العدد 199 - الأحد 23 مارس 2003م الموافق 19 محرم 1424هـ

قــراءة في أكاذيــب هــذه الحــرب

حتى الآن، تقدم القوات الانجلو ـ أميركية دعايتها وأكاذيبها إلى العراقيين على طبق من ذهب. أولا، يوم السبت الماضي، أخبرتنا الـ «بي بي سي» بصدق أن الميناء البحري العراقي الصغير على الخليج «أم قصر» قد سقط. لماذا سقوط المدن في محطة «بي بي سي» يمثل غموضا بالنسبة إليّ؟ فالكلمة «سقوط» قديمة قدم العصور الوسطى عندما تسقط جدران المدينة فعليا تحت الحصار. ثم أخبرنا بواسطة «بي بي سي» مرة أخرى أن مدينة الناصرية تمت السيطرة عليها بواسطة قوات التحالف. ثم أفادنا المراسل المرافق لقوات التحالف الأميركية - البريطانية أن المدينة نفسها تم تأمينها. وبهذا حدث تضليل مقصود لمستمعي الـ «بي بي سي» ليس في بريطانيا فحسب ولكن في جميع أنحاء العالم.

وأتساءل: لماذا استخدمت الـ «بي بي سي» التعبير العسكري «تأمين المدينة»، ولماذا يسبب ل ذلكي غموضا؟

«تأمين المدينة» يعني السيطرة عليها. ولكن بلغة المراسلين المرافقين للحلفاء أن المدينة تم تجاوزها أو طوِّق نصفها أو بمعنى آخر ان الجيش الغازي دخل ضواحيها. وخلال أربع وعشرين ساعة، ثبت من دون مجال للشك أن المدينة الواقعة في غرب التقاء نهر الفرات بنهر دجلة لم يتم تأمينها في الواقع ولم يدخلها الحلفاء بأي حال من الأحوال لأن هناك على الأقل 500 جندي عراقي مدعومون بالدبابات مازالوا يقاتلون بشراسة.

ومن جانب آخر أخبرتنا الـ «بي بي سي» بواسطة مراسل منضو تحت إمرة القوات الأميركية في البصرة أن المدينة سقطت. هذا التقرير تبعثرت أوراقه عندما أقر المراسل نفسه بأنه ليس في البصرة، ما دعا الـ «بي بي سي» إلى أن تشير بعد ذلك إلى أن مراسلها يوجد في جنوب شرق العراق. وهكذا، يحدث المراسلون تضاربا في الأنباء. ولذلك انبرى نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان لإخبارنا بكل بهجة بأن الأميركيين والبريطانيين كذبوا كذبات كبيرة حينما قالوا إنهم سيطروا على أم قصر. كما أكد وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف أن البصرة مازالت صامدة وأن قواتهم في الناصرية مازالت تقاتل.

يحق للعراقيين أن يفتخروا على رغم الدعاية المطلقة من قبل الأميركيين والبريطانيين في قطر. فما قاله العراقيون في هذا المكسب كان صحيحا. ادعاءات العراقيين العادية بإسقاط طائرات أميركية وبريطانية ـ أربع طائرات يفترض اسقاطها حول بغداد وأخرى بالقرب من الموصل ـ يتم دعمها بصدقية مقدرتهم على إثبات أن سقوط مدنهم في الجنوب كان غير صحيح بغض النظر عن فيلم الأسرى الذي بث أمس الأول.

في الواقع استطاعت الحكومة العراقية الترويج لدعايتها أمس أيضا من خلال التصريح المباشر للجنرال حازم الراوي حينما قرأ ما قيل إنها ثلاث برقيات من وحدات الجيش العراقي في البصرة والانسحاب إلى الشمال. تضمنت هذه البرقيات أن «77 مدنيا استشهدوا بواسطة قنابل عنقودية أسقطت على البصرة».

من التضليل الإعلامي الأميركي ـ البريطاني أن القوات الغازية استخدمت اليورانيوم المستنفذ في العراق الآن كما فعلت في العام 1991. وقبل بدء الحرب ذكرت قوات التحالف أنها تنوي استخدام هذه المتفجرات المصنوعة من مخلفات الصناعة النووية لاختراق العدو. ويعتقد آلاف المرضى من أعراض مرض حرب الخليج بالإضافة إلى أطباء عراقيين أن هذه المتفجرات والقنابل مسئولة عن مرض السرطان. وأخبرتنا ال «بي بي سي» أمس الأول أن البحرية الأميركية استدعت الطائرة الهجومية A-01 للتعامل مع جيوب المقاومة ولكنها فشلت في ذكر أن الطائرة A-01 تستخدم اليورانيوم المستنفذ.

ولذلك للمرة الأولى منذ 1991، ننشر نحن ـ الغربيين ـ اليوم القنابل المحتواة على اليورانيوم في أرض المعركة في الجنوب العراقي ولكننا لم نخبر من قبل، لماذا؟ ومن أين استمد ـ لعمرك ـ ذلك الاسم «قوات التحالف»؟ ليس هناك تحالف في الواقع في هذه الحرب. هناك أميركيون وهناك بريطانيون وقليل من الاستراليين. ليس هناك تحالف أمم يدعم هذه الحرب غير الشرعية.

لماذا تردد الـ «بي بي سي» هذه المفردة «تحالف»؟ حتى عندما قمنا بإنزال في شاطئ شمال إفريقيا في «عملية مشعل» تمت تسمية الإنزال بـ «الانجلو-أميركي» وهذه أيضا حرب انجلو-أميركية، سواء قبلنا أو لم نقبل بمن فينا الصحافيون المرافقون للقوات. وكان العراقيون أكثر وعيا لتطبيق هذا المعنى حينما أعلنوا أن أسرى قوات بريطانية أو أميركية ستتم معاملتها كمرتزقة، وهو قرار تم تصحيحه بعقلانية بواسطة صدام حسين نفسه، إذ قال إن الأسرى سيعاملون وفقا «لاتفاق جنيف». وعلى العموم فإن هذا الأسبوع يمثل خزيا لبوش وبلير. وطبعا ليس كذلك بالنسبة إلى صدام الذي خاض الحرب مدة تعادل تقريبا نصف عمر بلير.

إحدى طائراتنا من طراز تورنيدو تم إسقاطها بواسطة الأميركيين ـ بعد أن فقد البريطانيون طاقما في ثلاث كوارث لمروحيات ـ ومازلنا لم نسيطر على المدينة الأولى على الحدود مع الكويت بالكامل.

وحتى أولئك الصحافيون الذين يحاولون بجسارة إطلاع أنفسهم على ما يجري في أرض المعركة من دون حماية قواتهم لهم ـ مثلا طاقم تلفزيون آي تي في بالقرب من الناصرية ـ فقدوا أرواحهم.

هنا إذا سؤال يفرض نفسه: قبل الأسبوع الماضي كان الحديث عن سقوط بغداد الوشيك، واننا سنستيقظ ذات صباح ونجد ميليشيا البعث والجيش النظامي العراقي استسلموا ونرى الأميركيين يجوبون شوارع بغداد وأسلحتهم على أكتافهم. إذا كان العراقيون مازالوا مسيطرين على أم قصر في وجه القوة العظمى لمدة أربعة أيام وإذا كانوا مازالوا يقاتلون في البصرة والناصرية لماذا قوات صدام لا تصمد في بغداد؟

بالتأكيد، تاريخ العراق لا يخلو من قصص «الاستشهاد» في معارك الدولة ضد المحتلين الأجانب. إن آخر مقاتلي أم قصر العراقيين سيكونون ـ مهما يكن مصير صدام حسين ـ رجال النشيد الخالد والأسطورة. وقد فعل المصريون من قبل مثل الذي جرى في أم قصر عندما قتل رجالهم في السويس العام 1956.

طبعا ربما يكون كل هذا سوء تقدير. ولكن - هذا الأسبوع - فإن الحرب الخاطفة التي أطلق عليها عملية «الصدمة والترويع» المستمدة من الشعار النازي القديم ستكون غير حقيقية. الأمور تسير إلى الأسوأ. لم نخبر بالحقائق. وتمكن العراقيون من الاستفادة من كل أكاذيبنا

العدد 199 - الأحد 23 مارس 2003م الموافق 19 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً