل أسود كان يعمل سمسارا لاثنتين من العاهرات وكان يدفع ايجارا للراهبة عن المنزل الذي يسكنه وتملكه الراهبة. ويقول مولان: «كنت أحب ذلك الرجل كثيرا إذ كان يحمل كل المواصفات التي لا تحملها الراهبة. انا لا أقول ان اختياره لمهنته هو امر مثير للاعجاب ولكنه كان صريحا بشكل غريب بخصوص عمله».

ويواصل مولان حديثه ليخبرنا عن الليلة التي تدخل فيها السمسار في انقاذ احدى هؤلاء النسوة وقد كانت تعاني من الشيزوفرينا وذلك عندما قامت الراهبة بطردها من المنزل في ليلة كان الجو فيها صقيعا ورطبا. «بقيت المرأة في الخارج وكانت تبلغ من العمر الرابعة والستين عاما ولم أكن استطيع ان افعل لها شيئا بسبب الأقفال التي كانت على الباب، وعند ما سمع السمسار بكاء المرأة قام بتحطيم الباب بعتلة حديد وأدخلها إلى الداخل».

هناك لمسات من بعض القصص الطويلة النادرة، ويعترف مولان بلا تكلف بأن هذه اللمسات موجودة لأنه يحب أن يمزج بين الحوادث. ومولان أستاذ في رواية القصص كما ان لديه قدرة على انتاج قصة مختلفة عن الراهبة. ومع ذلك فإنه من الواضح أن تجربته في «بوبلار» لعبت دورا حاسما في الطريقة التي كتب بها الجزء المتعلق بالأخت بريدجيت. «اعرف هذه الشخصية جيدا، أعرف كيف تبتسم وأعرف ذلك الوميض في عينيها وسخريتها والطريقة التي تستخدم بها سلطة الكنيسة، ابتسامتها ليست سادية بل ان لها ابتسامة سعيدة ولكن ما الذي تخفيه هذه الابتسامة؟».

ويضيف مولان بصراحة ان ما دفعه ايضا إلى كتابة الفيلم هو ذكرياته مع والده السكير والمستبد الذي مات بعد عودته من بوبلار بأيام. «مات بينما كنت أقوم بكي قميصي استعدادا للذهاب إلى الجامعة في اليوم الأول لي، مات ببساطة شديدة وبعد ذلك بقليل ظهرت الشمس، لا استطيع ان اصنع من هذا الحدث قصة فقد كان حدثا سخيفا جدا.

وحين سألته عما يشعر به تجاه والده الآن اجاب: «أعتقد ان قدرتي على فهم هذا الامر الآن أقل بكثير مما هي في السابق، إذ انني أصبحت أبا لثلاثة أطفال الآن، فأنا لا أفهم ابدا لماذا فعل الأشياء التي فعلها - لماذا ينجب شخص ثمانية أطفال ويشعر بالسعادة تماما لجعلهم يكرهونه؟».

ولكن استياءه والأذى الذي حل به جعلاه قادرا على لعب أدوار الشخص المستبد والصارم، وعلى ابتكار شخصيات كشخصية الاخت بريدجيت. يقول مولان «لا أستطيع ان أفسر ذلك ولكني استطيع أن أؤدي هذه الأدوار، الكثير من الممثلين الجيدين لا يستطيعون أن يمثلوا الألم. فأمور مثل هذه إما ان تكون حدثت أو لم تحدث في حياتك. لنأخذ على سبيل المثال الممثلة سامانثا مورتونالتي وضعت في مراكز الرعاية بعد انهيار زواج والديها. الغضب يأتي من مكان ما في داخلنا، سامانثا لا تتحدث عن هذا الأمر وهذا صحيح تماما ولكنني أتحدث عنه، ومن المهم أن أتحدث عنه لأن الأطفال الآخرين يمرون بالامر نفسه وأنا أريد أن اخفف من احساسهم بالوحدة التي شعرت بها».

قضى مولان ثلاث سنوات ونصف السنة في إنتاج الفيلم، ولتجنب أعمال العنف التي يمكن أن تواجهه في ايرلندا فقد قرر القيام بتصوير الفيلم في اسكتلاندا، وحتى حين فعل ذلك تعثر الانتاج بسبب الكثير من المشكلات، منها اعتذار فينيسيا ريدغريف التي كان من المفترض أن تمثل دور الأخت بريدجيت لكنها انسحبت من دورها بعد سقوط والدتها من أعلى السلم. كما ان موازنة الفيلم لم تكن كافية مما اضطر مولان إلى أن يساهم بمبلغ سبعة عشر ألف جنيه استرليني من ماله الخاص» وذلك لتجنب توقف انتاج الفيلم بعد الأسبوع الأول. كما انه اجل الحصول على 50 في المئة من أجر كتابة الفيلم واخراجه. «لقد أغضبني كثيرا ان انتج الفيلم واخرج منه بعائد مالي اقل مما دخلت به».

وهذا الامر ليس جديدا عليه فقد حدث أمر مشابه في فيلمه الأول «ايتام» Orphans اذ فقد الراعي الاساسي للفيلم (القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني) ايمانه بالفيلم الذي عرض في دور السينما البريطانية فقط وذلك بعد فوزه بجائزة في مهرجان فينيسيا للعام 1999.

ولكي ينتج مولان فيلم The Magdalene Sisters فقد قام مولان بالاستغناء عن الأسلوب الواقعي الذي استخدمه بفعالية شديدة في فيلم «أيتام». ويعترف مولان قائلا «هذا الفيلم قريب إلى لهيب الواقعية الاجتماعية بالطريقة التي أريدها كنت اعلم بأنني لا استطيع ان اكون متحايلا مع الكاميرا، فالناس يجب ان يكونوا مركزها وانا اريد ان تكون الامور بسيطة». هناك لقطة واحدة فقط يتخلى فيها مولان عن طريقته المتطرفة في النظام - وهي اللقطة التي نرى فيها صورة الأخت بريدجيت تلوح في عين احدى الفتيات وهي تعاقبها لمحاولتها الهروب.

ويقول مولان وهو يكبت ضحكته «أعرف انها لقطة مبالغ فيها وأعرف أنها لم تتناسب مع باقي لقطات الفيلم ولكني لم أهتم لذلك، كنت اريد أن أنقل فكرة معينة. لم يكن ذلك دقيقا وأنا لا أعتقد بأنني شخص دقيق... كين لوش سيكره تلك اللقطة».

ومن جانب آخر يبدو مدهشا أن يعرض فيلم The Magdalene Sisters في مهرجان فينسيا، فمنذ عدة شهور وعند ما كانت هناك ضجة شديدة بشأن تدخل الحكومة الايطالية في المهرجان، اقترح مولان ألا يعرض فيلمه، الحكومة رفضت محاولة اثارة اجندة يمينية وإلى حد اليوم يصر مولان على ذلك قائلا: «سيلفيو بيرلسكوني هو تهديد كبير للحرية الفنية والسياسية كأي أحد آخر في هذا العالم».

والآن يرشح هذا الفيلم لأحدث جوائز المهرجان، وسواء فاز أم لم يفز فإن مولان اثار ضجة بين الناس وفي الصحافة مقاربة لحجم الضجة التي أحدثتها صوفيا لورين مسبقا - وهذا بحد ذاته انجاز غير متوقع.

خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 121 - السبت 04 يناير 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً