العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ

ماذا يجري في العراق؟

إن اهم مبدأ في الحروب العسكرية، هو التركيز على الهدف النهائي. في حال العراق، تبدو العاصمة بغداد، مركز الثقل السياسي للنظام العراقي هي الهدف النهائي. لم يضع الاميركيون الوقت في الاهداف الثانوية، فهم تخطوها عملا بنصحية المفكر الصيني صان تسو (250 سنة ق.م)، واصبحوا تقريبا على مشارف العاصمة بغداد، وتحديدا في مطار صدام الدولي.

فقد الاميركيون عنصر المفاجأة الاستراتيجية في حربهم على العراق. فهم اعلنوا الحرب قبل سنة تقريبا، وبدأوا بنشر قواتهم العسكرية حول العراق عند الذين سمحوا لهم. وسُرِّبت الكثير من الخطط الحربية، غالبيتها طبق. على كل ليسوا بحاجة إلى عنصر المفاجأة الاستراتيجية لانهم الاقوى، وموازين القوى لصالحهم بشكل فاضح. اذا أين عنصر المفاجأة الاميركية؟

يعتقد الاميركيون انه وفي اية حرب تقليدية من هذا النوع، يلعب عنصرا المفاجأة العملانية والتكتيكية الدور الاهم. اي مفاجأة العدو في الالتحام، عبر ضربه، تجاوزه من كل الجهات، والمناورة عليه، بحيث يفقد قدرته وتوازنه على المناورة والقتال (ضعضعته).

ماذا عن الجهة العراقية؟

اذا فقد الاميركيون عنصر المفاجأة الاستراتيجية، فهذا يجب ان يعني كسبا للقوى العراقية. والمقصود هنا في امكان الاعداد المسبق لكل الاحتمالات والسيناريوهات. فالخطة العراقية، تفرضها ايضا عوامل عديدة تقوم على ما يلي:

1- الهدف السياسي الاساسي ألا وهو المحافظة على وحدة العراق، على ثرواته وبالتأكيد استمرار النظام.

2- ايضا وايضا طبيعة الأرض، ومحاور التقدم.

3- مسرح الحرب هو البيت العراقي Home Court.

4- هذا عدا التجارب مع الاميركيين لمدة 12 سنة تقريبا.

5- وبهدف تحقيق هذه الاهداف قامت الخطة العراقية على تأخير الاميركيين، وقتل اكبر عدد ممكن منهم. وهذا ما ركز عليه فعلا الرئيس صدام في كل خطبه.

بدأت المعركة، مني الاميركيون بخسائر لم يكونوا يتوقعونها. وبدا الامر وكأن خطة الرئيس صدام تسير حسبما رسمها. خلق هذا الامر تعقيدات سياسية في واشنطن. توقف الاميركيون عن التقدم، ولاح شبح فيتنام في الافق.

فجأة، هاهم الاميركيون في مطار صدام بعيدون عن قلب العاصمة حوالي 15 كلم.

ما المآخذ، على الاقل حتى الآن؟

1- لانهم يتقدمون على غرار سيلان الماء، كان لابد من اكثار العوائق. على كل هي موجودة طبيعيا. فالنهران موجودان والجسور عليهما متوافرة بكثرة، ومن الناحية العسكرية، تعتبر الجسور حيوية لجيش يقاتل ضمن عقيدة هجومية صرفة. من هنا كانت تتقدم معه الفرق الهندسية المتخصصة في بناء الجسور، لكن ويا للاسف، لم تضطر هذه الوحدات إلى بناء جسر واحد حتى الآن. في الناصرية عقدت جسور وطرق، في الديوانية، النجف، الهندية، النعمانية، الكوت والعزيزية كلها فيها جسور حيوية للعمليات العسكرية. لم ينسف جسر واحد.

قال البعض، ان الرئيس صدام يريد استدراج الاميركيين إلى بغداد. الجواب على هذا، نعم، لكن ليس بهذه السرعة، خصوصا وان العدو مصمم ولن يتوقف. على كلٍّ العدو موجود في بغداد.

2- من المعروف ان القوى الجوية الاميركية وكما قيل، كانت قد ضربت تقريبا 4 فرق من الحرس الجمهوري، اي ما يقارب الـ 40 ألف جندي في جنوبي العاصمة، وتابعت سيرها نحو بغداد. ويبقى السؤال، هل مُحيت هذه الفرق عن وجه الارض؟ طبعا كلا. لكن اين المؤشرات على الارض؟ اين القتلى؟ اين الجرحى؟ اين الاسرى؟ أين الآليات المدمرة من الفرق؟ ومن المفروض ان يظهرها الاميركيون؟ هل كان هناك فعلا هذا العدد من الفرق؟ هل تم تضخيم الامر؟ فعلا إنها اسئلة محيرة؟ اذا انسحبت هذه القوى إلى بغداد، او كانت اصلا فيها وتم تضخيم حجمها في الجنوب، فلماذا لم تقاتل طلائع القوات الاميركية على مشارف بغداد؟ ولماذا كانت الطرقات غير مهيأة لقتال الشوارع؟

هل يكفي الرد السياسي العراقي الرسمي على احتلال مطار صدام؟ طبعا كلا. فالخطاب الذي ألقاه الصحاف، والتهديدات التي وزعها، يجب ان تتجسد على الأرض. كما ان زيارة الرئيس صدام للشوارع في بغداد لا تكفي ايضا. فهو كان مبتسما، انيقا محاطا بجمهور قليل نسبيا. لم يزر الجبهات، او المطار على الاقل، ولم يزر المستشفيات. كان التركيز فقط على تقبيل يده في الوقت الذي ينحر فيه الشعب العراقي، وتستباح الحرمات. هل الرد الرسمي العراقي حتى الآن، يتناسب مع المخاطر المحدقة بمصير العراق، وبمصير العرب والمسلمين بشكل عام؟ طبعا كلا، وهنا المأساة.

عميد ركن متقاعد، وأستاذ محاضر

في جامعة سيدة اللويزة، لبنان

العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً