خرج موكب العزاء الكبير (العاشر من المحرم 1349هـ) الموافق ليوم الأحد 8 يونيو/حزيران 1930م، وأطلق مستشار حكومة البحرين لنفسه العنان بالتجول في أنحاء المنامة لمشاهدة مواكب العزاء مع زوجته (الليدي بلغريف) والدكتورة تيفاني من مستشفى الإرسالية الأميركية (مستشفى الأميركاني).
اعتاد بلغريف منذ وصوله البحرين في 1926م على حضور بعض المآتم، حتى أصبحت لديه القدرة على التمييز بين مستوى الخطباء ومستوى مواكب العزاء ومستجدات المآتم كل عام، ففي موسم عاشوراء 1349هـ /1930م يدون بلغريف أن الخلاف الذي ظهر ذلك العام (الموسم) كان بشأن استعمال الآلات الموسيقية في مسيرات المآتم أو عدم استعمالها، فالنظرة إلى الموسيقى في ذلك الوقت كانت مسألة خلافية حادة إلى درجة أن البعض هدد بتحطيم أدوات الموسيقى إن استخدمت في تلك المواكب.
كما وصل بلغريف إلى الحد الذي يمكنه من التمييز بين مستوى الخطباء (القراء)، فقد وصف خطباء المآتم في العام 1349هـ / 1930م بأنهم ليسوا على مستوى العام الماضي (1348هـ /1929م) والسبب في رأي المستشار بلغريف (الموارد المالية)، غير أنه لم يفسر سبب شحّ الموارد المالية في موسم عاشوراء 1349هـ / 1930م.
كانت المآتم تعتمد بدرجة كبيرة على مساعدات التجار والميسورين وعلى تبرعات عامة الناس وكان الوضع يعتمد بالدرجة الأولى على تجارة اللؤلؤ بين البحرين والأسواق الخارجية، فإذا انتعشت سوق اللؤلؤ وتم تصدير كميات كبيرة من لؤلؤ البحرين إلى الأسواق الهندية والأوروبية وبأسعار جيدة انعكست آثار كل ذلك على الطواويش (تجار اللؤلؤ) والنواخذة وكل العاملين في قطاع صيد اللؤلؤ، ثم انعكس ذلك على الأسواق المحلية والتجارات الأخرى، وانعكس كل ذلك على تبرعات أهل الخير من تجار ومزارعين وعاملين إلى المآتم، وإذا توافرت الموارد المالية الجيدة انعكس ذلك على قدرة المأتم على جلب الخطيب (القاري) الجيد والعكس صحيح، فشحّ الموارد في المآتم يؤدي إلى عدم قدرتهم على استقطاب الخطباء المشهورين.
شهادة بلغريف بشأن انخفاض مستوى الخطباء في 1930م عن سابقتها بسبب الموارد المالية، يمكن تفسيرها بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية في 1929م وانهيار الأسواق العالمية في أميركا وأوروبا والهند، ما انعكس ذلك على انهيار التجارة ومنها تجارة اللؤلؤ بين البحرين وتلك الأسواق وخصوصا سوق الهند، ما أدى إلى انخفاض حاد في موارد تجار البحرين والحكومة والعمال والمزارعين ومن ثم موازنات المآتم ومن ثم انخفاض مستوى الخطباء حسب قول بلغريف، وعليه فإن انهيار بورصة (وول ستريت) في نيويورك في 1929م شعر بها بلغريف من مستوى الخطباء
العدد 204 - الجمعة 28 مارس 2003م الموافق 24 محرم 1424هـ