العدد 211 - الجمعة 04 أبريل 2003م الموافق 01 صفر 1424هـ

الموقف العربي ـ الإسلامي من الحرب: محاولة تحليلية

تمثل القمة العربية في شرم الشيخ، وبعدها القمة الاسلامية الاخيرة في الدوحة، مثالين بارزين على اختلاط الموقفين العربي والاسلامي من الازمة العراقية ومن الحرب الاميركية على العراق، والاساس في نتائج القمتين، هو انقسام المشاركين من ناحية علنية الى موقفين مختلفين، الموقف الاول، جسدته بصورة واضحة معارضة الحرب على العراق، فيما كان الثاني الاقرب الى موقف الولايات المتحدة من الازمة العراقية، وإن لم يكن ليجهر اصحابه بالموافقة على شن حرب على العراق، وفي الحالتين، قامت القمة العربية وشقيقتها الاسلامية بصوغ موقف ضعيف ومتناقض من الازمة العراقية بحيث يكون بإمكانه مقاربة احاسيس الشعوب العربية والاسلامية، وارضاء كل المشاركين في القمة، بل وارضاء ذوي العلاقة من الدول غير العربية والاسلامية وخصوصا الولايات المتحدة، التي كانت تأمل في ألا تتخذ القمتان اية مواقف تتصادم وسياستها ازاء العراق بصورة جذرية.

وعلى رغم ان ما ظهر في القمتين العربية والاسلامية من موقف بصدد الازمة العراقية، والحرب على العراق، لم يقسم العالمين العربي والاسلامي الى كتلتين متماثلتين، بل الى أكثرية ذات اهمية، بينها دول فاعلة مثل ايران وسورية، تناهض الحرب، وتقف الى جانب العراق، واقلية تؤيد سياسة واشنطن وحلفائها حيال العراق مثل الكويت وقطر، لكن ذلك كان كفيلا بتعطيل وحدة الموقف العربي وكذلك وحدة الموقف الاسلامي من الموضوع العراقي، ومنع اعلان معارضة جدية للحرب على العراق.

ويكمن السبب الرئيسي في انقسام العالمين العربي والاسلامي في الموضوع العراقي وآفاق حله الى عوامل تكاد تكون واحدة، وان توزعت على ثلاثة مستويات، مستواها الاول، يتصل بموقع الدول العربية والاسلامية في السياسة الدولية وخصوصا الضعف الشديد الذي صارت اليه هذه الدول في الخريطة الدولية، وهو ناتج، ليس فقط عن ضعف سياسات ومواقف هذه الدول في القضايا الدولية، بل ايضا عما ترتب على حوادث 11 سبتمبر/ ايلول الاميركية من نتائج وخصوصا لجهة توجيه وتكثيف اتهامات بـ «الارهاب» إلى العرب والمسلمين، والتركيز على دور بعض الدول العربية والاسلامية في «دعم ورعاية الارهاب».

كما ان بين حيثيات العامل المتصل بالسياسة الدولية، ان خيارات الدول العربية والاسلامية محصورة بين اتخاذ موقف الى جانب الولايات المتحدة والوقوف الى جانب العراق الذي وان كان بلدا ينتمي الى المجموعة العربية الاسلامية، وهو بين بلدانها الاساسية، فإنه بلد ضعيف مقابل بلد هو الأكثر قوة وتأثيرا في العلاقات الدولية.

وهناك جانب آخر في انقسام العالمين العربي والاسلامي حيال الموضوع العراقي، اساسه عدم وجود كتلة دولية، يمكن ان تشكل سندا للموقف العربي الاسلامي، ذلك انه وحتى الموقف الذي بلوره الائتلاف المناهض للحرب على العراق أخيرا بمشاركة فرنسا والمانيا وروسيا والصين، لا يتبنى موقفا جذريا وقويا في الموضوع العراقي، بل انه يمثل اختلافا محددا على رغم اهمية ذلك مع الموقف الاميركي في بعض محتوياته، ولاسيما في معارضة اللجوء الى القوة لنزع ما يسمى «اسلحة العراق غير التقليدية».

غير ان هذه الحيثيات، لا تتجاوز كونها جزءا من عوامل ادت الى انقسام العالم العربي والاسلامي في الموضوع العراقي، إذ هناك مستوى آخر من العوامل، يتعلق بطبيعة الانظمة السائدة في البلدان العربية والاسلامية من حيث تكوينها وتوجهاتها السياسية، وفي معظم هذه البلدان تسود سلطات شمولية الطابع، ولغالبيتها طابع اقلوي استئثاري، يغلب المصالح الضيقة والمؤقتة للحاكم العربي الاسلامي وبطانته، ليس على مصلحة الاكثرية العربية الاسلامية فقط، بل وعلى مصلحة البلد الذي ينتمي اليه.

وإذ ان طبيعة الانظمة العربية الاسلامية على هذا النحو، فقد صارت انظمة هشة وضعيفة، محكومة بالخوف من شعوبها، وبالسعي إلى الحصول على دعم الخارج، ما دفع غالبيتها إلى الارتباط بسياسة الدولة الاقوى في العالم وهي الولايات المتحدة، او المراوحة على تخوم السياسة الاميركية بخلق قنوات تفاعل وتعاون خلفية معها في محاولة تحسين شروط العلاقة.

وثمة مستوى آخر في عوامل الانقسام العربي - الاسلامي في الموضوع العراقي والموقف من الحرب، ويتعلق بالعراق، إذ الحذر الشديد والمتأصل لدى معظم الدول العربية والاسلامية ـ ان لم نقل كلها ـ من مواقف وسياسات السلطة في العراق، والمعروفة بتقلبات سياستها وعلاقاتها في المستويات الاقليمية والدولية، وهذا التقلب ادى الى ضعف صدقية السلطات العراقية في تعاملها مع الدول العربية والاسلامية ومنها دول الجوار العراقي، إذ عاش العراق علاقات ذات ترددات مختلفة، كما في مثال علاقاته مع ايران، وهي احدى اهم الدول الاسلامية المعارضة للحرب على العراق، ولم يذهب نظام بغداد الى الابعد في تحسين علاقاته مع المملكة العربية السعودية، التي اظهرت قدرا كبيرا في معارضة الحرب على العراق.

لقد كرس الموقف العربي الاسلامي في بعده الرسمي تناقضا بين مواقف الحكومات المعنية وشعوبها، وهذا ما ابرزته المواقف الشعبية المعلنة في معظم البلدان، إذ انطلقت تظاهرات ومسيرات، وظهرت نشاطات شعبية في اعتصامات وحركات احتجاج الى جانب اصدار عرائض وبيانات احتجاج، وجهت الى الامم المتحدة وقادة الدول والرأي العام، أكدت معارضة شعبية واسعة للحرب، ودعت إلى الوقوف الى جانب الشعب العراقي.

ولم تكن تلك الانشطة منفصلة عن مواقف الاحزاب والجماعات السياسية من الاتجاهات المختلفة القومية واليسارية والاسلامية، ومنظمات المجتمع المدني والاهلي، والهيئات الدينية الاسلامبة والمسيحية في البلدان العربية والاسلامية، وغالبيتها اكدت وقوفها الى جانب الشعب العراقي ومعارضة الحرب، وهذا يعني وجود انفصال حقيقي وواقعي بين مواقف الحكومات وموقف الاكثريات الشعبية، وهو أمر يفسر قيام مسئولين حكوميين كبار، او قادة في احزاب حاكمة بالمشاركة في قيادة أو تنظيم تظاهرات شعبية تعارض الحرب، كما حدث في مصر وماليزيا، ويندرج ذلك بصورة عملية في اطار محاولة الالتفاف على الموقف الشعبي العربي الاسلامي في معارضة الحرب، كما يمكن ان يكون مؤشرا الى بداية انقسام في صفوف النخب الحاكمة واحزابها حيال قضية سياسية ساخنة مثل القضية العراقية واحتمال تداعياتها.

وبطبيعة الحال، فإن تناقض الموقفين، استمر مع اندلاع حرب التحالف الاميركي البريطاني على العراق، بل ان مواقف حكومات عربية واسلامية، كانت قد عارضت الحرب، انكشف واتخذ موقفها مسارا آخر على نحو ما صار اليه موقف حكومتي مصر وتركيا، وقد اثبتت التظاهرات الشعبية المعادية للحرب تمايز موقف الحكومات عن موقف الشعوب، وخصوصا بعد ان دفعت غالبية الحكومات العربية اجهزتها الامنية للوقوف ضد التظاهرات، وانخرطت في صدام عنيف مع المشاركين فيها، قبل ان تلجأ حكومات منها الى منع التظاهرات المعادية للولايات المتحدة والحرب على العراق.

لقد كرست الازمة العراقية مواقف سياسية متناقضة في البلدان العربية والاسلامية، بل انها عمقت التناقضات السياسية بين الحاكم والمحكوم، وأكدت موقف الكثير من الحكومات في معاداة توجهات شعوبها، والاقتراب أكثر فأكثر من موقف الولايات المتحدة وحلفائها في الموضوع العراقي، والامر في هذا سيؤدي الى المزيد من الترديات السياسية في البلدان العربية والاسلامية.

ويطرح الواقع العربي الاسلامي الحالي اسئلة كثيرة عن المسار الذي سيتخذه الموقف من الحرب على العراق، وقد صارت امرا واقعا، يهدد بانتشار آثاره وتداعياته الى البلدان العربية والاسلامية الاخرى ولاسيما البلدان المجاورة، وقد بدأت تلك التداعيات في الظهور فعلا، الامر الذي يفرض على تلك الدول تجذير خياراتها والذهاب الى الابعد في معارضة الحرب، وثمة عاملان اساسيان لهما تأثير مباشر في بلورة موقف اوضح للدول العربية والاسلامية، اولهما وأهمهما قدرة العراق على صمود اطول في وجه آلة الحرب الاميركية البريطانية، وايقاع خسائر في صفوف قوات التحالف، والثاني توسع التيار العالمي المناهض للحرب والداعي إلى وقفها في المستويين الرسمي والشعبي

العدد 211 - الجمعة 04 أبريل 2003م الموافق 01 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً