العدد 204 - الجمعة 28 مارس 2003م الموافق 24 محرم 1424هـ

هل تحولت إحدى ملكات هرمز إلى المسيحية الكاثوليكية؟

حكايات من زمن البرتغاليين

ربما السؤال المطروح في العنوان يقودنا الى تساؤل اعم وأشمل عن الوجود البرتغالي في الخليج العربي، والذي استمر ما يقارب من 130 عاما في توجهاته الدينية لنشر المسيحية على المذهب الكاثوليكي او الترويج له على الأقل بين سكان الخليج في أول عملية تيسير اوروبية منظمة في المنطقة الاسلامية العربية.

لابد ان ندرك بداية أن من أهم أهداف التوسع البرتغالي العسكري البحري في العالم - وخصوصا ضد المسلمين - كان نشر المسيحية وادخال «الكفرة»، كما وصف البابا نيقولا الخامس العرب المسلمين آنذاك على لسان قساوسة لشبونة والفاتيكان، في الدين المسيحي. وهذا ما أورده فاسكود دي جاما أمام حاكم كاليكت الهندوسي في أول ظهور للأوروبيين في المياه الهندية في ابريل/نيسان 1498 حين سألوه: لماذا جئت الى هنا؟ فقال: «من أجل المسيحية والبهارات» اي ان الهدف الديني هو الذي حمل الهدف الاقتصادي الآخر على ظهره وابحر به ناحية الشرق المليء بالثروات والمسلمين «الكفرة»؟!!

إلا ان الدراسات التاريخية للأسف لم تتعرض لا من قريب ولا من بعيد حتى الآن لعملية التبشير البرتغالية بالدين المسيحي على المذهب الكاثوليكي في الخليج العربي انطلاقا من قلاعهم التي زادت على 15 قلعة وانتشرت من أقصى ساحل عمان في بحر العرب حتى جزيرة «قشم» قرب الساحل الفارسي وكانت اهم تلك القلاع هي «هرمز» والتي اطلق عليها قلعة «النصر» منذ العام 1507م.

لست أدعي في هذه الملاحظة السريعة انها ستكون الدراسة الاولى في هذا المجال، إنما هي خطوة لكشف مخططات القوى الأوروبية المسيحية منذ تلك الأزمان لسبر غور العالم الاسلامي وبذل الاموال والجهود من أجل تحويل المسلمين كافة - كما كان يحلم الملك عمانويل الاول في البرتغال - الى المسيحية في غضون سنوات من بدء الكشوف الجغرافية... ومازال هذا المخطط مستمرا حتى اليوم بعناوين شتى وبتعدد الجهات التنفيذية وتطور وسائلها من المحيط الى الخليج العربي وهو قلب العالم الاسلامي.

فمنذ دخل القائد البرتغالي الشهير «الفوسنو دي البوكيرك» الى الخليج في سبتمبر/ايلول العام 1507، ووضع حجر الاساس لبناء قلعة هرمز البرتغالية على ارض جزيرة (جيرون) عند مدخل مضيق هرمز بدأ التبشير بالمسيحية منذ تلك اللحظة اعتمادا على بناء كنيسة في القلعة تبعتها بعد ذلك عدة كنائس في محيط من البرتغاليين لم يتعد الـ 500 سنة جلهم من العسكريين غير المقيمين بشكل دائم. إذا لمن كانت تقرع الاجراس في تلك الكنائس؟ لتوضيح الامر أكثر. نضيف نقطة جديرة بالاهتمام، وهي ان البرتغاليين قاموا بهدم احد مساجد جزيرة «هرمز» في بداية بناء القلعة بحجة تمهيد إحدى الطرق البرية للوصول الى ميناء هرمز الذي ترسو فيه سفن الغلايين والكارفيلا البرتغالية العسكرية، ولم يحرك ملك هرمز لسانه اعتراضا على ذلك لأنه كان مقيدا وقد ألجم مسبقا باتفاق عسكري اقتصادي منعه من العمل او المقاومة لأي سبب. ومن هنا سار التبشير بين سكان هرمز رويدا رويدا في طريقه المرسوم له. ولكن لأن التبشير بين المسلمين لم يلاق النجاح بنسبة مذهلة كما لاقاه بين فئات الهندوس في الهند او الوثنيين في افريقيا والشرق الاقصى وكذلك البوذيين، فإن النتائج التي انتظرها القساوسة البرتغاليون حتى بعد ارسال الأب (روي جوميز) سفيرا للبوكيرك الى الشاه اسماعيل الصفوي في إيران، لم تجد نفعا بل بالعكس فإن الايرانيين طالما اشتكوا للبرتغاليين من ان إرسال رجال دين مسيحيين للتفاوض مع سكان الخليج المسلمين لن يزيد الامور إلا تعقيدا لأن رجال الدين كالسمكة اذا خرجت من الماء (أي الكنيسة) وتدخلت في الامور السياسية!!

لكن الرحالة الهولندي «فان لويتشين» الذي زار الخليج العربي أواخر القرن السادس عشر كتب عن احدى ملكات هرمز، ولم يذكر اسمها للأسف، انها هربت من القصر الملكي حوالي العام 1585م عن طريق احدى سفن البرتغاليين التجارية المتجهة من هرمز الى جوا، وربما قام المسئولون البرتغاليون أو أحد القساوسة في كنيسة هرمز بتهريبها. لتصل الى جوا وتلجأ هناك الى الحاكم البرتغالي العام للهند «دوراتي دي فنزيس» لتعلن أمامه انها تريد التحول من الاسلام السني الى المسيحية الكاثوليكية. وطبعا رحب الحاكم البرتغالي - وهو نائب الملك ايضا في الهند - بهذا الاعلان الاسلامي الأول من قبل نساء من الخليج العربي لهن مكانة الملوك. وصار هو الأب المعمّد لها بحضور أحد قساوسة كنيسة جوا الكبرى. فرح البرتغاليون بهذا النصر التبشيري وقام أحد الضباط البرتغاليين في جوا بالتقدم للزواج من المسيحية الجديدة لينال الشرف بالزواج من احدى ملكات هرمز التي كانت مسلمة. وتم الزواج وقام الاثنان بترتيب أمر شهر العسل في احدى قرى الهند المحيطة بعاصمة البرتغاليين «جوا» المعروفة بأنهارها الخلابة وطبيعتها الساحرة. الا ان القدر - وتلك حكاية تفصيلها يحتاج الى وقفة اخرى - لم يمهل العروس المسيحية الجديدة لتكمل تحولها التام الى المسيحية ولا حتى ان تنجب ابنا مسيحيا كان سيعتبر الأول الذي ينجب من زواج كاثوليكي بمسلمة في الخليج العربي ويوطد العلاقة بين حكام هرمز والبرتغاليين بصلة المصاهرة والنسب. فماذا أحدث إذا؟ ولماذا تعطل ذلك الزواج؟ وما موقف ملك هرمز من هروب احدى بناته او احدى افراد عائلته الى الهند؟ ولماذا فعلت تلك الملكة ذلك العمل وماذا كان هدفها من هذا التحول الديني؟

كل هذه الأسئلة التي تنتظر الاجابة، ربما سنقف عندها في الحكاية المقبلة عندما نعاود فتح نافذة التاريخ الذي لم يقرأ جيدا في خليجنا العربي زمن الحكم والسيطرة البرتغالية

العدد 204 - الجمعة 28 مارس 2003م الموافق 24 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً