العدد 200 - الإثنين 24 مارس 2003م الموافق 20 محرم 1424هـ

ما بعد الحرب على العراق... صورة إعلامية أردنية

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

«ما بعد الحرب ليس ما قبلها...» عنوان رئيسي افتتح الصحف الاردنية الكبرى بمؤشرات تغطيتها للحرب الاميركية العدوانية على العراق... وفيما تتواصل الحرب الاميركية البريطانية على العراق وتدخل المعارك يومها الخامس مفتوحة على احتمالات كبيرة ومتعددة، وخصوصا لجهة عدد الضحايا والدمار الذي سيخلفه القصف الجوي والمدفعي والصاروخي للمدن العراقية بقوة نيران وحشد غير مسبوق للاسلحة في تاريخ الحروب وموازين القوى.

في اطار ذلك كله يبدو المشهدان الاقليمي والدولي في حال من العجز السياسي والدبلوماسي إذ لا يبدو في الافق انهما سيتخلصان منها في ظل غياب اي دور للدبلوماسية الدولية سواء عبر الامم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو أية منظومة اقليمية او دولية ما يحول دون اي تفاؤل أو أمل بقرب انتهاء هذه الظروف الكارثية التي ستخلف أوضاعا يصعب التكهن بمصاريفها وفداحتها على كل الاطراف المنتصر منها والمهزوم على حد سواء.

وإذ تغيب المحاولات الجادة لمنع تفاقم الامور الى ما هو اسوأ - تقول صحيفة «الرأي» الاردنية - فإن اغلاق نوافذ الحلول الدبلوماسية بعد اصرار واشنطن ولندن على المضي في الحرب حتى النهاية لاسقاط النظام العراقي، يقف العالم الآن امام سابقة خطيرة ستترك آثارها على مستقبل اكثر من منظمة اقليمية ودولية في مقدمتها منظمة الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي والجامعة العربية بنسب متفاوتة بعد ان تجاوزتها الحرب الراهنة، ووضعتها أمام سؤال كبير بل اسئلة كبيرة عن الدور المستقبلي الذي ستنهض به بعد ان تضع الحرب اوزارها وتفرز حقائق الامر الواقع الجديد بكل تفاصيله واستحقاقاته والمعادلات الجديدة التي سيفرضها بعد أن تكون المنطقة قد وجدت نفسها امام حال جديدة وتحالفات قد تنشأ على خلفية المواقف التي سبقت اندلاع الحرب، وكيف خرجت دول من معادلات تقليدية (مثل تركيا) وماذا ستكون العلاقة مع ايران التي وقفت على الحياد على رغم عضويتها في «محور الشر الثلاثي» الذي حصره الرئيس بوش في ايران وكوريا الشمالية إضافة الى العراق الواقع الآن في عين العاصفة...

ورأت الصحيفة ان الاتحاد الاوروبي كما الأمم المتحدة وجد نفسه مكبلا ومنقسما، وكانت القمة التي انتهت للتو في بروكسل احدى ابرز النتائج الاولية التي راحت تناقش دورها فيما بعد الحرب وهل ستدفع فاتورتها أم تكتفي بالجوانب الانسانية عندما ذهب معسكر الرافضين للحرب الى رفض دفع الفاتورة وقالوا ان من أشعل النيران هو الذي عليه إطفاؤها، فيما رأى المؤيدون ان على اوروبا ألا تتخلى عن التضامن مع اميركا لكنهم قبلوا لاحقا صيغة ان يكونوا شركاء لواشنطن، ما اعاد السؤال عن المدى الذي سيذهب اليه الطرفان في تحديد المسافة او الهوة التي تفصل بينهما بعد ان كشفت «الأزمة العراقية»... عمق الخلاف وطبيعة الادوار التي يطمح الاوروبيون الى لعبها بعد اثني عشر عاما من انهيار جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة وبروز الولايات المتحدة قطبا وحيدا لعالم بلا اقطاب آخذا في التململ والبروز في دعوة الى قيام نظام دولي جديد يقوم على تعددية الاقطاب...

والحال كذلك فإن الجامعة العربية تبدو وقد وصلت الى نفق مسدود وازداد تهميشها بل اوشكت على الانهيار بعد أن آل النظام العربي نفسه الى حال غير مسبوقة من العجز لم تستطع القمم المتعاقبة ان تؤسس لمنهج في علاقاتها يقوم على ثقافة الحوار والخلاف على قاعدة الانسجام والتوافق مع مواقف الغالبية وتقديم المصالح المشتركة للشعوب على مصالح الانظمة التي باتت تميز مواقف المتمترسين في خنادق الاحقاد وتصفية الحسابات والعناد وهدم «المعبد» على من فيه.

وفي السياق ذاته يرى المحلل السياسي محمدود الريماوي ان أميركا وبدلا من الاحتكام إلى الأمم المتحدة، فإن المسئولين الأميركيين يرشحون المنظمة الدولية للقيام بدور إنساني بعد شن الحرب، وبحيث يتحول مجلس الأمن إلى جمعية خيرية، ترعى مجددا برنامج النفط والغذاء، وتدعم موازنة المفوضية السامية لشئون اللاجئين. وبما يشبه السلوك الإسرائيلي الذي لا يسمح أصحابه للهيئات الإنسانية بالعمل إلا بعد إنجاز الدمار المطلوب!. أما المنظمة الدولية فهي مدعوة الى عدم التدخل في النزاعات التي تكون واشنطن وتل أبيب طرفا فيها.

مضيفا: لقد أسهب معلقون في الحديث عن الطابع الخاص والاستثنائي للحرب الجديدة، التي أعطتها واشنطن اسم (حرية العراق) غير أن ما يستوقف المرء أن إعادة الإعمار التي ستتبع عمليات التدمير، ستكون من حساب رصيد النفط العراقي، حتى لو لم يصدر قرار دولي بذلك، أي أن العراقيين سيتكفلون بنفقات الحرب. وإذا أضيفت إلى ذلك الديون التي تقع على كاهل العراق لدول مثل روسيا وفرنسا وغيرهما، فمعنى ذلك أن العراق مرشح للتحول إلى دولة فقيرة بفضل الحرب الجديدة والحربين السابقتين، وبما «يضمن» مستقبلا عدم استقلالية القرار العراقي أيا كان نظامه السياسي، في الوقت الذي يتم فيه إغداق المساعدات على تل أبيب لتمكينها من تمويل مخططاتها التوسعية في المنطقة.

ويطرح الكاتب والمحلل السياسي سلطان الحطاب سؤالا محرجا... ماذا ان سقطت بغداد؟

ويقول: لن تخرج اميركا من العراق بعد احتلاله... فهي لم تخرج بعد من أي احتلال... وبعد ما هو اقل حتى من الاحتلال حين كانت توجد قواتها في أية منطقة... فهي لم تخرج من الخليج منذ حرب الخليج الاولى... والثانية ومازالت قواعدها في البر العربي والبحر العربي... وهي لم تخرج من المانيا منذ الحرب العالمية الثانية ولا من ايطاليا ولم تخرج من كوريا الجنوبية ولا من غرينادا... ولا من تركيا ولا من دول كثيرة جاءت اليها عنوة بعد غزو او بعد اتفاقات او تسهيلات... سواء ظلت تلك الدول بحاجة اليها أم لم تعد... واذا كانت الولايات المتحدة لم تخرج من تلك الدول قبل اكثر من نصف قرن وتحت مسميات كثيرة مشتقة من السلام والأمن والصداقة وغير ذلك، فكيف ستخرج من بلد مثل العراق قامت باحتلاله عنوة وخالفت بهذا الاحتلال كل الشرائع واللوائح والقوانين الدولية وقد تخسر فيه جنودا ومعدات... بل قد تخسر فيه الحرب سياسيا نتيجة الكم الكبير والمتزايد من الاحتجاجات الدولية والشجب لمواقفها وسياساتها...

ورسم الحطاب صورة مخيفة قائلا : انها بالتأكيد لن تخرج من العراق بل ستعزز وجودها في الدول المجاورة له وستزيد من اساطيلها وقواعدها التي كانت قائمة وسيحتاج العراقيون الى زمن قد يقصر وقد يطول ليدركوا ان ما يواجهونه هو احتلال وليس انقاذا وتحريرا وتخليصا من عبودية الدكتاتور او انهاء للمعاناة كما يقال لهم.

هذه الحرب غير الشرعية ستجر كوارث على المنطقة وستؤسس لفوضى متسعة تنتشر في العالم، واذا كانت افغانستان قد انتجت القاعدة فماذا ستنتج العراق وكيف يمكن قراءة حال المنطقة بعد ان عطلت الادارة الاميركية في حربها القانون الدولي وادارت ظهرها للشريعة الدولية وتوافقها واخذت اهدافها بيدها وبقوتها وغطرستها ومضت؟! الا يفتح ذلك الباب لدول كثيرة ظلت تراود نفسها لمثل ذلك على الغزو والاعتداء واخذ المشكلات بالقوة... ومن الذي سيقف الآن في وجه «اسرائيل» اذ تقلد الولايات المتحدة، وقد قلدتها من قبل في الادعاء بأنها تحارب الارهاب بعد حوادث 11/9/2001، ومن يمنع «اسرائيل» الآن من ركوب دباباتها وطائراتها لغزو دول الجوار وفرض وقائع جديدة على الأرض؟ ومن يمنعها لو ارتكبت مجازر واسعة ضد الشعب الفلسطيني وهجرته من ارضه؟ هل ستمنعها الامم المتحدة التي وجهت الادارة الاميركية اليها ضربة في الصميم أم تمنعها الادارة الاميركية التي لا ترى في تقليدها ما يعيب والتي لم تعد تؤمن بالأمم المتحدة بعد ان تجاوزتها؟.

ولربما تتحقق هذه الصورة بكل تفاصيلها في ظل غياب الشرعية الدولية

العدد 200 - الإثنين 24 مارس 2003م الموافق 20 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً