العدد 247 - السبت 10 مايو 2003م الموافق 08 ربيع الاول 1424هـ

سورية تدفع فاتورة الحرب على العراق

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

ربما شعر السوريون أكثر من غيرهم، وهم يسمعون تصريحات وزير الخارجية الأميركي كولن باول بعد زيارته دمشق بعبء فاتورة الحرب الأميركية - البريطانية على العراق، وخصوصا ان باول، لم يكن يخفي عنجهية ممثل القوة الطاغية وصلفها، وهو يقول إنه يأمل المزيد من تحولات السياسة السورية في اتجاه التوافق مع السياسة الأميركية في المنطقة، وانه ينتظر الأفعال لا الأقوال.

والحق، فان قيام سورية بدفع فاتورة الحرب على العراق، تبدو محصلة طبيعية لكل التطورات الدراماتيكية، التي توالت في الأشهر القليلة الماضية، بما كان فيها من استعدادات أميركية للحرب على العراق، ثم اندلاعها، وما تمخضت عنه من نتائج داخل العراق وخارجه، وما رافق ذلك من سياسات ومواقف سورية.

لقد قابل السوريون، استعدادات الحرب باعلانهم رفض الحرب، داعين الى معالجات وحلول سياسية للموضوع العراقي، تتوافق مع اطر الشرعية الدولية وقراراتها، ثم اظهروا معارضة الحرب، واعلنوا الوقوف الى جانب العراق، ثم فصلوا في ذلك بالقول، انهم يقفون الى جانب الشعب العراقي، وعندما تمخضت الحرب عن نتائجها، رفض السوريون تلك النتائج، وطالبوا بحصر النتائج في حدودها الدنيا.

والموقف السوري من الحرب، بدا متناغما في البعدين الرسمي والشعبي، ودفع هذا التناغم الى بروز موقف سوري قوي، لم يكن مثله موقف آخر ضد الحرب في المستويين الاقليمي والعربي، وكان بين تعبيرات الموقف تنظيم حملات تبرع لمساعدة العراقيين، وقيام مجموعات من المتطوعين السوريين بالتوجه الى العراق للمساعدة في الدفاع عنه ضد العدوان الاميركي - البريطاني، وقد تم القيام بهما من جانب هيئات اهلية ومحلية الطابع، وسط سكوت رسمي.

وبطبيعة الحال، فقد اثار الموقف السوري استياء الولايات المتحدة، لانه يفتح باب معارضة قوية لسياستها في المنطقة وفي العراق خصوصا، ولأنه في آن معا، يمكن ان يفتح الباب لمقاومة عراقية، قد تجر شعوب المنطقة وربما بعض دولها الى مقاومة الوجود الاميركي في العراق.

وبدا من الطبيعي في ظل الغضب الاميركي، قيام واشنطن بفتح الملفات المطوية في العلاقات السورية - الأميركية، اضافة الى فتح ملفات جديدة تتصل بموضوع العراق، وهكذا ظهرت الاتهامات الأميركية لسورية بتزويد العراق بمعدات عسكرية، والقيام بتخزين اسلحة دمار شامل عراقية في أراضيها، ثم إيواء رجالات النظام العراقي، ولاسيما بعد انهيار السلطة الحاكمة في بغداد، وتطورت الاتهامات الى تهديدات ظاهرة ومبطنة أطلقها كبار المسئولين ضد سورية داعين الى تعاونها مع الولايات المتحدة الامر الذي كان يعني توافقا سوريا مع سياسة واشنطن في المنطقة وفي العراق على وجه الخصوص.

غير ان السياسة السورية حاولت بالاستناد الى عوامل مختلفة التقليل من اهمية التهديدات الأميركية اعتمادا على تجارب سابقة في علاقات دمشق - واشنطن في الخلاف على ملفات قديمة منها ملف وجود سورية في قائمة واشنطن للدول الداعمة لـ «الارهاب» من خلال علاقاتها مع حزب الله اللبناني والمنظمات الفلسطينية، وملف الوجود السوري في لبنان، ومثله معارضة سورية للتسوية على جبهة الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي من اتفاق أوسلو وما بعده، كما استند الموقف السوري في تعامله مع التهديدات الأميركية مستندا الى معارضة العالم للحرب على العراق ولاسيما معارضة دول كبرى منها فرنسا والمانيا وروسيا والصين.

غير ان التقليل من اهمية التهديدات الأميركية، لم يكن يأخذ في الاعتبار، حقائق جديدة فرضتها الحرب على العراق وفي المقدمة منها، ان معارضة الحرب على العراق لم تتعد في بعدها الدولي حدود رفض الحرب وادانتها، قبل ان تأخذ الدول الكبرى في التراجع عن مواقفها، كما بدا الموقف الفرنسي تحديدا، كما ان بين الحقائق الجديدة، ان القوات الأميركية صارت موجودة عمليا على الخاصرة الشرقية لسورية، وان استراتيجية الولايات المتحدة في صوغ الشرق الاوسط بصورة جديدة دخلت حيز التطبيق انطلاقا من العراق، وأهم مما سبق كله، ان سورية بلد صغير محدود الامكانات والقوة في مواجهة الامكانات والقوة الأميركية لا العسكرية فقط، وانما السياسية والاقتصادية، ووسط تلك المعطيات، صار على سورية، ان تتعامل بصورة جدية مع التهديدات الأميركية، التي تبلورت في سياق توترات علاقات الطرفين بسبب الحرب، مما فتح باب تفاهمات سورية - أميركية، بدأت في حوارات القنوات الدبلوماسية، قبل ان تبلورها زيارة وزير الخارجية الاميركي لدمشق ومباحثاته مع الرئيس بشار الأسد ووزير الخارجية فاروق الشرع.

إن الأهم في نتائج زيارة الوزير الاميركي ومباحثاته في دمشق، كان الحصول على موقف سوري جديد بشأن العراق، وهو موقف كانت تجسيداته العملية، بدأت قبل زيارة باول لدمشق، جاء في سياقها اغلاق الحدود مع العراق، ومنع العراقيين الذين وصلوا سورية من الاقامة فيها، كما كان الامر بالنسبة الى مقربين من الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وتعزيز القيود على دخول العراقيين واقامتهم في الاراضي السورية، وهي خطوات مهدت للموقف السوري الجديد والذي حصل مع زيارة باول على تأكيدات أميركية بالعمل على صيانة وحدة العراق، واقامة حكومة تمثل فئات الشعب العراقي، تكون ذات علاقات حسنة مع دول الجوار وخصوصا مع سورية.

والأمر الثاني في نتائج زيارة باول، كان في توافق أميركي - سوري، يتصل بالموضوع الفلسطيني ومشروع «خريطة الطريق» الأميركية، واستبقت سورية الزيارة بتأكيد الرئيس الأسد، ان سورية تقبل ما يقبله الفلسطينيون في اشارة الى موافقة سورية على موافقة السلطة الفلسطينية على «خريطة الطريق»، وهو امر يفرض التضييق على معارضي المشروع الاميركي من التنظيمات الفلسطينية الموجودة في دمشق، ويتقاطع مع الطلب الأميركي الجديد - القديم باغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية في دمشق، مقابل تأكيد أميركي، بأن «خريطة الطريق» خطوة في سياق تسوية سياسية ستشمل لاحقا، تسوية سورية - لبنانية مع «اسرائيل».

لقد أغلقت زيارة باول لدمشق اهم نقطتين ساخنتين في العلاقات الأميركية - السورية، وهو امر يضع النقاط الاخرى على قاعدة الحل، ومنها موضوع علاقة سورية مع حزب الله، والوجود السوري في لبنان وغير ذلك.

واذا كان من الصحيح، ان التوافق السوري - الاميركي بشأن الموضوعين العراقي والفلسطيني، انما يعني تراجع الموقف السوري في الموضوعين، فانه يعني في الوقت نفسه حصول سورية على تأكيدات أميركية في الموضوعين، قد لا تكون كافية، وغير مساوية لما قدمته سورية، لكن ذلك يندرج في سياق فاتورة الحرب على العراق التي تدفعها سورية، وقد يكون فيها حيثيات وتفاصيل أخرى مؤجلة في الوقت الراهن

العدد 247 - السبت 10 مايو 2003م الموافق 08 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً