العدد 178 - الأحد 02 مارس 2003م الموافق 28 ذي الحجة 1423هـ

ألمانيا والولايات المتحدة: نهاية صداقة قديمة

العلاقات الشخصية بين بوش وشرودر مرشحة للتدهور

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

لا أحد في ألمانيا يحسد السفير الألماني المعتمد في واشنطن ولفغانغ إيشينجر على منصبه هذه الأيام. كل أسبوع ترد في الحقيبة الدبلوماسية رسالة خاصة يوضح فيها إيشينجر أي حد بلغته العلاقات الألمانية الأميركية بسبب اختلاف موقف كل طرف تجاه الأزمة العراقية. وقبل أيام قليلة تعرض السفير الألماني أمام ملايين من المشاهدين لتعنيف من قبل المذيع الأميركي بيل أورايلي المقرب من المحافظين في واشنطن حين قال: نسي الألمان من حررهم من هتلر. حتى اليوم لم تبدأ حرب إعلامية بين وسائل الإعلام الألمانية والأميركية لكن العلاقات بين برلين وواشنطن وصلت أسوأ حد لها منذ تأسيس ألمانيا الاتحادية في العام 1946.

على الخلاف من فرنسا، تعارض ألمانيا التي توصف بأنها أبرز حلفاء الولايات المتحدة بعد بريطانيا، أي عمل عسكري ضد العراق حتى لو دعت الأمم المتحدة إلى ذلك. وظهرت في المدن الألمانية حركات مناهضة للحرب تضم تحت مظلتها شخصيات من مختلف مرافق الحياة. وعلى الصعيد السياسي فإن الرجل الوحيد الذي يحاول تهدئة الأمور هو السفير الألماني في واشنطن الذي تلقى تعاليمه في جامعاتها ويناشد الأميركيين تفهم موقف بلاده مشيرا إلى حساسية الألمان تجاه الحرب نتيجة التجارب التي مروا بها. وقال إيشينجر إن عمله مقتصر حاليا على التنقل من استوديو إلى آخر للدفاع عن موقف بلاده من الأزمة العراقية.

توقف الأميركيون فجأة عن الإشادة بألمانيا كما كانوا يفعلون على مدى السنوات الخمسين الماضية، في حين يجري الحديث في واشنطن عن كيف يمكن معاقبة حكومة المستشار جيرهارد شرودر بسبب عناده. كالمعتاد صدر أول اقتراح عن الرجل المتصلب في الإدارة الأميركية، وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي فشل في المؤتمر الأمني الذي انعقد أخيرا في مدينة ميونيخ في دفع الألمان إلى التراجع عن موقفهم وأجبر على سماع كلام قاس من وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر الذي قال: عليكم أن تقدموا إلينا ذرائع مقنعة لأنه ليس بوسعنا إبلاغ الشعب الألماني أننا سنشارك في الحرب وليس لدينا ما يكفي لتبرير عمل عسكري ضد العراق.

من شاهد علامات وجه رامسفيلد وهو يسمع هذا الكلام كان يعرف أن لدى وزير الدفاع الأميركي أمنية واحدة هي مغادرة هذا المكان على الفور. انتقم رامسفيلد بعد أيام حين وضع ألمانيا في مرتبة واحدة مع الخصمين التقليديين للولايات المتحدة، ليبيا وكوبا، واقترح أن يجري خفض عدد الجنود الأميركيين المتمركزين في ألمانيا والبالغ عددهم أكثر من أربعين ألف جندي، معظمهم انتقل حاليا إلى منطقة الخليج. لكن ما يخشاه الألمان على الأكثر، أن تجرى مقاطعة اقتصادية ضد بلدهم.

قبل تسعة أشهر كانت الأمور بين الحليفين مختلفة تماما. فقد وقف الرئيس الأميركي بوش تحت قبة البرلمان الألماني وقال للمستشار شرودر: كنت سعيدا لاستقبالكم ثلاث مرات في البيت الأبيض وهذا دليل على متانة علاقات بلدينا. آنذاك كان بوش بدأ التحضير لنزاعه مع العراق وكتب عليه أن يقضي ليلته في برلين تحت حراسة عشرة آلاف رجل وكان أول رئيس أميركي يزور برلين ولا يأبه حتى سكان برلين لزيارته. بعد يومين زار بيل كلينتون العاصمة الألمانية وحظي باستقبال جماهيري واسع. وأوردت مجلة «شتيرن» في عددها الأخير أن نسبة عشرة في المئة فقط من الألمان يعتقدون أن العلاقات الألمانية الأميركية جيدة، بينما لا تتوقع نسبة 41 في المئة منهم تحسن هذه العلاقات على مدى دائم.

يقول أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا فريتز شتيرن إن النزاع الطارئ على علاقات البلدين عائد إلى خلاف شخصي بين شرودر وبوش وهذا كان متوقعا لأنه منذ البداية لم تنشأ مودة بينهما على رغم وجود تقارب في حياة كل منهما. شرودر على سبيل المثال أتى إلى السلطة وكان رئيسا لحكومة سكسونيا السفلى، لم تكن لديه خبرة واسعة في مجال السياسة الخارجية وكان يعرف العالم الخارجي من خلال التلفاز وبعض الزيارات الرسمية. كذلك بوش لم يغادر الأراضي الأميركية في السنوات الـ 55 الماضية التي سبقت وصوله إلى البيت الأبيض إلا مرة واحدة. ترى «شتيرن» أن فشل الزعيمين في السياسات الداخلية جعلهما يفران إلى السياسة الخارجية.

المستشار الألماني غير قادر على حل المشكلات الاقتصادية في بلده في ضوء وجود أكثر من أربعة ملايين عاطل عن العمل، ويخشى أن تؤدي الحرب إلى زيادة الأزمة لأن كل ثاني وظيفة عمل في ألمانيا تعتمد على التجارة الخارجية. أما بوش فإنه يرى نفسه في مهمة تاريخية أوكلت إليه لإنقاذ البشرية من الأشرار ويجد صعوبة في قبول معارضين لسياسته، الأمر الذي يؤكده جاكسون جينس (معهد الدراسات الألمانية في واشنطن) إذ قال: لا يستطيع بوش الغفران لشرودر لأنه وقف في طريقه. وأضاف: أخذ بوش الذي يوصف بأنه هاو في مجال السياسة الخارجية، موقف المستشار الألماني بصورة تحد شخصي.

في حملته الانتخابية استغل شرودر الأزمة العراقية بصورة ذكية وأصر على موقف معارض لعمل عسكري. ولأن منافسه البافاري إدموند شتويبر لم يكشف عن موقف واضح، فاز شرودر في الانتخابات على رغم أن نتائج حملات استطلاع الرأي لم تكن ترجح فوزه والحصول على ولاية جديدة. وجاءت تهنئة البيت الأبيض بعد أكثر من أسبوعين وعلى مضض لأن بوش كان يرغب في عودة المحافظين الألمان إلى السلطة. كذلك يشعر شرودر بعدم الاعتراف بالجميل. بعد حوادث 11 سبتمبر / أيلول 2001 أعلن تضامنه مع بوش. وللحصول على غالبية برلمانية لقرار مشاركة ألمانيا فيما يسمى الحرب المناهضة للإرهاب، غامر المستشار الألماني بمستقبله السياسي حين هدد شركاءه (حزب الخضر) بنهاية التحالف إذا عارضوا طلبه. وأخذ شرودر على بوش تجاهله تماما حين تم وضع خطط الحرب المناهضة للإرهاب. وعرف المستشار أن الحرب بدأت في أفغانستان عبر التلفزيون واطلع على القرارات المهمة من خلال وسائل الإعلام.

خلافات المستشارين الألمان مع رؤساء الولايات المتحدة ذات تاريخ عريق. فقد وجد الرئيس الشاب جون كنيدي صعوبة في الحديث مع المستشار الألماني المتقدم بالسن، كونراد أدناور، كما حصلت مشادات عنيفة بين المستشار لودفيغ إيرهاد والرئيس ليندون جونسون بشأن موازنة القوات الأميركية في ألمانيا. وتشاجر المستشار هيلموت شميت مرارا مع الرئيس جيمي كارتر وراء أبواب مغلقة وكان صراخ شميت يسمع في البهو. لكن الخلاف بين شرودر وبوش الصغير اكتسب نوعية جديدة. في الماضي كانت «الحرب الباردة» والمصالح المشتركة تتطلب من الطرفين حل خلافاتهما على عجل في مواجهة العدو المشترك.

لعبت الوحدة الألمانية دورا بارزا في حصول تغيير في العلاقات التقليدية بين البلدين. بعد بوش الأب الذي وصف ألمانيا الموحدة بأنها دولة شريكة في صنع القرارات الدولية جاء كلينتون الذي تلقى تعاليمه في بريطانيا وكان على دراية واسعة بالعقلية الأوروبية وكان يطلع الأوروبيين وخصوصا المستشار الألماني السابق هيلموت كول على خططه قبل اتخاذ قرار مهم.

بعد فوز بوش الصغير بالرئاسة في نوفمبر / تشرين الثاني 2000 اختار مجموعة من المتشددين في إدارته لا يرون أوروبا كما كان يفعل الرؤساء السابقون. بدأت الخلافات مع أوروبا برفض الولايات المتحدة توقيع «بروتوكول كيوتو» لحماية المناخ العالمي، ثم نقضت معاهدة الحد من التسلح المبرمة مع موسكو، وبعد ذلك امتنعت عن دعم تأسيس «محكمة جزاء دولية» على رغم أن كلينتون وقع الاتفاقات المتعلقة بها، كما نشأ خلاف على التجارة الحرة وإجراءات الحماية.

قبل فترة ذكرت مجلة «دير شبيغل» أن بوش الصغير أعاد واشنطن إلى عهد الرئيس السابق رونالد ريغان وأنه يتصرف كمبشر ديني. قبل انعقاد جلسات العمل يقوم الحاضرون بالصلاة. وتساءلت المجلة إذا كانت هذه الخطوة توحي بأن بوش ومعاونيه يشعرون بأنهم يخوضون «حربا صليبية» جديدة.

الخلاف بين الولايات المتحدة من جهة، وألمانيا وفرنسا من جهة أخرى لم يبلغ ذروته بعد، بانتظار أن يقرر مجلس الأمن الدولي مسار الأزمة العراقية، لكن الثابت أن النزاع الشخصي بين بوش وشرودر مرشح للاستمرار

العدد 178 - الأحد 02 مارس 2003م الموافق 28 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً