العدد 234 - الأحد 27 أبريل 2003م الموافق 24 صفر 1424هـ

على حافة الهاوية... قراءة مختلفة لغزو العراق

طراد حمادة comments [at] alwasatnews.com

يشترط أفلاطون في محاورة السياسي الحرب بالحكمة التي تجمع بين الليونة والخشونة، وفي ذرائعيته، ربط الأعمال بالمنفعة المرتجاة من نتائجها، واشتهر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) بنصائحه لقادة جنده، ألا يضعوا البحار، حاجزا بينه وبينهم، وخسر نابليون حروبه المتتالية حين أرسل جيشه بعيدا في البر الروسي القارس. وفي واحدةٍ من خطبه، ذكر الرئيس الأميركي جورج بوش أن الولايات المتحدة، كانت تشعر قبل حوادث 11 ديسمبر/ أيلول أنها محمية وراء مياه المحيط، حتى فاجأتها الضربة في قعر دارها، أوعز قادتها، لفرق الجند، بأن يذهبوا وراء المحيطات، لينتشروا في جبال أفغانستان، وصحراء العراق، لعلهم يطاردون الخوف وراء مياه البحار. وفي كتابه الباب الحادي عشر يذكر العلامة الحليّ، في مبحث الالهيات أن الخوف شعور انساني يقود صاحبه الى معرفة الله سبحانه وتعالى وتلك خاصية، تجعل الحرب عملا طائشا، لأنها جرأة على الله في قتل عباده، بدل أن يكون الخوف الباعث على معرفته بحكمة يستفاد منها الرحمة والتعاون على البر والتقوى وليس التعاون على الاثم والعدوان. ورفضت الأمم المتحدة بأكثريتها مجاراة أميركا ومن يرغب من الحلفاء، في الذهاب الى الحرب، بل ملأت شوارع المدن العالمية الكبرى شعارات السلام ورفض الحرب واعتبارها ظالمة وغير مبررة.

هل تكون الولايات المتحدة خائفة على أمنها ومستقبل أهلها، أو أنها لا تخاف الله ولا تعرفه، وهي تجافي الحكمة، وتبتعد عن المنفعة والفائدة، ابتعادها القصىّ، ما وراء البحار، وأية أميركا هذه ما بعد حوادث 11 سبتمبر، والحرب على أفغانستان والحرب على العراق، هل هي نمر عجوز، أو نمر خائف أو نمر جريح، أو آلة عمياء، لا عقل لها سمع ولا بصر، طيش في طيش، تخبط خبط عشواء من تعب تمثه ومن تخطئ، يعمّر فيهرم.

خسرت الولايات المتحدة حتى الآن، سلسلة من المواجهات، في السياسة والحرب والاعلام وهي مرشحة لخسارات جديدة، تضع العالم، في ميزان قوى متجدد، كان المراقبون يظنون أنها أضحت القوة الوحيدة التي تحكم العالم بعد «الحرب الباردة».

ولذلك في اعتقادنا أسباب رئيسية من أهمها، فقدان الحكمة، والخوف من الله في معرض الحديث عن الخوف على الذات، والذهاب الى أقصى العالم وراء المحيطات، كما يذهب الدب إلى المصيدة. وذلك علامة التخبط الثقيل في الفكر والاستراتيجية والخطاب السياسي والأخلاقي. الذي يعنينا من هذا كله، الحال الذي سيكون عليها عالمنا، إذا ما وصلت قوة كأميركا الى مرحلة الانحدار وهي تملك ما تملك من أسلحة الدمار، فهل ندفع خوفها الى نهايته أو نعيدها الى جادة الصواب، وأي من هذين الاحتمالين ممكن الحصول في المستقبل القريب؟

في إدارتها حوادث 11 سبتمبر لم يفكر العقل الاستراتيجي الاميركي في أسباب ما حصل، بل أظهر غباء يثير العجب من خلال الانقياد الى السؤال الآخر، لماذا فعلتم بنا ما فعلتم، من دون سؤال، لماذا حصل بنا ما حصل؟ وكأن الذين نفذوا ضربة 11 سبتمبر استطاعوا قيادة أميركا الى حيث يريدون. وتمثل هذا الأمر في مستويين.

- خسارة حرب أفغانستان في أهدافها المعلنة فلا استطاعت أن تقود اسامة بن لادن الى العدالة، ولا استطاعت أن تجعل من الارهاب نسيا منسيا، بل اندفعت لتمارس الارهاب الدولي، كقوة عسكرية عظمى، التفتت الى القوة، (الخشونة)، ولم تلتفت الى السياسة (الليونة) كما هو الأمر في نصيحة أفلاطون بحكمة الحرب.

- في إدارتها لنزع أسلحة الدمار من العراق، وفق منطوق القرار 1441 من خلال فرق التفتيش الدولية خسرت المعركة الدبلوماسية في مجلس الأمن، وظهر الجنرال كولن باول صاحب نظرية استخدام كامل القوة، دبلوماسيا من الدرجة الرابعة، لا حول له ولا قوة، داخل الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن.

وقي قيادتها لتحالف من يرغب في الحرب على العراق، تعاملت مع الحلفاء، كذلك الدب الذي قتل صاحبه في القصة الشهيرة، لجلال الدين الرومي، حتى يمكن أن يقال لرئيس وزراء بريطانيا طوني بلير، الذي سيخسر زعامته على حزبه وقيادته للحكومة البريطانية، ما قاله مولانا جلال الدين في المثنوي عن صداقة الأحمق. إن صداقة بلير لبوش مصيرها أن يدفع بلير ما دفعه في قصة المثنوي صاحب الدب، جرّاء فعل صديقه وهو يرغب في طرد الذباب عنه، ورميه بحجر ثقيل أودى بحياته قبل أن يودى بالذباب المزعج.

وخسرت أميركا حربها الاعلامّية والأخلاقية، من خلال الحركة العالمية الناهضة، في معارضة الحرب، ولم تستطع خطب قادة الادارة الاميركية، ان تكسب الرأي العام العالمي الى جانب الحرب، بل ذهبت الى حرب، خسارة في ساحة الخطاب السياسي (في الاخلاق والاعلام) وهي القوة الاعلامية الكبرى.

دمرت الولايات المتحدة صدقيتها مع أوروبا، ولعلَّ المثال الألماني، يكشف عن خسارة فادحة تعيد الخطوات الى الوراء، لتجعل من الأرباح والمنافع المستفادة من نتائج الحرب العالمية الثانية، سندات فاقدة القيمة، وفي مهب الرياح العالمية العاصفة، عكس أشرعة السفن الاميركية التي تبدو تائهة في البحار، لا تجد أصدقاء لها كما هو الحال في الموقف التركي، وكما هو الحال، في موقف التحالفات التي استطاعت انشائها في المنطقة من خلال حرب 1991 على العراق.

لم تربح الادارة الاميركية كسب المعارضة العراقية الى جانبها وبدأ كثيرون من أصدقائها في المنطقة يراجعون حساباتهم، على طريقة بلير، من الأكراد في شمال العراق، الى الفصائل المعارضة في الجنوب والوسط. وفي اعتقادي ان علاقة الولايات المتحدة مع المعارضة العراقية، هي نقطة الضعف البالغة الأثر في المخطط الأميركي. ليس لأن المعارضة عصية على التفاهم مع أميركا، بل لأن الادارة الاميركية لا ترغب في التفاهم مع هذه المعارضة، لأن خطتها في العراق لا تسمح بوجود طرف عراقي مشارك لها. إنها لا تريد شريكا إلاّ على طريقة صداقة الأحمق في قصة الرومي.

ويبدو أن سلسلة الأخطاء مستمرة بطريقة غرائبية، وهي تندفع إلى أقصاها، من خلال الموقف الأميركي من إيران وسورية في توجيه رسائل التهديد الصريحة، التي تكشف عن غباء سياسي مطلق لا يتفهم الموقف الايراني، والسوري من الحرب، ذلك الموقف المنسجم مع مصالح البلدين، والعقلانية الدولية، المناقضة للحرب. وعليه يكون خطر توسيع الحرب، هو ثالثة الأثافي التي ستجعل من الموقف الاميركي في مهب رياح عاتية.

هل تنزلق أميركا الى حرب شاملة في المنطقة؟ وهل تكون هذه الحرب من أهدافها الرئيسية، وما الدور الذي سيلعبه العدو الصهيوني؟

إن وقوف دولة كبرى على حافة الهاويّة (أو دفع العالم إليها) أمر خطير للغاية، وعليه فإن العالم مطالب باعادتها الى صوابها، وإلاّ إذا تطور الموقف في حركة هروب إلى الأمام، فإن الذي سيسقط في الهاوية، هو ذلك الواقف على حافتها، والخط العام لأميركا في حركة انحدار

العدد 234 - الأحد 27 أبريل 2003م الموافق 24 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً