العدد 202 - الأربعاء 26 مارس 2003م الموافق 22 محرم 1424هـ

قصف متواصل على بغداد... وساعات ظلام عصيبة على العراقيين

في كل مرة اشرئب برأسي من النافذة ارى وهجا أحمر خطيرا ناحية الجنوب الغربي، يستمر أحيانا ثانية، وأحيانا أخرى مدة خمس ثوان، وهو وهج يكبر في حجمه ربما لمساحة ميل مربع وفجأة يتلاشى، ويتحول شبه ظله إلى ظلام داكن. وكما أخبرتنا اذاعة الـ «بي بي سي» أصبحت طلائع المارينز الآن على مسافة قريبة من بغداد، وربما أصدقها في ذلك.

كانت ساعات الظلام الطويلة عصيبة على العراقيين. يلعبون احيانا بالورق وينامون عندما يتيح لهم الهدوء ذلك بين الغارات الجوية. وفي الليل أقرأ سيرة حياة السير توماس مور وهي ملائمة ومنسجمة مع هذه الدراما الواقعية المخيفة في بغداد، فغرفتي تبعد مئات قليلة من الامتار من تمثال ضخم لصدام حسين، رافعا يده اليمنى محييا شعبه، أما اليد اليسرى فقد ضمها إلى جانبه وكأنه في استعراض عسكري. وادرك معنى تلك الوقفة توماس مور في كتاباته. اذ يقول: «الطاغية هو رجل لا يسمح لشعبه بالحرية وهو مغرور، مهووس بالتوق الشديد للقوة والسلطة، ويسيطر عليه الطمع والتعطش للشهرة».

يوم أمس الاول صباحا كان هناك عراقيون عاديون على بعد 30 كليومترا من بغداد - من دون وجود رجال الأمن الذين يقتفون آثارنا - يتحدثون عن جورج بوش بلغة المسئولين العراقيين المتحدية نفسها.

وقفت في مكان ربما يصبح قريبا من خط الدفاع الأول عن بغداد - تقريبا خمسة عشر كيلومترا من موقع قذائف بي - 52، و45 كيلومترا من أقرب نقطة لوجود المارينز - وخلفي سحب من دخان أسود يتصاعد في السماء نتيجة حرق حفر مليئة بالنفط. ثم جاءت عاصفة ترابية ضخمة وسريعة لتضرب وجوهنا محولة السماء إلى اللون الداكن، والنهار إلى ليل، وفي هذه الاثناء ارتجت الأرض تحت أرجلنا إذ عادت بي - 52 لمباشرة مهمتها. في وقت آخر أراد مسئول اقتصادي كبير ان يشرح لنا في مكتبه كيف ان النصر الذي يتحدث عنه الاميركيون ضعيف الاحتمال. قائلا: «سمّي العراق عبر التاريخ بلاد ما بين النهرين: يعني تلك الارض الواقعة بين دجلة والفرات، ولذلك ما لم يكن المرء موجودا بين النهرين فهو ليس موجودا في العراق». وعلى الجنرال تومي فرانكس ان يعرف ذلك جيدا.

وا حسرتاه لهذا المسئول، لقد أخبرنا ان المارينز الآن موجودون بين النهرين عبر الفرات اثناء إمطارهم الناصرية بالنيران ما ادى إلى نزوح مئات النساء والاطفال تاركين منازلهم. ولكن حتى مساء أمس (الأول) نحو 50 دبابة عبرت إلى الشاطئ الشرقي أي «بلاد ما بين النهرين»، ولكن ذلك لم يفسد على المسئول العراقي حماسه.

واضاف الرجل «هل تتخيلون الأثر على العرب اذا خرج العراق من هذه الحرب منتصرا وسليما؟ لقد استغرق الأمر خمسة ايام لينهزم كل العرب على يد اسرائيل في العام 1967. والآن نحن العراقيين نقاتل القوة العظمى لمدة خمسة أيام ومازلنا نحتفظ بجميع مدننا ولم نستسلم. وتخيلوا ماذا سيحدث اذا استسلم العراق. ما هي فرص القيادة السورية في رفض المطالب الاسرائيلية؟ ما هي فرص حصول الفلسطينيين على محادثات عادلة مع الاسرائيليين؟ فالاميركيون لا يهمهم ان يجد الفلسطينيون حلا عادلا لقضيتهم. اذا لماذا يريدون أن يمنحوا العراقيين معاملة حسنة؟». هذا الحديث ليس لعضو في حزب البعث، بل من رجل يحمل شهادات من جامعات بريطانية. واحد اصدقائه ايضا لديه رأي مفحم ادلى به قائلا: «يعرف جنودنا أنهم لن يحصلوا على معاملة عادلة من الاميركيين». واضاف:« يجب عليهم ان يعرفوا هذا جيدا. ربما لا نحب نظامنا العراقي ولكننا نقاتل من أجل وطننا. الروس لم يكونوا يحبون ستالين ولكنهم قاتلوا تحت امرته ضد الغزاة الألمان. ونحن قاتلنا عبر التاريخ القوى الاستعمارية...». واضاف المسئول الاقتصادي متحدثا عن كيف ان العرب يعزون كرامتهم... مشيرا إلى ان صدام وفر الأمن الاجتماعي وانه قاسٍ تجاه المنشقين السياسيين والمجرمين وأي شخص يكون عدوانيا علينا ويشمل ذلك الاميركيين.

وحمل نائب الرئيس، طه ياسين رمضان بشدة على الدول العربية وذكر بعضها بأنها تدعم الغزو مطالبا إياها بأن تستخدم سلاح النفط ضد بريطانيا واميركا، وتطرق إلى طرد الدبلوماسيين العراقيين من الاردن.

اما وزير التجارة العراقي صالح مهدي فاتهم الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بالانحناء إلى اوامر اميركا وذلك بمنعه السفن التي تحمل امدادات بناء على برنامج النفط مقابل الغذاء من الرسو في ارض العراق مشيرا إلى أن العراق لا يحتاج إلى اغاثة وانه سيصمد لمدة ستة شهور من الحرب معتمدا على الغذاء الموجود بحوزته.

ولكن هناك قصص أخرى حزينة عن مقتل 100 عراقي بالقرب من الناصرية كما اورد ذلك مراسل فرنسي. ولكنه لم يؤكد ما اذا كانوا مدنيين أم عسكريين. هكذا الحرب في الشرق الاوسط لابد ان تكون فيها مأساة.

ثم عاودت الطائرة بي - 52 قصفها وتغير ضغط الهواء مرة أخرى. ولكنني سأستمر في قراءة سيرة توماس مور. واذا استمرت الحرب هكذا واقتربتُ من نهاية الراوية إذ قطع رأس مور فإنه من المحتمل ان يقطع رأس تومي فرانكس ايضا.

خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 202 - الأربعاء 26 مارس 2003م الموافق 22 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً