العدد 231 - الخميس 24 أبريل 2003م الموافق 21 صفر 1424هـ

عرفات - عباس: وحدة منقسمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

نجحت الوساطة المصرية في تقريب وجهات النظر الفلسطينية والجمع بين رئيس السلطة ياسر عرفات ورئيس الوزراء المعين محمود عباس (أبومازن)، والاتفاق على تشكيل حكومة تتألف من 24 وزيرا.

الجمع في ظاهره خطوة متقدمة لمنع الانقسام، إلا أنه في جوهره ليس توحيدا. فالانقسام في البيت الفلسطيني وقع. وهناك الآن أكثر من قوة سياسية تجذب القرار الرسمي. فعرفات لم يعد لوحده، كذلك عباس لا يستطيع خرق القيادة التاريخية وتجاوز صلاحياتها وتأثيراتها المعنوية. الجمع إذن هو عملية ترتيب للانقسام، وليس وحدة فلسطينية على المواقف والقرارات. لذلك يتوقع أن يتجدد الخلاف بين الطرفين حين تنتقل الحكومة من موقف المتلقي للقرارات إلى لعب دور المنفذ الميداني للصلاحيات التي نصت عليها المواد الدستورية.

المشكلة أساسا ليست في عباس (أبومازن)، وكذلك ليست في عرفات، المشكلة ان السلطة الفلسطينية المركزية لا تجربة سابقة عندها على التنوع والاختلاف في التوجهات الرسمية. فالعادة جديدة ولابد أن تتدرب عليها القيادة لتصبح من تقاليد ممارسة السلطة.

تقليديا هناك سلسلة تجارب فلسطينية على التنوع السياسي والتعدد الايديولوجي في منظمة التحرير أو على مستوى حركة فتح (كبرى المنظمات الفلسطينية)، إلا ان تلك التجارب لم تنقل من ساحة الفكر إلى ساحة الممارسة العملية التي تطال جوهر القرار الفلسطيني الذي وصف مرارا وتكرارا بالمستقل... إلا أنه انتهى الآن إلى نوع من المشاطرة أو المقاسمة في الحصص والأدوار.

الآن لم يعد القرار الفلسطيني يتحرك باستقلال عن مجموع تأثيرات الشارع وتوازن القوى ومواقع الأطراف العربية ودور الضغوط الدولية الأميركية ـ الأوروبية أحيانا والأميركية ـ الإسرائيلية أحيانا أخرى في صوغ السقف السياسي الذي تتحرك القيادة الفلسطينية تحته. فعرفات على رغم قبوله بالوساطة المصرية يرى أن عباس حقق سلسلة اختراقات مستقويا بالضعف العربي الناجم عن احتلال العراق، ومستفيدا من قدرة «إسرائيل» على ممارسة نفوذها وضغوطها على القرار الفلسطيني من خلال المظلة الأميركية على دائرة «الشرق الأوسط» الإقليمية.

بدوره عباس يدرك أن عرفات في موقف حرج، وهو لا يستطيع التحرك أو المناورة من دون قراءة التعديلات التي أدخلها احتلال العراق على البنية السياسية لبلدان «الشرق الأوسط» وظهور أزمة حارة تحتاج إلى معالجة تدعى «أزمة العراق». ففلسطين الآن لاتزال في أولوية البرنامج العربي، إلا انها ليست الأولوية الوحيدة. فهناك إلى جانبها سلسلة استحقاقات خطيرة سنرى بعض نتائجها في الشهور القليلة المقبلة سواء في الدائرة العربية المحيطة بالعراق أو بالدائرة التركية ـ الإيرانية.

هذه الأولويات المتعددة ضغطت على البرنامج العربي، وأخضعته لسلسلة قرارات قد تخرج بجملة تصورات لا تنطبق بالضرورة مع المصلحة الفلسطينية وجوهر الصراع العربي ـ الصهيوني.

عباس إذن استفاد كثيرا من اضطراب الفضاءات العربية وتشتت الانتباه وعدم التركيز على قضية العرب الأولى لتحقيق خرق موضعي يجد في التشجيع الأميركي ملاذه السياسي الذي يمكن توظيفه في العلاقات المباشرة مع «إسرائيل». وعباس يدرك أن منصب رئيس الوزراء ليس مهما في التوازنات الفلسطينية. فتلك التوازنات لا تنسجها صلاحيات إدارية في السلطة التنفيذية، بل تبلورها موازين القوى على الأرض ومدى تأثير الفصائل على الشارع والاتجاهات العامة للشعب الفلسطيني. إلا ان أهمية المنصب ليس موقعه الإداري في التنظيمات والصلاحيات التي نص عليها الدستور الفلسطيني بل في تشكيله غطاء للقوى التي تريد التدخل في الشئون الداخلية وإدارة الصراع من داخل السلطة الفلسطينية. فالمنصب استحدث بضغوط أميركية وبعد سلسلة نصائح أوروبية، واختيار عباس لهذا المنصب فرض فرضا بعد سلسلة إشارات وإرشادات وإيحاءات جاءت من واشنطن وبروكسيل وتل أبيب. فالكل قال: هذا المنصب لهذا الرجل ولا نريد أن نرى أية شخصية فلسطينية في رئاسة الوزراء إلا عباس.

هذا يؤكد أن المنصب بحد ذاته ليس مهما، كذلك الإصلاحات الإدارية التي فرضت على عرفات. فالمهم هو الشخص الذي سيتبوأ هذا المنصب ويديره ليس نحو المزيد من الإصلاحات، بل لفتح باب التنافس والمناقصة على ما تبقى من حقوق للشعب الفلسطيني. فالإجماع على اختيار عباس لمنصب رئيس الوزراء يشير إلى أن الاختيار ليس حرا، بل فرض بالقوة السياسية على عرفات للقبول بالشخص في المنصب الذي أجبر على استحداثه.

المسألة ليست حرية الاختيار، بل تقلص الاختيارات وتراجعها إلى درجة متدنية عجز خلالها عرفات عن رفض تشكيلة عباس الوزارية إلا في الحدود المشروطة والمتوافق عليها دوليا وإقليميا.

وتقلص خيارات عرفات أفسحت المجال للوساطة المصرية بالنجاح. ونجاح الوساطة جاء على قاعدة انقسام «البيت الفلسطيني» لا وحدته

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 231 - الخميس 24 أبريل 2003م الموافق 21 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً