العدد 212 - السبت 05 أبريل 2003م الموافق 02 صفر 1424هـ

«طحين» من اللغات والصور... والتباس بين الشأنين العسكري والإنساني

الجبهة الإعلامية للحرب في الصحافة الفرنسية:

يتابع العالم الحرب على العراق من خلال شبكات تلفزة محلية وعالمية متعددة تعمل كل منها وفق إمكاناتها المادية والفنية، ولكن قبل كل شيء وفق موقفها من الحرب. إن كانت مؤيدة فتحت لها أبواب المعلومات والدبابات والهواء... وإن كانت معارضة أو حتى «محايدة» تعرضت للانتقاد فالتهديد والترحيل من ساحة الحدث. وفي كل الأحوال يبقى المهتمون بمتابعة يوميات الحرب، أي معظم سكان العالم، مشدودين يوميا إلى هذه الشبكات، تنقل لهم مباشرة، كل من زاويته، ساحة الحرب عبر صور مكثفة. فماذا «تقول» صور الحرب في العراق التي تنقلها التلفزيونات الأميركية والأوروبية والعربية؟

هذا السؤال طرحته صحيفة «لوموند» الفرنسية في ملحقها عن الإذاعة والتلفزيون (عدد 31 مارس/آذار- 6 ابريل/نيسان) على خبراء في الصورة وفي نقل وتصوير الحروب وأثر هذه الصور على الرأي العام ومدى نقلها لحقيقة الحدث، كما طرحته على مسئولي تحرير الأخبار في بعض شبكات التلفزة وعلماء اجتماع متخصصين في شئون وسائل الإعلام.

الكاتب والمفكر الفرنسي الشهير بول فيريليو، صاحب مؤلفات وأعمال كثيرة عن دور الصورة (من صور فوتوغرافية وأفلام ومنحوتات) في تجسيد الحادثة، يشجب ما يسميه «حرب الإعلام»، وذلك المزج بين العسكري والإنساني الذي يلجأ إليه محيط الرئيس الأميركي جورج بوش. ويقول: «إن المشكلة الرئيسية اليوم تكمن في النقل المباشر او (المزعوم انه مباشر) الذي يوقع المشاهد في فوضى اللغات والصور... والغموض بين ما هو عسكري وما هو إنساني».

وفي رأي فيريليو أن تعدد مصادر الصور لا يضمن بتاتا أي تنوع في المعلومات أو نوعية جيدة من التغطية،لأننا لسنا أمام مفاضلة منطقية عقلانية للصور تتيح تعددية في الآراء ووجهات النظر. ويقول: حين أرى رامسفيلد يعلق على الحوادث والصور لا يمكن إلا أن أدرك الهوة بين ساحة المعركة وساحة المعرفة. فوجود رامسفيلد الدائم يحجب غياب جورج بوش في مواجهة صدام حسين. وخلافا لبوش الأب الذي بارز صدام حسين مباشرة، يهرب بوش الصغير من شخص صدام ويفضل التحدث عن «نسخ» له، ما يعني رفض حقيقة وجود العدو!

ويعتبر فيريليو انه مثلما يفضل بوش التعامل مع «صدام حسين مفترض»، يساهم «حرص» الإعلام الأميركي على عدم إظهار فظائع الحرب في زيادة الالتباس بين الشأن العسكري والشأن الإنساني. ويقول: «إن ممارسة سياسة الإبقاء على مجهولية الضحايا عمل مسرحي ونوع جديد من التمويه المسمى بالإنساني».

ويصف حرب الإعلام الجديدة الدائرة اليوم بأنها حرب الأكاذيب والخداع على الصعيد العالمي، حرب انعدام التمييز بين الصح والخطأ. إنها حرب الخدع على مستوى كوني وبالنقل المباشر، وبحيث لم اعد أستطيع تصديق ما أرى وغيري كثيرون سيصبحون مثلي، مستنكفين ضميريا، وسيصل بهم الأمر إلى إطفاء أجهزة التلفزة. إننا نشهد انزلاقا تدريجيا لوزارة الدفاع العسكري التي هي أساس كل دولة، إلى وزارة للخوف ولادارة الخوف الشعبي العام. وذلك يحصل عبر مواقتة الانفعال الجماعي المشترك الذي حلّ مكان معايرة (أو توحيد) الرأي العام في ما مضى. وفي هذا تهديد لديمقراطية الرأي، بل هو أيضا انتقال إلى ديمقراطية الانفعال، ديمقراطية متواقتة على المستوى العالمي على نموذج الإنجيلية المتلفزة الأميركية التي تميز أصلا كامل محيط بوش الابن.

ويؤكد فيريليو أن القول ان الحرية الديمقراطية هي التي دفعت الأميركيين إلى دعوة الصحافيين إلى الالتحاق بجيشهم لتغطية الحدث، ليس سوى نفي للحقيقة. ففي هذه الحال لا فرق بين جندي في الجيش وجندي من الإعلام. ولا يمكن أن نتجاهل العدو أو أن نبتدعه. وفي هذه الحرب، جرى ابتداع العدو، فالكل يعلم أن صدام حسين ليس مسئولا عن الإرهاب العالمي. وأن للإرهاب أبعادا اكثر تعقيدا. ويقول إن الأميركيين يحاولون «طرد صور 11 سبتمبر/أيلول» بصور أكثر كارثية، إلا انهم فشلوا في ذلك لأن حرب أفغانستان كانت الرد الفعلي على اعتداءات 11 سبتمبر، أما اليوم فهم يقدمون إلينا فيلم ـ كارثة بعنوان» الصدمة والهلع». ولم ينجح الأمر، والدليل: أن الأميركيين والبريطانيين هم في عزلة اليوم.

ويحذر فيريليبو من التمرغ في «طحين» الصور. ويدعو إلى تفسير الحوادث المصورة من موقع الانطباعيين، وينصح بالعودة إلى الصحافة المكتوبة. وينظر إلى المرحلة اللاحقة لما بعد الحرب بتشاؤم، فهي التي ستقرر انتصار أو فشل الإنسانية والعولمة أيضا. ولم يستبعد « انهيار» الولايات المتحدة على مثال انهيار الاتحاد السوفياتي سابقا. ويرى أن تطور الإعلام الأميركي دليل على هذا الانهيار إلى جانب أدلة أخرى كثيرة.

عالمة الاجتماع الأميركية باربي زليزر، أستاذة كلية الاتصالات في جامعة بنسلفانيا والمتخصصة في دراسة صور الحرب وفظائعها، والمحللة في التلفزيون الأميركي لكيفية نقل النزاع، تقول: «إن السرعة في تغطية الحدث لا تعني النوعية. وقد تكون النتيجة انعدام الدقة أو المخادعة، إذ يمكن الأخذ بالشائعات والأكاذيب باعتبارها حقائق، فيسبق المرسل الرسالة التي غالبا ما تكون كثيرة العقد والتناقضات وعصية على الفهم في لحظتها».

وتعتبر زيليزر أن وجود صحافيين داخل الوحدات المقاتلة، يرافقون هذه الوحدات في السراء والضراء كما الأزواج، لا يتيح لهم القيام بأي عمل استقصائي او نقدي. لذلك فإن الصور التي يبثها التلفزيون الأميركي تصلنا محجوبة غامضة خارج السياق تقدم إلينا على أنها الحقيقة... تبغي إثارة الانفعال أكثر مما تبغي الإبلاغ عن الحدث. يضاف إلى ذلك أن افتقاد الصحافيين في أوقات الأزمة إلى المعلومات والمراجع يجعلهم يستنبشون الذاكرة الجماعية ويلجأون إلى مراجع مرئية أو شفهية كان لها فعلها في مواقف وحالات أزمات اخرى. لكن المشكلة أن الأزمات تختلف. ومثال على ذلك طلب البنتاغون من شبكة «سي بي اس» التوقف عن بث صور أسرى الحرب الأميركيين، فإما نريد حربا بالصور وفي لحظتها وإما لا شيء. فإذا كنت والدة جندي أسير في العراق ولا اعرف عنه شيئا فمن المؤكد اني سأفتش عن اخباره على موقع «الجزيرة» على الانترنت، لأن رامسفيلد لا يريد ان ينشر صوره. أما صور الجثث فالمعروف ان كل الدول تمتنع عن اظهار صور جثث قتلاها ولكن ليس صور جثث قتلى المعسكر الخصم. وهي قاعدة عامة في كل الحضارات. ولا احد ينسى صور الجثث في حرب 1945 فقد كان هناك منذ تلك المرحلة تفويض اخلاقي وسياسي وتقني بإظهار هذه الصور... لكي نرى فلا ننسى.

مدير التحرير في التلفزيون الفرنسي الوطني فرانس 3 هرفيه بروسيني قال: الحرب تعني رؤية مشاهد مروعة. ومن واجبنا إعطاء كامل المعلومات التي لا تبقي على الصورة وحدها أمام المشاهد. فبالنسبة إلى صور الأسرى مثلا اعتمدت بعض القنوات التلفزيونية التشويش على وجوههم.

أما مدير التحرير في «ارت» الفرنسية جيرارد سان بول فيعتبر أن من واجبنا نقل حقيقة متحركة باستمرار. وحين يتعلق الأمر ببث صور من شأنها أن تصدم المشاهد، فإن اختيار عدم بثها يعني المجازفة بإعطاء صورة منقحة عن النزاع، وتغيير مفهوم الحقيقة. والأفضل عرض هذه الصور مع طرح أسئلة عن مسرح الحدث وعدم التوقف مطولا أمام كل صورة. مثل العرض بطريقة الإبطاء مثلا لصورة مواطن يتعرض لقذيفة... لا يمكن للصحافي أن يكتشف ما يحدث على الأرض في الوقت نفسه الذي يكتشفه المشاهد من غير أي قيود أو انضباط. وليس عملنا البحث عن كل الصور بل التخلي عن بعضها.


الأصابع الصهيونية في الحرب ضد العراق

بيروت - آمنة القرى

أوردت صحيفة «الديار» اللبنانية في تقرير لها من باريس معلومات دبلوماسية أوروبية تكشف النقاب عن ان الإدارة الأميركية سمحت لـ «إسرائيل»، بالانتقام بمختلف الوسائل المتاحة لها في حال تعرضها لهجمات صاروخية خارجية من دون تحديد جهتها مع تصاعد وتيرة الحرب في العراق. وقالت المعلومات: «إن الضوء الأخضر الأميركي الذي أعطاه بوش لشارون، له الكثير من المؤشرات لما يحضر له في المرحلة المقبلة». بعكس ما حدث في حرب العام 1991، عندما ضغطت واشنطن على «إسرائيل»، لعدم الانتقام من الهجمات الصاروخية العراقية حتى ولو تكبدت خسائر شديدة من جرائها، وكان هدف الولايات المتحدة في ذلك الحين عدم إغضاب الدول العربية والتحضير للإعلان عن ولادة نظام دولي جديد، كانت باكورته العودة إلى مؤتمر مدريد للسلام تحت شعار «الأرض مقابل السلام».

بعد هذا ليس مفاجئا أن يكون كاتب خطابات الرئيس الأميركي يهوديا ومن أبرز المؤيدين للدولة العبرية، فقد ألقى موقع أميركان كونزرفاتيف، الضوء على أحد أبرز معدي خطابات الرئيس جورج بوش، ويدعى ديفيد فروم، وهو صحافي يهودي من أصل كندي. ولفتت الصحيفة الأميركية إلى ان فروم، هو من أبرز دعاة الحرب ضد العراق، ومن أبرز المؤيدين لسياسات «إسرائيل»، كما انه متمسك جدا بجذوره اليهودية. ورأى الموقع ان هذا الدعم والاهتمام الذي يوليه فروم لـ «إسرائيل» يستدعي التساؤل عما إذا كان هذا هو السبب الحقيقي الذي دفعه إلى دخول البيت الأبيض

العدد 212 - السبت 05 أبريل 2003م الموافق 02 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً