العدد 200 - الإثنين 24 مارس 2003م الموافق 20 محرم 1424هـ

بعيدا عن تكريس الأوهام

غسان الشهابي comments [at] alwasatnews.com

لفت أحد الأصدقاء نظري إلى سؤال جوهري، بالنسبة إلينا نحن «المتفرجين» على الحرب، وهو: ماذا تتمنى من هذه الحرب؟

إذ ان كل حرب ـ مهما بلغت درجات سوئها، وقبح سوأتها - لابد أن تحمل معها وجها آخر من الأمنيات التي ربما يمني البعض أنفسهم بها، ماداموا متسمرين أمام أجهزة التلفزيون، ومتنقلين بين «الجزيرة» و«العربية» و«أبوظبي»، ومن «بي بي سي» إلى «سي إن إن».

أخذت النتيجة التي توصل إليها الصديق لأطبقها على الكثير من الناس، في بحثٍ أبعد ما يكون عن العلمية، وأقرب ما يكون إلى العفوية، فكان السؤال ذاته موجها إلى عدد لا بأس به من الناس، وهو: كيف تتمنون لهذه الحرب أن تنتهي؟

الإجابات لن تكون صاعقة، أو غير متوقعة، فأكثر الإجابات - إن لم تكن جميعها مع اختلاف التفاصيل - تقول إن التمني له شقان: أن يقتل في هذه الحرب ما لا يقل عن مئة ألف جندي أميركي، وأن يسقط نظام صدام حسين.

أن يسقط نظام صدام حسين، هذا هو هدف الحرب المعلن، كما أن من أهدافها التي يبدو أنها لا تخفى على أحد، هو احتلال العراق بشكل غير مباشر، عبر تنصيب نظام جديد أكثر طواعية من النظام الذي لايزال قائما، على الولايات المتحدة أن تتعلم من دروس الماضي، بأنها تساعد أنظمة ضد أنظمة أخرى، وما تلبث الأنظمة الصديقة أن تشب عن الطوق، وتتحدى، وبالتالي تحتاج إلى «تأديب»، وهذا ما حدث في أكثر من بقعة من بقاع العالم، التي نصبت الإدارة الأميركية نفسها فيها حارسا وشرطيا عليها، وعلى الديمقراطية التي تتناسب ومصالحها، وليس شرطا مع مصالح تلك الشعوب والدول.

أن يتم تدمير العراق، على رغم كل الأمنيات والرجاءات التي تنطلق من كل أرجاء الأرض، هذا أمر واقع، وما الأطنان التي ألقيت في الساعات الماضية من الحرب إلا «بروفة» لاستعراض القوة التدميرية للعراق، وعلى طريقة عنترة، إذ يضرب الضعيف ضربة موجعة يخاف منها القوي، فالعراق، مع ما لديه من قوة بشرية ومعدات، لا يمكنه إلا أن يقاتل وحده - وبشرفٍ - القوات المعتدية المتفوقة عليه في كل شيء، وهذا معناه أيضا أن يموت بشرف في ساحة القتال، وهذه أمنية بالغة الألم. ولكنها أقل إيلاما من الاستسلام المذل، فعلى الأقل سيحمل الناجون من هذا الإعصار الأميركي الصنع، ما يروونه لأولادهم في ليل الاحتلال الجديد.

أن يتم تدمير البنية التحتية للعراق، لتجري هندستها فيما بعد، وتدخل جحافل الشركات المستفيدة، بفرض عقود إعادة الإعمار، بالشكل الذي تريده القوة المنتصرة، وبالشروط التي تفرضها بلا حول ولا قوة من قيادة البلاد المقبلة، فهذه واحدة من النتائج التي يتوقعها الكثيرون، وتنفتح لها أشداق أصحاب الشركات نهما. لكن أن يستطيع العراق وحده، بجيشه - الذي أعاد الحصار والتفتيش والمراقبة والتضييق - إلى أشبه ما يكون بجيش عصابات يلبس أفراده زيا موحدا، أن يقتل 100 ألف جندي أميركي، أو حتى ثلث هذا العدد، فهذا مالا يدخل في حسابات الحالمين منا، ومشعوذي النظام العراقي الذين لايزالون يعتقدون أن ما يقولونه يجب ان يصدق.

المشكلة الأكثر تعقيدا في هذا الأمر ان هناك منا من يدفعه الوهم، وتأخذه الحماسة كل مأخذ، فيعتقد أن هذا الأمر قابل أن يتحقق، وأن ينتقم بلد - فتحت عليه أبواب جهنم - للعرب والمسلمين والشعوب المستضعفة في الأرض، من غريمهم الذي لايزال يتساءل: لماذا يكرهنا العالم؟

هذا الوهم، إن لم يتم التعامل معه بواقعية في وسط الرأي العام العربي، فربما يخلف من اليأس ما لا يمكن علاجه، ويكرس ثقافة الهزيمة عميقا في الوجدان العربي

إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"

العدد 200 - الإثنين 24 مارس 2003م الموافق 20 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً