العدد 126 - الخميس 09 يناير 2003م الموافق 06 ذي القعدة 1423هـ

دول الخليج والبحث عن الأمن!

أمير بوخمسين comments [at] alwasatnews.com

بعد غزو العراق الكويت في الثامن من أغسطس/آب 1990، أثبتت الحوادث ضعف الأمن الخليجي، وعدم قدرة دول مجلس التعاون على الدفاع عن نفسها، وبيان الثغرات الأمنية التي تمس أساس كيانه، إذ بات من المؤكد أن المليارات من الدولارات التي صرفت على الماكنة العسكرية لتسليح جيوش الخليج، تم توزيعها باعتبارها حصصا بين البائع والمشتري والسمسار.

أن قيمة ما دفع من الأموال الضخمة من أجل التسلح لدول مجلس التعاون الخليجي في العقود الثلاثة الماضية، لم تحسم أمر المعركة التي خاضتها دول الخليج بجانب العراق في حربه ضد إيران، ولم تحسم أمر اعتداء العراق واحتلاله الكويت، ولم تبني الأرضية الأمنية السليمة في التعامل ما بين الحاكم والمحكوم، ما يعزز عامل الثقة بين الحاكم والمواطن، وبالتالي بقي هاجس الأمن والخوف على الكرسي أكبر هم، إن هذه المليارات التي دفعت كفواتير حرب للعراق أو للدول الكبرى، زادت من طمع الدول الكبرى في امتصاص المزيد من المليارات وسد العجز الاقتصادي في موازناتها.

فالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا المستفيد الأكبر من هذه الحروب، إذ استطاعتا أن تحصدا أضعاف ما أنفقتا في هذه الحروب، عبر بيع دول الخليج مجموعة هائلة من الأسلحة المختلفة الأهداف والأغراض، ما خفف من مستوى الانهيار الاقتصادي في الغرب، وبالتالي تخفيف معدل البطالة المتصاعدة في هذه الدول.

أما الجانب الآخر لإفرازات حرب الخليج، فيتمثل في شق الصف العربي، وانهيار كل القيم والمبادئ التي كانت حاكمة على موضوعات العلاقات العربية - العربية، لاسيما ما يرتبط بأي مشروع وحدوي عربي، وبالتالي أصبحت جميع المشروعات العربية مجمدة، بسبب أحادية التفكير السائدة في الأوساط السياسية الحاكمة في الخليج ما تسبب في تجميدها.

هذا الشعور الناتج عن آثار هذه الحروب، أدى بدول الخليج إلى الانسحاب للداخل، ورفض مبدأ الانفتاح، ومن ثم الاندفاع إلى أحضان الغرب بصرف النظر عن إشكاليات هذا الاندفاع غير المبرر على مستويات عدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.

فهل هذا هو الطريق الصحيح لحماية أمنها؟، وهل هذا يمثل الأمن المطلوب لدول الخليج؟، وهل بإمكان دول المنطقة أن تتفادى الاعتداءات الخارجية في المستقبل، باعتمادها على العامل الغربي؟!

هذه الأسئلة هي محل جدل واقعي وحقيقي، ولابد أنها قد أثيرت في الأوساط الثقافية والاجتماعية الخليجية، وربما بين أصحاب القرار، لمعالجة هذه الأمور بعيدا عن العاطفة والعصبية، لأن أي قرار غير مدروس سيؤدي بهذه الدول إلى الهاوية.

فحل المعضل الأمني لا يأتي عبر شراء كميات هائلة من الأسلحة من الغرب، وليس عبر توقيع اتفاقات ثنائية أمنية بين كل دولة من دول الخليج وأميركا أو دول أوروبا الغربية، بل عبر فهم وإدراك الأسس الرئيسية لتحقيق الأمن المطلوب، والمتمثلة في الأمور الآتية:

1- توعية المجتمع بأهمية الأمن القومي، ونشر الثقافة الأمنية الواعية لأجل حماية الدولة من الاعتداءات الخارجية، إذ المفهوم المتداول في الخليج، أن الأمن هو ما يخص رجل الشرطة والمباحث العامة، ما ولد شعورا لدى المجتمع بأن الأمن يعني مصادرة الحريات العامة وقتل المخالفين أو اعتقالهم، وبعد ذلك توالد الشعور بأن الأمن الوطني منوط برجال الأمن والشرطة والجيش، وما عداهم فليسوا مسئولين عن هذا الأمر، وأن ذلك ليس من شأنهم. وهي حال ناشئة في واقع الأمر عن تخلف التفكير السياسي والأمني في الخليج، ما أعطى شعورا بعدم طهارة هذه المهنة، وعدم الإقبال عليها من قبل المجتمع الخليجي، إذ وجدنا قبل الغزو العراقي للكويت، أن من كان يقبل على هذه الوظائف، هم عادة من ذوي المستويات المتدنية أو غير المرغوب فيها اجتماعيا، ما عزز هذه النظرة الدونية، فيما يختلف الحال كليا لدى الكثير من دول العالم، إذ رجل الأمن والبوليس يعتبر نفسه جزءا من المجتمع، وهو السائد في أوروبا إذ يشارك المجتمع في محاربة الجريمة، والدفاع عن البلاد من الاعتداءات الخارجية، ولم يتحقق ذلك إلا بعد إدراك المجتمع الغربي أهمية الحفاظ على بلاده، وحسن تعامل رجل الأمن والصورة الحسنة التي يظهر بها في ممارسة عمله، وليس كابوسا يستخدمه النظام متى شاء، ولا وسيلة للتهديد لتحقيق أغراض ومصالح شخصية.

إن ذلك يستدعي التفكير مليا في إيجاد السبل والطرق السليمة من أجل بناء مجتمع واع بالقضية الأمنية، لتفادي الأخطار الوافدة من الداخل والخارج.

2- تقوية العلاقة بين الأنظمة الحاكمة والمجتمعات الخليجية، و(تجربة البحرين) مثالا على ذلك، فبعد سنين القهر والذل التي عاشها المواطن البحريني، خلال العقدين الماضيين، فإن القيادة الشابة في البحرين، رأت بعين بصيرة نافدة ضرورة خلق مناخ من التفاهم والحوار مع أبناء الشعب، واتخذ بذلك ملك البحرين خطوات لرأب الصدع، وإغلاق صفحات الماضي الأسود، عبر خلق جو من التلاحم والمودة، بين الحاكم والمحكوم، وعبر تقاسم الصلاحيات بالعدل، وأن يكون هناك عامل يجمع ولا يفرق، وهذا لا يتم إلا بالتراضي، فالنظرة التي تحملها الأنظمة الحاكمة حيال شعوب المنطقة، هي في واقع الحال نظرة دونية، وكأن هذه المجتمعات تريد الاستيلاء على السلطة، وتهدد كيانها، هذا التفكير أدى إلى حدوث هوة وفراغ بين شعوب المنطقة وبين النظام الحاكم في الخليج، وبالتالي اصبح كل طرف يفكر بعيدا عن مصلحة بلاده، بينما لو كانت هناك لغة حوار هادف وإيجابي بين الطرفين، وتفاهم الطرفان عبر الانفتاح ما كانت لتحدث هذه الكوارث والأزمات التي مازلنا ندفع ثمنها غاليا.

فالأمن القومي والإقليمي لا يتم إلا عبر الجو الإيجابي ولغة الحوار التي تشترك فيها كل الأطراف المعنية، فالأنظمة الحاكمة والنخبة المثقفة والمعارضة، وباقي فئات المجتمع مطلوب منها أن تتفق على صيغة للحوار من اجل تفادي هذه الأزمات ولمصلحة الجميع.

3- من إحدى الركائز والمقومات التي تعتمد عليها الدول في بناء كيانها وتأسيسها، الكثافة السكانية والبشرية التي تعتبر عماد الدول وحصنا للدفاع عنها، فدول الخليج تعاني من أزمة سكانية حادة، وهذا من شأنه التعريض بالمكانة الاستراتيجية لهذه الدول لاسيما في المجال الدفاعي. ومن خلال نظرة إلى الإحصاءات السكانية في دول الخليج نرى أن السعودية هي أكبر دولة سكانية، وقد أظهر الإحصاء الصادر العام 1993، وهو الأخير، بأن تعداد سكان المملكة العربية السعودية قد وصل إلى 16 مليون نسمة، وإلى العام 2003 من المحتمل أن يكون العدد قد وصل إلى 20 مليون نسمة، أما بقية الدول الأخرى فهي لم تتخط النصف مليون، ففي تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن العام 1991، ذكر التقرير أن التعداد السكاني في كل من البحرين 511200 نسمة، وقطر 454800 نسمة، والكويت بعد الأزمة 9500000 نسمة، أما الإمارات العربية المتحدة فسكانها مليون وسبعمئة وخمسون ألف نسمة وعمان 1589000 نسمة.

هذه الإحصاءات تثبت مدى العجز السكاني وعدم قدرة دول الخليج على الدفاع عن نفسها، وحل هذه المشكلة لا يتم إلا عبر تجنيس الكثير من المواطنين العرب المقيمين في هذه الدول وتوفير المناخ المناسب لخلق التجانس الاجتماعي، وكسر الحواجز والفوارق بين المواطنين والمقيمين، فما حصل بعد أزمة الخليج الثانية يعد كارثة وخطأ استراتيجيا ارتكبته هذه الدول حين أقدمت على إبعاد مئات الألوف من المواطنين العرب العاملين في دول مجلس التعاون وممن مضى عليهم من الزمن ما يقارب ثلاثين عاما.

4- تقوية العلاقة السياسية بين دول الخليج ودول الجوار، والمبنية على التكافؤ وليس النظرة الدونية إلى دول الجوار، باعتبارهم محتاجين ماديا، وبالتالي نحن في غنى عنهم، فوجود علاقة قوية وموثقة من شأنه افشال احتمالات التأزم في المنطقة، وهذا يمكن تحقيقه عبر مد جسور التعاون والتفاهم، فغزو العراق الكويت حدث لا يمكن تناسيه أو تجاهله، ولكن علينا استيعاب الأخطار والآثار الناشئة عنه.

هذه بعض أسس التفكير الرئيسية من أجل وضع خطة أمنية لحماية دول الخليج ولتفادي الأخطار المستقبلية

العدد 126 - الخميس 09 يناير 2003م الموافق 06 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً