العدد 218 - الجمعة 11 أبريل 2003م الموافق 08 صفر 1424هـ

يوميات الحرب... مآخذ على الأداء العراقي!

صُعق المحللون، وخصوصا العرب لسقوط العاصمة بغداد بهذه السهولة. فهي سقطت حتى دون معركة ام الحواسم. فهل هذا مسموح للقيادة العراقية، والتي كانت على علم بالنوايا الاميركية منذ اكثر من سنة تقريبا؟ أين ذهب الحرس الجمهوري، والذي قدر عدده بـ 6 آلاف مقاتل من خيرة العسكر الذي قاتل لمدة 20 سنة تقريبا. أين ذهبت تجهيزاته، من دبابات وغيرها؟ أين القتلى الشهداء؟ اين الاسرى؟ (مجمل الاسرى العراقيين لا يتجاوز الـ 8000 اسير) أين تبخر الحرس الجمهوري الخاص. لماذا لم ينفجر اي جسر على محور تقدم القوات الاميركية باتجاه الشمال؟ لماذا لم تفجر الجسور داخل العاصمة بغداد والمبنية على نهر دجلة، والتي توصل، او أوصلت الاميركيين إلى مراكز الثقل العراقية؟ امور محيرة.

وفي هذا الاطار، لم نر اي مراسل داخل بغداد، اجنبيا كان ام عربيا، ينقل لنا صورة التحضيرات العراقية العسكرية للدفاع عن بغداد. فهل مُنعوا من ذلك؟ ممكن قبل سقوط العاصمة، لكننا الآن، وبعد ان دخلت القوات الاميركية دون مقاومة تذكر، يمكننا القول انه لم يكن هناك اي تحضير لمعركة بغداد. إذا، لماذا كان الوزير الصحاف يهدد؟ وعلى ماذا كان يتكل؟ وهل كان دوره قسما صغيرا من ضمن خطة إخراج كبرى، كانت مرسومة اصلا؟ هل تكررت صورة ومضمون الاعلام العربي الذي رافق حرب الـ 1967؟ إذا كان الامر كذلك، مسرحية من عدة فصول، فلماذا لم يمتثل الرئيس صدام حسين لتهديد الرئيس بوش حين اعطاه مدة 48 ساعة لمغادرة العراق هو وعائلته؟ لماذا لم يوفر الرئيس صدام على شعبه هذه الحرب الشرسة، وهذا الدمار؟ لماذا لم يظهر على شاشة التلفزيون ليقول بوقف الحرب وتوفير الشهداء الابرياء، بدل ان يتجول بين الشعب، انيقا مبتسما، لا يصافح احدا خوفا على حياته؟ كيف يتجرأ الاميركيون، ليبادروا بمخاطرة الدخول إلى العاصمة بغداد، إلا إذا كانوا يعرفون مسبقا ماذا كان ينتطرهم؟

ما التفسيرات لكل هذا؟

منهم من يقول ان المعركة لم تنته بعد. رامسفيلد يعتقد ان الايام المقبلة ستكون صعبة. وان اميركا لا تحتل سوى 40 في المئة من الارض العراقية. فهل هو يضخم حجم العدو على غرار ما كان يفعل عنترة، ام انه يقول الحقيقة. إذا كان يقول الحقيقة فهذا معناه ان العسكر العراقي المفقود لا يزال موجودا في مكان ما. وهو فعلا لم يكن موجودا في الجنوب، وذلك لانه غير قادر على التحرك والمناورة اثناء الحرب بسبب السيطرة الجوية الاميركية. وكل ما شهدناه خلال المعارك كان تمويها، وخداعا للاميركيين، وإن المعركة الفاصلة او ام الحواسم ستكون في الشمال العراقي، تكريت او غيرها. هل لهذا الاحتمال معنى؟ ليس بالضرورة، فاختيار الشمال وتحديدا تكريت لخوض معركة ام الحواسم امر لا يدل على عبقرية عسكرية. فلماذا التخلي عن العاصمة، رمز السلطة السياسية، والانتقال إلى مدينة فرعية ليست مهمة، إلا لانها فقط مسقط رأس الرئيس صدام؟ لماذا التخلي عن اسبقية اكيدة على الاميركيين في بغداد حيث المساحة، والابنية والشعب يعملون لصالح الرئيس صدام، والذهاب إلى تكريت او غيرها، إذ يمكن للاميركيين حصارها بسهولة؟

منهم من يقول ان المعركة مستمرة في بغداد. وان الحرس الجمهوري العادي منه والخاص، مختبىء لساعة الحسم. وإن المخطط هو استدراج الاميركيين اكثر فاكثر إلى داخل العاصمة، وجعلهم يترجلون للقتال سيرا على الاقدام، ومن ثم الانقضاض عليهم. والهدف من هذا الامر، هو قتل اكبر عدد ممكن من الاميركيين. والهدف العراقي ايضا من هذه الخطة، هو خوض معركة فاصلة ضد قوة اميركية كبيرة نسبيا، وليس ضد بعض السرايا. وإن اي تورط ضد هذه القوى الخفيفة قبل اوانه سيفضح المخطط العراقي. لا تدل المؤشرات على الارض على ان العراقيين كانوا قد حضروا لهذا السيناريو.

الاحتمال ما قبل الاخير لهذا التقصير العراقي قد يكون في غياب القيادة والسيطرة على إدارة الحرب وسير الخطط. والغياب قد يفسر في مقتل الرئيس العراقي من اليوم الاول لاندلاع الحرب، او مقتله في الغارة الاخيرة عليه في المطعم. لكن الغارة الاخيرة لا تفسر هذا التقصير المريع، لانها اتت قبل سقوط بغداد بايام معدودة. والمرجح، وإذا ما كان قد قتل ان يكون نتيجة للغارة الاولى. وحتى مقتله في الغارة الاولى، لا يفسر غياب اي مؤشر على ارض الواقع داخل العاصمة بغداد، يدل على ان العاصمة كانت أعدت لقتال الشوارع. إلا إذا كان الرئيس صدام قد اعتبر ان الاميركيين غير جادين، وانهم سوف لن يصلوا إلى العاصمة بسبب المقاومة الشعبية، أو بسبب سلاح غير تقليدي لم يستعمله. وفي الاحتمالات كافة هناك تقصير تاريخي.

يبقى الاحتمال الاخير، وهو ان يكون قد عقد صفقة مع الاميركيين عبر الروس. كأن يوقف القتال ويذهب هو وحاشيته إلى المنفى في بلد قد نعرفه في وقت لاحق. وهنا ايضا تبرز معضلة جديدة، او كارثة. فالصفقة وإذا ما اتت، فهي قد تاتي في المراحل الاخيرة، اي قبل سقوط بغداد. وهذا قد يعيدنا إلى التساؤل عن سبب عدم جهوزية العاصمة بغداد لقتال الشوارع مسبقا. والصفقة قد تكون لانقاذ نفسه وترك العراقيين لمصيرهم. وهنا نقول كان من الافضل له، ولتاريخه ان يبقى في عاصمة العباسيين، للاستشهاد على اسوارها عله يكون رمزا للاجيال القادمة، والتي ستتكفل بطرد المغول.

أستاذ محاضر في جامعة سيدة اللويزة بلبنان، عميد ركن متقاعد

العدد 218 - الجمعة 11 أبريل 2003م الموافق 08 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً