العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ

أميركا تعتقد عدم حاجتها إلى حلفاء

عندما تتم كتابة تاريخ الأزمة العراقية للعام 2003 أخيرا، فإن أجيال المستقبل ربما يجدون أن الأمر غير العادي هو غياب المبادرات السياسية أو الدبلوماسية لها. وبالتناقض مع كل الأعراف المعهودة للسياسة، هناك محاولة بسيطة جديرة بالملاحظة لتزويد وإعداد الرأي العام برسالة سهلة ومفهومة للأسباب أو العواقب.

إلا أن الأمر المدهش أكثر هو غياب أية محاولة منسجمة لتشكيل حلف دولي متماسك يؤيد غزو العراق. حتى في الجهود الأميركية - البريطانية الأخيرة لاستصدار قرار ثان في الأمم المتحدة فان هناك شعورا ملموسا في التحركات من أجله إما من خلال تحييد دور فرنسا وروسيا بالضغط عليهما أو رشوتهما أو الحصول على اقناعهما بعدم التصويت بحق النقض ضد القرار.

وكما تساءل أحد الدبلوماسيين الأوروبيين المحنكين بوضوح الاسبوع الجاري: هل تكترث واشنطن حقيقة بما يفكر فيه الفرنسيون أو أي شخص آخر بخصوص النزاع الحالي؟ الاجابة على الارجح كلا، لان النوعية الفريدة لهذا النزاع الخاص تتمثل في الطريقة التي يدار بها بواسطة مجموعة منغلقة نسبيا داخل واشنطن تعمل على أجندة تم اقرارها منذ وقت بعيد - في الواقع قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول - وهي ترى أنه لا يوجد سبب لتفسيرها أو تبريرها حتى لناخبيها الخاصين بغض النظر عن حلفائها.

وكانت النتيجة وجود مناخ غير واقعي لكل من يزور الولايات المتحدة. يفترض كل انسان أن القطار غادر المحطة من قبل.

في شبكات التلفزة وفي الصحف اليومية لا يوجد حوار فعليا عما إذا كان يجب أن يبدأ التحرك، أو ترك شأن التراجع عن الحرب للادارة الأميركية فقط. حتى أكثر السياسيين الديمقراطيين صلابة والخبراء يندفعون في النقاش الذي لا نهاية له عن الحرب من خلال القنوات الجديدة ويقبلون بأحقية العمليات العسكرية.

وإذا كان هناك نقاش، طبعا سيكون مقصورا على سرعة القطار والحاجة إلى أخذ قليل من الحلفاء على متنه وليس النقاش عن اتجاه القطار.

ولكن عندما تتحدث الى الاميركيين العاديين - ويظهر ذلك في استطلاعات الرأي العام - فإنك لن تجد شعورا بحمى الحرب أو حماسة خاصة للحرب. أما اللغة التي تمجد قوة أميركا وتقلل من شأن حلفائها المتشككين وتصفهم بأنهم «مخنثون» أو «منحرفون جنسيا» أو «آكلو جبن» فهي مقصورة على الاعلام أكثر من كونها محادثات في الزقاقات أو الطرقات. هناك يشعر المرء أنه إذا تراجعت الولايات المتحدة كلية عن الحرب غدا، فإن كثيرا من الناس سيكونون راضين بذلك طالما أنها لم تقدم تنازلا لتلك الدولة.

يرتكز التفكير الوحيد لهذا التباين بين الصحافة وأهداف المؤسسة السياسية من الحرب وجمهور بعيد عن الارتباط بالنزاع، على حتمية الشعور الذي يخترق النقاش في الولايات المتحدة. واذا كان يحدث هذا الاختراق على أية حال فما الغاية من الحوار؟ بالإضافة الى حقيقة أنه على رغم أن طريق الحرب طويل ربما فان النصر يبدو للأميركيين مؤكدا.

كان المتظاهرون من أجل السلام في نيويورك يوم السبت المشهور غالبيتهم من الشباب وهم قلقون فعلا من أن تشن واشنطن الحرب باسمهم. ولكن نجد أن المتظاهرين أثناء الحرب مع فيتنام مندفعون بواسطة مشهد الخسائر والتخوف الفعلي من الخدمة العسكرية، أما متظاهرو اليوم المناهضون للحرب فنجدهم غير معنيين مباشرة فقد محت حرب افغانستان الحرمة السياسية للتابوت.

إذ وعد وزير الدفاع الأميركي، دونالد رامسفيلد بانتصار تكنولوجي خلال اسابيع فقط. أما الخسائر التي ستكون وسط المدنيين فهم ضحايا ليس الغزو الأجنبي بل نتيجة لاضطهاد صدام حسين.

وفي الوقت نفسه تلك المفاهيم هي مدينة الى حدّ ما الى طبيعة وسائل الاعلام. بلغة الحديث السياسي، يؤدي تعدد القنوات التلفزيونية فعلا الى انكماش الحوار إذ ان المشاهدين والقراء يشترون ويطلعون على ما هم يتفقون معه وتؤكد وسائل الاعلام أن ذلك ما توفره لهم.

لا مجال في هذا العالم لفهم أوروبا على اساس أحاسيس شعوبها بدلا عن سياسة زعمائها، أو السماح لدول أخرى بالحق في التعبير بحرية عن وجهات نظرها.

في المقابل ينظر الى الدول على أنها رسوم كاريكاتورية ويصنف زعماؤها بأنهم فضلاء أو سيئين اعتمادا على علاقاتهم مع أميركا.

وهذا ينطبق كثيرا على وجهة النظر الأوروبية لأميركا أيضا، فالأوربيون والأميركيون يفهمون أقل عن بعضهم بعضا مما كانوا عليه منذ خمسين عاما ماضية على الأقل لأن الصور التلفزيونية جعلتنا نعتقد أننا نعرف بعضنا بعضا، بينما آباؤنا الأول سعوا الى اكتشاف بعضهم بعضا.

إن السبب الرئيسي لتهميش الدبلوماسية يعكس بالتأكيد حقيقة السياسة في واشنطن اليوم. فالدائرة الداخلية التي تسير ادارة بوش لا تكترث بفرنسا أو ألمانيا لأنها تعتقد عدم حاجتها الى حلفاء.

ربما الحاجة الى تركيا والكويت اللتين تمثلان منصة الانطلاق للقوات الأميركية. ويعتقد أنه لا حاجة الى قوات الدول الأخرى، في تناقض واضح مع السعي الحثيث لجيمس بيكر من أجل ايجاد تحالف خاص في حرب الخليج الأولى.

ويرى معلقو السياسة في لندن أن البحث المستمر لايجاد دعم الأمم المتحدة يمثل رصيدا لقوة طوني بلير في الاقناع. أما واشنطن فترى في ذلك مساعدة لبلير في التغلب على مشكلاته المحلية الخاصة به. وبعيدا عن النظر الى بلير بأنه الحليف الوفي للولايات المتحدة، بدأ أخيرا يميل الى حمل المسئولية.

لقد أخذت الولايات المتحدة أخيرا الدور الذي كان يلعبه هنري كيسنجر، ألا وهو راعي البقر الوحيد على صهوة جواد الذي يرتب وينظم العالم أينما وجد تهديدا للسلم الأميركي، بينما لا تهتم كثيرا مشاعر أو تأكيدات الدول الأخرى على الاطلاق.

خدمة الاندبندنت خاص بـ «الوسط

العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً