العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ

موضوعة التماثلية في فكر الإلغاء

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لا يمكن للفكر أن يدعي الالتصاق بالقضايا الكبرى والملحة المرتبطة بالمجتمع والدين والإنسان... ضمن إطار شامل، فيما هو مصاب بلعنة الإقصاء والنبذ وهوس البتر!!!.

(2)

فكر كهذا... هو مشروع يبدأ بتفتيت الكيانات الصغيرة بدءا بالأسرة مرورا بالشارع وصولا الى الأمة وليس انتهاء بالإنسان، كل الإنسان، على اختلاف عقائده ومناهجه!!!.

(3)

هو محض دعوة إلى تطابق الفكر... كل الفكر... صيرورته على شاكلة واحدة لا تقبل تمايزا أو اختلافا، وفي ذلك دعوتان، مبطنة وصريحة، مبطنة لإعلان نفسه نموذجا أوحد لا يقبل المزاحمة، وصريحة - بالإرهاب الذي يمارسه بالتلويح بأدوات الإسكات، وهي متعددة - بتقرير أن ما عداه هرطقة وبدعة وخوار، فإليه ينتهي مرجع كل تفكير، في موقف يروج للثبات والمراوحة وتعطيل مدارك العقل الإنساني !!!.

(4)

ولأن الفكر بحث دائم، وإعمال مستمر للأدوات التي توصل الى نتائج في ذلك البحث، يتحتم عليه أن يكون متعددا وإلا أصبح رهين مسبّقات تعمل على ارتهانه وانشداده وانشغاله عن مهمة البحث تلك.

(5)

فكر كالذي نحن بصدده، ينفي في مقولاته «السلطة» فيما هو مصاب بها، على اعتبار أن الفكر المنفتح على الآخر والمحاور له... لا يسعى الى السلطة، اذ تمثل بالنسبة إليه حجرا عليه قبل أن تكون حجرا على الآخر... وهي بالمناسبة «سلطة اعتباطية» تفتقد ضمن أقل تقدير الى مفاهيمها الواضحة، عدا عن القبول بها والدخول تحت وصايتها!!!.

(6)

الإكراهات المتعددة التي يقذف بها ذلك الفكر، تحيلنا إلى الإكراهات التي تأسس عليها دعاته والمنافحون عنه، وهي إكراهات لم تجد أدنى مقاومة ورفض ومساءلة من قبلهم، لذلك يرون من واجب الآخر (المختلف) أن يتلاءم طوعا مع تلك الإكراهات دونما مقاومة أو رفض أو مساءلة!!!.

(7)

الإصرار على «التماثلية»... إصرار على تغييب العقل الإنساني ومداركه... وتعطيل لحافز البحث... في موقف قمع ضد أي تحرك إبداعي... ولن يصدم المرء حين يكتشف أن ذلك القمع ضد ذلك التحرك يقابله إطلاق لحركة استهلاكية على جميع المستويات، هي في الذروة، ولديها القدرة على اجتراح ذرى أبعد لبلوغها!!!.

(8)

ثمة آلتان تكرسان في طبيعة ونسيج ذلك الفكر:

الآلة المذهبية، وآله السلطة، ففيما الأولى تصادر الحق في التمايز وتلفض ما عداها... تبلغ الثانية مدى أبعد من ذلك بمصادرة حق (المختلف) معها في أن يحيا ويشهد مدعاة تلك الحياة !!!.

(9)

في المحصلة النهائية، يصبح الفكر التفتيتي/ المصادر... وسيلة استعباد، فيما وظيفة الفكر الجامع/المحاور وسيلة تحرر!!!.

(10)

وفي موضوعة الحرية باعتبارها الفضاء الذي يتنفس من خلالها الفكر ويبدع طرائقه وكشوفاته، تصبح الحرية (وهما) بالنسبة إلى الفكر القائم على النبذ والإقصاء... وحين تصبح كذلك يستتبع ذلك أن يكون الفكر المرتبط بها والمتنفس لهوائها هو الآخر (وهما) لا يرى... وبهذا لا تكون له صفة المرئي/ المعاين... وبالتالي الاعتراف به وجودا!!!.

(11)

نصل إلى «الفعل» و«الفاعلية» في حركية تعاطي الفكر مع القضايا والإشكالات التي يصطدم بها... ففيما الفكر المنغلق «المستبعد» و«المستعبد» في آن معا يتحدد فعله وفاعليته في الإلغاء المسبق... يتحدد فعل الفكر الخارج على التماثلية في قدرته على إقامة علاقات متغيرة ومتجددة مع القضايا التي يبحثها ويقرأها ويتقصاها!!!.

(12)

هل ذلك «الفكر» «كفر» محض بالإنسان في فعل وفاعلية الفكر الذي يصدر عنه؟ يبدو الأمر كذلك!!!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 175 - الخميس 27 فبراير 2003م الموافق 25 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً