العدد 204 - الجمعة 28 مارس 2003م الموافق 24 محرم 1424هـ

العراق يطمح إلى «فيتنام جديدة»

تناولت الصحف العربية، بمختلف اتجاهاتها ملف الحرب الأميركية البريطانية على العراق بصفتها عدوانا سافرا على الشعب العراقي... ولم يخرج عن هذا التوجه سوى الصحف الكويتية، التي واكبت الحدث على انه مقدمة لتحرير الشعب العراقي، علما ان بعضها أظهر تبرما من الإعلام العربي الذي لاحظت الرأي العام (الكويتية) انه توحد على عكس ما تعودناه من العرب في التفرق، فلسبب ما اتفق الجميع على التحريض ضد جيوش تحرير العراق، وأجمع الكل على الانحياز بصورة أو أخرى لنظام معروف بالتاريخ الدموي.

ولفتت الوطن (الكويتية) إلى ما أسمته «جبهة سورية عراقية ضد الكويت» وفي مقال آخر، وصفت الصحيفة الكويتية قناة «الجزيرة» القطرية بأنها «عراقية»، وقالت «الجزيرة وأشباه الجزيرة وحتى أنت يا... العربية؟!». وإذ لاحظت في مقال ثالث ان «شيعة لبنان يسامحون صدام!» تساءلت: هل ما نراه اليوم ونسمعه «إنقلاب شيعي»..أم ماذا؟ حزب الله اللبناني، حركة أمل، السيد باقر الحكيم، إيران، التشيع السياسي في البحرين وربما الكويت. الكل يعتبر حرب تحرير العراق «عدوانا» على العراق! واعتبرت انه انقلاب في التشيّع السياسي حقا! وفي مقال رابع حملت الصحيفة الكويتية على الإعلام العربي بشكل عام وفضائياته، معتبرة انه مضحك جدا أن يساوي الاعلاميون العرب بين تصريحات مسئولي بريطانيا وأميركا مع تصريحات من أسمتهم «جرذان البعث التكريتي».

لكن مدير مركز الدراسات في جامعة الكويت شفيق الغبرا في «الرأي العام» لم يتابع على ما يبدو التطورات الميدانية في العراق، فقد رأى ان هذه الحرب ستعيد رسم الكثير من الخرائط السياسية الاقليمية والدولية، فهي قد قدمت شهادة وفاة جزئية لمجلس الأمن، وشهادة وفاة أخرى للجامعة العربية ولمؤتمر القمة الاسلامي، معتبرا ان تداعياتها ستبقى معنا لفترة طويلة، وستتحكم بالعقود الأولى من القرن الحادي والعشرين، فوجود شرطي كبير للعالم بشخص الولايات المتحدة هو شيء جديد ستتأقلم معه الكثير من الدول، كما أن هذه الحرب تؤكد ان الولايات المتحدة قد نقلت معركتها مع «الارهاب» الى منطقة الشرق الأوسط، كما انها نجحت في استعادة الكثير من الهيبة التي فقدتها من جراء هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وتؤكد أنواع المعارضة المختلفة لهذه الحرب: أكانت قادمة من الشارع العربي أم من الشارع الدولي، أم من دول كفرنسا وألمانيا، انه أمام تصميم الدولة الكبرى في شأن من الشئون، فهذه المعارضة محدودة التأثير.

ولفتت الوطن (السعودية) إلى ان وزير الخارجية العراقي ناجي صبري وصل فجر السبت إلى دمشق متخفيا بلباس عربي، وعبر الحدود البرية العراقية السورية بهذه الملابس بعد أن قطع المسافة برا لكي يتجنب خطر تعرض القوات الأميركية أو البريطانية له في أي مكان من الأراضي العراقية فيما لو علمت بعبوره الطريق البري. وإذ اعتبرت الوطن (السعودية) في «المانشيت» ان «تكتيكا عسكريا عراقيا يصيب الخطة الأميركية بانتكاسة» انتقدت ما يمكن وصفه بـ «جريمة خورمال». فآلة الحرب الأميركية خرجت عن حدود المقبول في شمال العراق عندما استهدفت من دون إنذار معسكرا للجماعة الإسلامية بصاروخ فقتلت عشرات منهم من دون أن يكونوا في حالة حرب معها. وللجماعة الإسلامية وأنصار الإسلام أسباب وأسباب كي يستهدفوا القوات الأميركية. واعتبرت ان هذا إزعاج لا تحتاجه واشنطن وهي تزعم انها أمام مشروع لبناء عراق جديد، ولعل ردة فعل جماعة أنصار الإسلام العنيفة بعد ضربهم خير دليل على ذلك.

ورأت الوطن (القطرية) ان التطورات المتلاحقة في الحرب، أظهرت خلال الساعات الأخيرة انها ستطول أكثر بكثير مما كان متوقعا. ورأت ان ما يجري يذكرنا بالحرب الفيتنامية التي بدأت بإرسال مئات المستشارين العسكريين إلى سايغون وانتهت بإرسال مئات الآلاف من الجنود، والتورط في مستنقع لن تنساه الذاكرة الأميركية. لكنها لفتت إلى ان الشعب الفيتنامي حظي وقتها بدعم المعسكر الشرقي الذي زوده بالمال والسلاح للمقاومة، لكن على العراقيين الآن أن يعتمدوا على أنفسهم فقط لمواصلة المقاومة. ورأت ان الأمل بحل لن يأتي إلا من خلال ضغوط الرأي العام العالمي على حكومتي واشنطن ولندن.

وفي تقرير للنهار من الكويت، نقلت عن مسئول سياسي كويتي انه وزملاءه كانوا يتوقعون «حربا من نوع آخر، سريعة وخاطفة تستغرق اياما فقط، لكن ما حصل في أم قصر يدل على ان الاميركيين والبريطانيين ليسوا في نزهة ولن يلقوا استقبالا بالرز والورود في كل مكان. فبخلاف العام 1991 يقاتل العراقيون الآن على أرضهم. وآنذاك كانوا يعترفون بينهم وبين انفسهم على الاقل، بأنهم معتدون على بلد آخر عربي وجار لهم. وقد أخطأ الاميركيون عندما أنزلوا العلم العراقي ورفعوا علم بلدهم في أم قصر على مرأى من كاميرات الصحافيين، فبدا الأمر استفزازا لمشاعر العراقيين الوطنية، في حين ان الاميركيين انفسهم أطلقوا على العملية العسكرية اسم الحرية للعراق».

ويسأل المسئول الكويتي: والآن؟ إذا كانت أم قصر، أقرب موقع إلى الحدود مع الكويت، استغرق الاستيلاء عليها كل هذا الوقت وحاميتها تقتصر على بضع مئات من الجنود، فكيف الحال مع بغداد، اذ المتوقع أن يدافع عن الرئيس العراقي صدام وقيادته ما لا يقل عن 40 إلى 50 ألفا من الجنود والضباط الشديدي الولاء؟ واعتبر «ما يحصل في العراق مصيبة نرجو ألا تطول».

ولاحظ عبدالباري عطوان في القدس العربي (الفلسطينية) مؤشرات لفيتنام عراقية، ورأى ان ما يثير الحنق ان وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد الذي كان يتصرف كالطاووس قبل بداية العدوان، اعتبر عرض العراقيين لصور الاسرى والقتلى الأميركيين مخالفا لمعاهدة جنيف بشأن معاملة الأسرى، فتساءل: ترى أليس قتل سبعين مدنيا في قلب البصرة بالقنابل العنقودية يتطابق مع بنود هذه المعاهدة؟ وهل قصف بغداد بالقنابل الاضخم يتناغم مع القانون الدولي؟ واعتبر ان الصمود العراقي أعاد الاعتبار للمواطن العربي، مثلما أعاد الثقة لقدراته.

وكتب عطوان: «العراقيون لم يستقبلوا القوات الأميركية الغازية رقصاَ على انغام الدفوف، وبباقات الورود والرياحين، مثلما كان يردد مستشارو البنتاغون من العراقيين المتأمركين. وهذا في حد ذاته مؤشر لمدى الورطة التي ورّط فيها هؤلاء الرئيس بوش وتابعه بلير بنصائحهم وخبراتهم العظيمة!

وكتب طلال سلمان في السفير (اللبنانية)، عن «صدمة» المقاومة و«ذهول» الاحتلال! في استعارة للتسمية الأميركية للعدوان الأميركي على العراق. ورأى انه قد يكون من المبكر الاحتفال بفشل الخطة الجهنمية لاستنبات «الحرية للعراق» بواسطة صواريخ كروز و«أم القنابل» وطائرات ب 52 العملاقة، ولكن من الواجب توجيه التهنئة إلى صنّاع الشعارات وخبراء العلاقات العامة والتسويق في واشنطن ولندن الذين أعطوا هذه الخطة تسمية «الصدمة والذهول». لكأنهم كانوا يقرأون ما سيكون! ومع القيادة الأميركية البريطانية لحرب الهيمنة، فقد أصيب بـ «الصدمة والذهول» أيضا معظم «أصدقائها» و«المتعاونين» من حكام الهزيمة العربية، الذين فتحوا أرض بلادهم وأجواءها وبحورها لجيوش الغزو، فضلا عن فتح خزائنهم وقلوبهم.

ويتابع طلال سلمان: بل ان بعضهم أعلن صراحة أنه كان قد تلقى «وعودا» رسمية ومن أعلى المستويات بحرب سريعة، تنتهي قبل أن يفيق الناس (في الأقطار العربية وفي العالم) من «ذهول» ما بعد «صدمة» سقوط العراق. واعتبر ان من يفرّط بالعراق لن يحمي فلسطين، ومن تهون عليه بغداد لن تكون عزيزة عليه القاهرة أو بيروت أو حتى الكويت والدوحة. وأمل سلمان أخيرا، أن تصيب «صدمة» صمود العراق الإدارة الأميركية «بذهول» طويل الأجل، تخرج معه الشعوب العربية على حكام الهزيمة لتصنع بإرادتها مستقبلها فوق أرضها.

ورأى غسان تويني في النهار (اللبنانية)، ان على الدول العربية وخصوصا إذا تسببت حرب العراق بتحرير بعض أنظمتها أن تستعيد وعيها فتتقرب من أوروبا طالبة السير معها لا في مبادرة معجلة لحل قضية الشرق الأوسط فحسب، بل في إعادة نظر في نظام الأمم المتحدة على نحو يحول دون أمرين هما على طرفي نقيض: خروج أميركا أو عودتها إلى منظمة دولية جرى تدجينها.

ورأى عبدالوهاب بدرخان في «الحياة»، ان المشهد كان مدهشا على ضفة دجلة، في بغداد، مع تلك الجموع التي وقفت تتفرج على مطاردة لطيارين أميركيين، كأن «الصدمة والترويع» لم يصلا بعد إلى المدينة على رغم القصف الشديد. مضيفا ان الليل للأميركيين والنهار للبغداديين، لكن جثث المدنيين في البصرة والجنود الأميركيين في الناصرية شكلت عنوان الأيام الأولى لحرب لا بد ان واشنطن تصورتها بشكل مختلف وتوقعت فيها سيطرة مطلقة. موضحا ان صور الجثث زادت الحرب القذرة قذارة، مؤكدا انها ستتحكم بشكل العمليات العسكرية وستلعب دورا سواء في شحذ المقاومة عراقيا أو في التوحش أميركيا. وبدا له ان الجانب العراقي، الذي يهجس بحصول هذه الحرب منذ عشرة أعوام، يطمح إلى «فيتنام جديدة»، وهذا تحديدا ما لا يريد الأميركيون سماعه أو تكراره

العدد 204 - الجمعة 28 مارس 2003م الموافق 24 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً