العدد 210 - الخميس 03 أبريل 2003م الموافق 30 محرم 1424هـ

العدوان يستهدف تفتيت المنطقة العربية ولا حل إلا بالمقاومة

وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس لـ «الوسط»:

عندما وقعت حوادث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 سارع السياسيون والمحللون والكتّاب إلى التنبؤ بحدوث متغيرات دولية كبرى، حتى ذهب الكثيرون منهم إلى حدود اعتبروا فيها ان العالم بأجمعه سيتحدث، بدءا من الساعات التي تلت تلك اللحظات الرهيبة، عن فتح سجل جديد للتاريخ تكون حوادث سبتمبر فيه نقطة مفصلة بين ما قبل هذه الحوادث وما بعدها.

وقد تسارعت الحوادث والتطورات حقيقة، وحدثت تغيرات اقتربت من قراءات البعض للمشهد السياسي الدولي، ولاسيما ان الولايات المتحدة حاولت قبل ذلك بفترة غير قصيرة من خلال سياستها المتغطرسة، افهام العالم بأنها هي الأقوى، وبأنها تمثل قطبه الأوحد، وبالتالي فمن حقها وحدها أن تقرر وعلى الآخرين الانصياع، غير انها كانت آنذاك تواجه بعض الصعوبات والمشكلات التي اعتقدت بأنها زالت وانتهت مع لحظة وقوع الاعتداءات الرهيبة ضدها في واشنطن ونيويورك.

وفي هذا الاطار تحدث نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع في الجمهورية العربية السورية، العماد أول مصطفى طلاس إلى «الوسط» قائلا: لقد اندفعت الولايات المتحدة الأميركية سريعا اندفاعة قوية في تنفيذ سياسات الهيمنة على العالم، وفي محاولاتها اخضاع دوله وشعوبه تحت زعم الشعارات البراقة - الكاذبة التي ترفعها، الأمر الذي جعلها تقع في أخطاء سياسة قاتلة، فبدلا من ان تستثمر التعاطف والتعاون الدولي معها راحت تصنف العالم إلى خير وشرير وفق معايير مزدوجة، وأخذت تشعل الحروب هنا وهناك، ولم تعد تشعر بالخجل أو الاحراج من اعلان دعمها وتبنيها المطلق لـ «إسرائيل» قاعدة الارهاب الدولي في العالم، وهذا ما قضى على صدقيتها وقلل من هيبتها وساهم في سرعة كشف اهداف سلوكها العدواني تجاه العالم عموما، وتجاه العرب والمسلمين خصوصا.

فما تقوم به الولايات المتحدة هو السعي إلى إدخال العالم في مرحلة جديدة تحاول رسم معالمها في الميدان العراقي بهدف تحقيق مشروعها الامبريالي وتوفير فرصة تاريخية لحليفتها الاستراتيجية «اسرائيل» لتحقيق مشروعها الصيهوني - التوراتي المزعوم في المنطقة، وهنا اعتقد ان من المشروعية بمكان طرح السؤال الآتي: اذا كان العرب ومعهم قوى اساسية تتمتع بدور مؤثر في العلاقات الدولية قد تثبتوا من حقيقة السلوك والأهداف الشريرة للولايات المتحدة، فهل من المقبول ترك العراق وحيدا في الميدان؟ وهل يجوز التعويل على مقاومته وقدرته على الصعود منفردا لتعطيل وافـشال المشروع الامبريالي الأميركي؟

وتابع العماد أول مصطفى طلاس قائلا: بالتأكيد لا يجوز ذلك بالمطلق، ولا شك في أن العرب مطالبون قبل غيرهم بمضاعفة التحرك على غير صعيد، إلى جانب الحركة السياسية والشعبية في العالم، حتى داخل الولايات المتحدة وبريطانيا، لتفعيلها واستثمارها، ويقينا انهم قادرون على إحداث تغيير كبير في مجريات الأمور لصالح الأمة العربية ولمصلحة السلام والإنسانية فيما لو امتلكوا ارادة الفعل والتغيير، وان ما بأيديهم من أسلحة فاعلة ومؤثرة ما يمكّنهم من قلب أية معادلة أو دفع اية مكيدة تدبر لهم.

صحيح انه ليس بمقدور أحد التكهن بسير الحوادث والوقائع، غير انه من المؤكد ان هذه الحوادث، وأيا كان مسارها، ستترك آثارا ونتائج شديدة على مستقبل المنطقة والعالم والولايات المتحدة، فإذا ما تمكنت الادارة الأميركية من تحقيق غاياتها الشريرة، فإن ذلك يعني من جملة ما يعينه ادخال العالم في مرحلة أبرز سماتها الانتكاسة والعودة إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، وان لم تتمكن فيكون ذلك ايذانا بولوج العالم ايضا مرحلة جديدة يودع فيها كابوس هيمنة القطب الواحد.

العالم اليوم أمام مفترق طرق حاسم، فإما ان تقطره الولايات المتحدة وتجره إلى كارثة حقيقية كبرى لا يرتضيها، وإما ان يوقف رأس القاطرة ومسلسل شرورها الذي لن ينتهي، وان العراق لن يكون سوى قاعدة الانطلاق، وما يجري على أرضه العزيزة الغالية من مجازر وحشية بشعة، وصعود بطولي رائع في مواجهة آلة الشر الأميركي سيكون له أبلغ الاثر في التهيئة لانكسار الولايات المتحدة وبروز قوى جديدة تعيد التوازن الدولي إلى سابق عهده، وتحقيق هذا التحول النوعي في النظام العالمي متوقف على اضطلاع العرب أولا، والمجتمع الدولي ثانيا، وفي مقدمته الدول الكبرى، بمسئولياتهم التاريخية تجاه هذه الحرب العدوانية.

وأضاف العماد أول مصطفى طلاس قائلا: الولايات المتحدة تستهدف العراق باعتباره قوة عربية تمتلك الامكانات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الكبيرة، وله ثروات طبيعية هائلة، تغري الولايات المتحدة بنهب هذه الثروات واقامة قاعدة عسكرية ضخمة في العراق باعتباره مركزا وسطيا في منطقة الشرق الأوسط، وتحيط به ست دول، ولذلك أدخلت العراق في الماضي في (الحلف المركزي) - بصفة دولة الوسط - بالنسبة إلى دول المنطقة، كما انها تود السيطرة على النفط العراقي، ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، فتسيطر على مقدرات الدول الأوروبية التي تستهلك 8 في المئة من حاجاتها النفطية من الشرق الأوسط، والولايات المتحدة تحاول فرض سيطرتها على العالم لتشكل صورته في عهد مشروع العولمة الذي أثارته قبل سنوات قليلة وتريد ان تعزز أمن «اسرائيل» وقوتها العسكرية ونفوذها السياسي في المنطقة لتكون مخلبا يسكت كل معارضة لسياستها الاستعمارية. لقد ضربت الإدارة الأميركية بالشرق الأوسط عرض الحائط واستهانت بالدول الأخرى الحليفة لها في حلف (الناتو) وبالدول الاخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن مثل فرنسا وروسيا والصين، واستهانت بإمكانات هذه الدول وبمصالحها في المنطقة العربية.

ان أكبر المشجعين لهذا المخطط العدواني الأميركي في المنطقة العربية هو «اسرائيل» و«اللوبي الصهيوني» في الولايات المتحدة، وكذلك أصحاب المصالح النفطية، كنائب الرئيس «ديك تشيني» وغيره من العاملين في الإدارة الأميركية، فضلا عن الرئيس «جورج بوش» ووالده، وأيضا المتطرفون من بعض قوى الشر البروتستانتية المتصهينة التي تدعم «اسرائيل» وأهدافها التوسعية، كما ان بريطانيا بقيادة «طوني بلير» شخصيا تشجّع مثل هذه الاتجاهات وتدعمها لأن بريطانيا فقدت استثماراتها النفطية في العراق منذ زمن بعيد.

ولا شك في أن هذه الحملة المسعورة لرئاسة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تجد معارضة دولية واسعة لأنها خرجت عن الشرعية الدولية وعن قواعد القانون الدولي، وقامت من دون مبرر بهجمة عدوانية على بلد آمن ومسالم وخال من أسلحة الدمار الشامل المزعومة، وذلك بشهادة الخبراء والمفتشين الدوليين.

واختتم العماد أول مصطفى طلاس تصريحاته لـ «الوسط» قائلا: إن حل المشكلات العربية التي تواجهها أمتنا لن يتم إلا من خلال المقاومة المسلحة كما في العراق وفلسطين، وأن إجراء تغييرات جوهرية في الواقع العربي الساكن والمستكين لا يتم إلا من خلال مقاومة الوجود الأجنبي والاستيطاني، وإزالة القواعد العسكرية الأجنبية من منطقة الشرق الأوسط، وإلا فإن هذه القوى ستتجنى باعتداءاتها المتكررة على الأرض والسيادة العربية ومن خلال الاحتلال الصهيوني لفلسطين، أقول، ستنهض هذه الأمة بالتأكيد، وستجري تغييرات جوهرية في هيكلية المجتمع العربي وقياداته، وستبني علاقات قومية ومتينة بعد أن أدرك الشعب العربي في جميع أقطاره وأمصاره مكامن الخطر ومصدره، ولذلك لابد أن تفتح الأبواب واسعة لحركة واسعة في الوطن العربي بأسره حتى نحافظ على استقلالنا وسيادتنا القومية وثرواتنا الطبيعية

العدد 210 - الخميس 03 أبريل 2003م الموافق 30 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً