العدد 247 - السبت 10 مايو 2003م الموافق 08 ربيع الاول 1424هـ

شهر العسل الديمقراطي يجب أن لاينتهي

راشد محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

في الدول الغربية الديمقراطية عادة ما تكون هناك فترة علاقة حميمة او على الاقل غير تصادمية تصل إلى مئة يوم وتسمى «بشهر العسل» بين المجتمع وادارته السياسية، يبدأ من يوم وصول الحكومة إلى السلطة لتنفيذ برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي في خطة التنمية الشاملة التي تكون قد أعدّتها قبل عرضها واقرارها داخل البرلمان. ولكن ما ان ينتهي شهر العسل حتى تبدأ عملية المحاسبة على خلفية ذلك البرنامج وتلك الخطة لتشمل النتائج والانجازات والاخفاقات. والمحاسبة تأخذ شكل الرقابة على الاداء الحكومي قبل المشاركة في طرح الآراء وردود الفعل بالتأييد او النقد او التحليل لدى شرائح المجتمع المدني المختلفة بما فيها البرلمان، والاحزاب، والصحافة، والكنيسة، والنقابات، والجامعات، ومعاهد البحث، واصحاب الفكر المستقل، والشارع الذي يعبر عن رأيه من خلال استفتاءات الرأي المنتظمة اومن خلال المسيرات او التظاهرات السلمية.

هذا في الغرب الديمقراطي إذ حرية الرأي والسجال المستمر هما من سمات المجتمع المفتوح والدائم الحركة، والذي تحاول شرائح المجتمع المدني من خلاله التوصل إلى وفاق عام حول كل قضاياه بعد ايصالها وشرحها وتحليلها وتمحيصها وحتى الخلاف عليها، إلى ان يتم الفصل فيها اخيرا عن طريق صندوق الانتخاب. وفي محاولة دائمة منها للتوصل إلى الصالح العام لا تتوقف شرائح المجتمع تلك عن السجال الموضوعي لمحاولة تصويب القرارات او تغيير سير الخطة او الدفع إلى الرجوع عن الخطأ!

اما في الطرف الآخر من المعادلة وتحديدا في الجمهوريات الشمولية العربية إذ يستمر العهد إلى ما لا نهاية له طبقا للدساتير المعدلة والمفصلة على مقاس «سيادة الرئيس القائد الرمز حفظه الله»، لا يمكن السماح ابدا بان ينتهي شهر العسل بين الحكومات والشعوب السعيدة، وانما تستمر الافراح والليالي الملاح وتقام المهرجانات البائسة شعرا ونثرا ودجلا احتفالا بدوام النعمة والسيادة والبركة والفرحة وحتى لا يتعكر جو الشهر العسلي الدائم لتلك الانظمة الشمولية يصبح شعار «لا يعلو صوت على صوت المعركة» هو السبيل المؤدي إلى اسكات كل الذين لا يشاركون «الرئيس القائد» فرحته.

وفي البحرين إذ تستمر الديمقراطية في ترسيخ قيمها في خطوات كبيرة على الطريق الصحيح، هناك بوادر مشجعة اخذت تنبئ بنهاية لشهر العسل الطويل. ومن هذه البوادر الصحية ذلك النقد الذي بدأ يرتفع تحت سقف البرلمان كما في وسائل الاعلام، عن السياسات والممارسات داخل الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية بما فيها الرقابة المالية والتشريعات المتعلقة بسوق العمل، والبطالة، والتمييز في شغل المناصب والتعيينات، وحقوق العمال في صناديق التقاعد، وغيرها من القضايا التي تهم المجتمع بشكل عام ويجري السجال حولها في محاولة لايجاد الحلول لها.

ولكن اليكم هذه الحكاية الادارية! في صباح يوم مشئوم وصل المدير العام في احدى الهيئات الحكومية إلى مكتبه واخذ يتصفح كعادته كل صباح الاوراق التي وصلت للتو إلى مكتبه. وفجأة برزت امام عينيه رسالة «فاكس» من رئيسه، اطال الله في عمره، يخبره فيها باقتضاب شديد بانه قرر تعيين احدهم مكانه، ما يعني انه كان على هذا المدير العام ان يلم اوراقه واشياءه الخاصة ومن ثم يغادر مكتبه للمرة الاخيرة متوجها إلى بيته، واعاد المدير العام قراءة الرسالة لعله يرى بين سطورها ما دعا رئيسه، اطال الله في عمره، إلى اتخاذ مثل هذا القرار المفاجئ. ولكنه لم يجد فيها الشيء الذي يطفئ نار فضوله. ثم نظر ثانية إلى ذيل الرسالة لعله يقرأ فيه كلمات شكر وتقدير لخدماته المتميزة طوال كل هذه السنين، ولكن رئيسه، اطال الله في عمره، خيّب امله مرة اخرى. واخيرا خرج المدير المعزول «بالفاكس» من مكتبه إلى بيته مرفوع الرأس مودّعا بدموع الموظفين الذين خدموا معه والذين احبوه وقدروا فيه كفاءته واخلاصه ونبله وانسانيته واخلاقه الحميدة.

لماذا هذه الحكاية الادارية؟ ربما لنتذكر اننا على اول الطريق في مشوار التغيير، وانه ليست بالكلمات تبنى الادارة الجيدة، وان «الرجل المناسب في المكان المناسب» سيبقى، دائما وابدا، المبدأ الاساسي لكل ادارة على كل المستويات

العدد 247 - السبت 10 مايو 2003م الموافق 08 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً