أخذ الوضع في العراق يصل إلى مستوى الكارثة الإنسانية والاجتماعية ففي الوقت الذي تسيطر فيه قوات «البشمركة» على مدينتي الموصل وكركوك، أخذت أعمال السلب والنهب حيزها في نطاق واسع في كلتا المدينتين وسط هلع وذهول الناس من تفشي الفوضى واهتزاز حركة النظام. وفي المقابل استشهد طفلان عراقيان، كما جرح تسعة مدنيين آخرين بنيران قوات مشاة البحرية الأميركية «المارينز» عند نقطة تفتيش إذ رفضت السيارة التي تقلهم الوقوف فسارع الغزاة بإطلاق النيران كإجراء وقائي حسبما وصفته.

صرح المتحدث العسكري باسم القوات البريطانية في الدوحة الكابتن آل لوكوود بأن تلك القوات شرعت بالفعل في محاولات من أجل استعادة الأمن والنظام في مدينة البصرة بعد دخول القوات البريطانية إليها وبدء أعمال السلب وانعدام النظام. وقال لوكوود «ان القوات البريطانية تستعين في ذلك بمساعدات الزعماء المدنيين المحليين في المدينة، موضحا أن الجنود البريطانيين كثفوا من وجودهم الأمني داخل البصرة».

مقتل طفلين في الناصرية

أعلن جنود مشاة البحرية الأميركية إنهم قتلوا طفلين عند نقطة تفتيش في العراق حين تجاهل سائق العربة التي كانت تقلهما أمرا بالتوقف.

وقال المتحدث باسم الوحدة 15 الطليعية التابعة لمشاة البحرية الأميركية في مدينة الناصرية الكابتن جاي ديلاروسا ان تسعة آخرين في الحافلة الصغيرة جرحوا في الحادث.

وقال ديلاروسا تحرك جنود مشاة البحرية لحماية أنفسهم مما ظنوا انه هجوم «فدائي»، وان سائق الحافلة الصغيرة تجاهل تحذيرات عدة بالتوقف.

من جانب آخر، حذر أحمد الشلبي وهو الشخصية التي طرحتها وزارة الدفاع الأميركية كزعيم جدير بالثقة في عراق ما بعد الحرب من أنه «لا مكان للولايات المتحدة في سلطة عراقية مؤقتة».

وقال الشلبي لتلفزيون «بي بي سي» في المقابلة التي ضمت أيضا المسئول في وزارة الخارجية البريطانية مايك أوبراين «نأمل أن تعقد الانتخابات خلال عامين في العراق بعد أن يصيغ العراقيون دستورا وتوافق عليه جمعية تأسيسية ويطرح في استفتاء شعبي حر». وقال أوبراين أن الفترة الانتقالية تحت سيطرة التحالف ستستمر على الأرجح حوالي 90 يوما قبل تشكيل سلطة مؤقتة عراقية.

كما قال شلبي «نحن لا نرى مكانا لإدارة أميركية وبالتأكيد الولايات المتحدة أعربت عن أملها في مساعدة العراقيين على تشكيل سلطة عراقية مؤقتة»، كما قال أوبراين إن عملية تأسيس الهياكل الإدارية قد بدأت. ودافعت البنتاغون عن صدقية شلبي لكنها قالت إنها لا تعتزم ان تختاره ليكون زعيما للعراق.

استمرار السلب في بغداد

قال مراسلو رويترز ان رجالا مسلحين اخذوا يطوفون في شوارع بغداد التي أخذت تغرق أكثر وأكثر في بحر من الفوضى.

وقال المراسل انه شاهد رجلا مسلحا يطلق النار على سائق شاحنة صغيرة في وسط بغداد ويسحبه من خلف المقود ويركب بدلا منه الشاحنة ويقودها مبتعدا، وإن رجالا مسلحين يتدفقون على مستشفى للأطفال في حي المنصور إذ تجمع جثث المدنيين والمقاتلين ويبدو إنهم ينهبونه.

ولم تمنع القوات الأميركية عمليات السلب والنهب الجارية والتي بدأت مع دخول القوات الأميركية إلى قلب بغداد وانهيار حكم صدام حسين.

كما طوق مئات من المدنيين العراقيين مقر المخابرات العسكرية العراقية في بغداد بحثا عن أقارب لهم قالوا إنهم محتجزون هناك.

وكان أقارب المحتجزين وآخرين يطلبون العون من الجيش الأميركي لإنقاذ أناس قالوا إنهم محتجزون في سجون تحت الأرض. وقالت مصادر عسكرية أميركية ان مسلحين عراقيين اشتبكوا مع فدائيي صدام في منطقة فقيرة شمال شرقي العاصمة بغداد. وقد نقل 25 شخصا إلى احد مستشفيات بغداد لإصابتهم بالرصاص في مواجهات مع أشخاص يقومون بأعمال نهب.

وأعلن مسئول في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العاصمة العراقية ان الوضع في مستشفى الكندي في شرق بغداد الذي تفقدته اللجنة بعد تعليق زياراتها إلى المستشفيات لبضعة أيام، «كارثي وفوضوي».

كما قصفت طائرات التحالف منزل مستشار صدام حسين برزان التكريتي الذي يعتقد انه أرسل ملايين الدولارات خارج العراق لصالح صدام.

ونسب راديو «العالم الآن» الأميركي إلى القيادة المركزية القول انه تم إلقاء ست قنابل موجهة بالأقمار الصناعية على مبنى بالقرب من منطقة الرمادي التي تقع على بعد ستين ميلا جنوب بغداد، وان الهجوم يدخل ضمن جهود القضاء على نظام صدام ورموزه. من جهة أخرى، ذكرت قناة الجزيرة الفضائية أن جنديين أميركيين وعددا غير معروف من العراقيين لقوا مصرعهم عندما انفجرت ذخائر كانت القوات الأميركية تقوم بتدميرها في العاصمة العراقية. ونقل التلفزيون عن شهود عيان قولهم أن انفجارا هائلا وقع ما أدى إلى تدمير نحو 20 منزلا في بغداد ودبابة أميركية.

الموصل وكركوك

ذكرت شبكة «بي بي سي» الإخبارية البريطانية ان الأحزاب السياسية الكردية أمرت مقاتليها بالانسحاب من مدينة كركوك الكردية في شمال العراق.

وقالت الشبكة ان هذا الانسحاب هو قرار اختياري أقدمت عليه الأحزاب الكردية حتى تتجنب إثارة مشاعر الغضب لدى الدول المجاورة وخصوصا تركيا.

وكان مسئول كردي عراقي قد صرح بأن الحزبين الكرديين الرئيسيين «الاتحاد الوطني الكردستاني، والديمقراطي الكردستاني قد اتفقا على سحب قواتهما من مدينة كركوك».

وأعلن ممثل الجبهة التركمانية العراقية في أنقرة، مصطفى ضياء، أن «البشمركة» الأكراد قاموا بأعمال قتل واعتقال وتدمير الكثير من المنازل الخاصة بالتركمان وحرقوا الآثار العثمانية التي كان يزخر بها متحف كركوك.

وطالب مصطفى ضياء بطرد الأكراد فورا من مدينة كركوك التي توجد بها أعداد كبيرة من التركمان العراقيين وتشكيل لجنة تحقيق تركية أميركية بخصوص هذه الأعمال التي يقوم بها الأكراد، مشيرا إلى أن الأكراد الذين دخلوا كركوك قاموا بحرق جميع سجلات الشهر العقاري التي تثبت ممتلكات العرب والتركمان كما حرقوا سجلات المواليد والوفيات تمهيدا لتغيير التركيبة السكانية في المدينة التي دخلها آلاف المدنيين الأكراد، كما استولوا على جميع الأسلحة الثقيلة التي تركها الجيش العراقي المنسحب من المدينة، مشيرا إلى أنهم يتجولون في شوارع كركوك ومعهم قاذفات صواريخ وصواريخ مضادة للطائرات وذلك للمرة الأولى التي يملك فيها الأكراد مثل هذه الأسلحة الثقيلة.

ومن جانبه حاول ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني بهروز جلال نفي ما تذكره الجبهة التركمانية الحليف الأساسي لتركيا في شمال العراق.

وقال ان «البشمركة» دخلوا كركوك والموصل لأن أعداد العسكريين الأميركيين ليست كافية لتأمين السيطرة على كركوك والموصل، وإن «البشمركة» يعملون بتنسيق تام مع القوات الأميركية مؤكدا في الوقت نفسه صدور أوامر من جلال الطالباني ومسعود البرزاني بالانسحاب من كركوك، كما نفي ما ذكره ممثل الجبهة التركمانية أنه لم يتم قتل أو اعتقال أي تركمان في كركوك، وأن الهدف من ترديد هذه الأنباء هو تحريض تركيا على دخول جيشها شمال العراق وتوتر العلاقات بين تركيا والأكراد. وقال وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد ان قوات أميركية وكردية دخلت بأعداد محدودة إلى المدينة، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة وجهت رسالة تطمين إلى تركيا بشأن الدخول إلى الموصل. كما أعلن وزير الخارجية التركي عبد الله غول ان نظيره الأميركي كولن باول وعده بأن القوات الأميركية ستخرج «البشمركة» من كركوك.

وفي واشنطن قال المتحدث باسم البيت الأبيض آري فلايشر ان واشنطن وافقت على ان ترسل تركيا عددا محدودا من المراقبين العسكريين إلى المنطقة.

وأعلن محافظ كركوك ريزغار علي ان الوضع في هذه المدينة الواقعة شمال العراق بات خارجا عن سيطرة الزعماء الأكراد مشيرا إلى سقوط الكثير من القتلى والجرحى في أعمال نهب تجري في المدينة.

وقال ان أعمال النهب تواصلت، وان تصفية حسابات بين أشخاص أو بين مجموعات وقعت مشيرا إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.

وقال محافظ كركوك أمام مواطنين حضروا إلى مكتبه طالبين الحماية. وذكر دبلوماسي تركي بارز في أنقرة ان تركيا أرسلت 15 مراقبا عسكريا لمراقبة التطورات في شمال العراق بموجب اتفاق أبرم مع واشنطن. وهددت أنقرة بالتدخل عسكريا إذا ما وقعت كركوك والموصل في أيدي الأكراد. وقال حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تسيطر قواته على كركوك انه سينسحب من المدينة ويسلمها للقوات الأميركية التي أرسلت إلى المنطقة بسرعة. وبدأ قبل ظهر أمس في أنقرة اجتماع مهم برئاسة رئيس الوزراء التركي طيب أردغان لتقييم الموقف الراهن في شمال العراق والتدابير التي ستتخذها أنقرة في هذا الإطار.

استسلام الفيلق الخامس

أعلن الجيش الأميركي ان الفيلق العراقي الخامس استسلم بالكامل في مدينة الموصل بشمال العراق. وقال الكابتن فرانك ثورب من مقر القيادة المركزية بقطر قائد الفيلق العراقي الخامس نقل أمر «الاستسلام» إلى الجنود في الميدان. و«سنقرر ما إذا كنا سنأخذهم أسرى أم نتركهم يعودون إلى ديارهم». وصرح اللفتنانت مارك كيتشنز بأن القوات الأميركية واجهت مقاومة في مدينة تكريت مسقط رأس صدام حسين.

السيطرة على الحدود

أحكم جنود أميركيون سيطرتهم على موقع حدودي عراقي على الطريق الرئيسي المؤدي إلى الأردن بعد ان تخلى عنه العراقيون.

وأفاد مراسل رويترز من موقع طربيل الحدودي ان الموقع تحرسه الآن مركبة قتالية أميركية. من جهة أخرى، أعلن قائد القوات الأميركية في العراق تومي فرانكس ان القيادات العراقية إما قتلت في الحرب أو إنها فرت.

وكان فرانكس يتحدث للصحافيين خلال تفقده القوات الأميركية في قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان، وقال عن مصير صدام والقيادات العراقية الأخرى «إنهم إما قتلوا أو فروا»