العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ

رياح التغيير والإصلاح تهب على الخليج

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تختلف دول الخليج من حيث درجة التطور الاجتماعي والسياسي، لكن مواطني الخليج بما بلغوه من رقي وما شهدته بلدانهم ومجتمعاتهم من تحديث، مهيئون لنظام سياسي حديث، عنوانه الملكية الدستورية، يستند على مؤسسات الدولة الحديثة، وفصل السلطات مع تعاونها، والمشاركة الشعبية من خلال ممثلين منتخبين بالكامل.

الكويت... الثورة البرتقالية

تتميز الكويت كونها صاحبة أقدم وأطول تجربة برلمانية في منطقة الخليج، استندت تاريخيا على عقد غير مكتوب بين أسرة آل صباح والتجار خصوصا، والشعب الكويتي عموما، قوامه الحكم في آل الصباح، مع ضمان حقوق ومصالح الكويتيين.

هذه المعادلة اختلت بالتدريج وتقطعت التجربة البرلمانية وأضعف مجلس الأمة وانتهك الدستور مرارا، بفعل السطوة التي وفرتها الثروة النفطية، إذ لم يعد التجار مصدر سند للحكم، بل الحكم هو سند التجار، وهكذا اخترق الحكم طبقة العائلات التجارية ذات النفوذ التقليدي واستغلال فئات اجتماعيه واسعة.

ورغم أن احتلال العراق للكويت في 1991، مثل فرصة للعائلات التجارية والمعارضة خصوصا لتصحيح الأوضاع، وعلى رغم تعهدات الحكم في مؤتمر الطائف في أكتوبر/تشرين الاول 2000، إلا أن تلك التعهدات ذهبت أدراج الرياح، واستمر الوضع نحو مزيد من إحباط النظام الديمقراطي واستشراء الفساد وانعدام التخطيط.

في التاريخ لحظات نادرة تتفجر بالطاقات، وهو ما حدث في الكويت خلال الأشهر الأولى من هذا العام، إذ تضافرت عدة عوامل محلية ودولية لتطلق حركة جماهيرية قوامها أساسا النساء اللواتي حصلن على حق المشاركة السياسية مؤخرا، والشباب الذي استشعر قدراته، ومجموعة من الـ 29 من النواب الذين ضاقوا ذرعا بتهميش السلطة لمجلس الأمة ليحدث تحالف تقاطع المصالح شعاره «نبيها خمسة»، أي تحويل الكويت إلى 5 مناطق انتخابية بدل الـ 25 الحالية، والتي أفسدت الحياة السياسية وشرعنت لفساد العملية الانتخابية وحولت النواب إلى وكلاء خدمات.

وتدافعت الأحداث بعد تراجع الحكومة عن مشروع الدوائر العشر، لتحدث المواجهة بين الحكومة وحلفائها والنواب الـ 29 المدعومين من الشارع في اصطفاف كسر التقسيمات الانتخابات التقليدية (سنة/شيعة، اسلامين/علمانيين، عرب/عجم). وهكذا عمد الأمير إلى حل المجلس المتمرد وأجريت الانتخابات النيابية التي كان لها طابع لا سابق له من حيث الاستقطاب السياسي بشأن برنامجين وتسييس القضايا، وطرح معضلات النظام الكويتي ودور الأسرة الحاكمة.

نتج عن الانتخابات تعزيز كتلة المعارضين (نبيها خمسة) اذ ارتفع نوابها إلى 35 نائبا،على رغم أن الوزراء الـ 16 هم حكما أعضاء في مجلس الأمة. ودخلت المرأة لأول مرة العملية الانتخابية مرشحة وناخبة، وعلى رغم عدم فوز أي من النساء فإن العنصر النسائي كان فاعلا في العملية الانتخابية وبرامج المرشحين.

وعادت التشكيلة الوزارية من دون تغيير جوهري، ما يعني عدم الاستجابة للمطالب الشعبية في الإصلاح ومحاربة الفساد، وهو مؤشر على ممانعة الحكم لإصلاح النظام وإدخال تغييرات جوهرية عليه، ما ينذر بصراع طويل وصعب ومعقد بين قوى الإصلاح بمختلف انتماءاتها، وبين الحكم وحلفائه. لكن ما حدث في الكويت كبير الأهمية، لأنه حوّل الحالة الجماهيرية المفاجئة إلى جماهير منظمة مؤطرة، وتطوير الشعارات إلى برنامج عمل تفصيلي.

قطر... الإصلاح من فوق

من دون التقليل من أهمية تحركات النخبة القطرية من أجل الإصلاح، لم يتوفر لقطر القوى المجتمعية المنظمة القادرة على الضغط من أجل الاصلاح، من هنا فإن المشروع الذي أطلقه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بعد وصوله الحكم، تبنيت ملامحه بالاستفادة من التحالف مع القوة العظمى الوحيدة في العالم، لحمايتها من تعديات وأطماع الكبار بالمنطقة، وتقديم التسهيلات العسكرية لها، وإمكانية إقامة علاقات مع «إسرائيل» كأحد شروط هذه العلاقة. مع الانتقال بالبلاد من مرحلة الجمود والتزمت، إلى انطلاقة التحديث الاقتصادي والاجتماعي، خصوصا مع توافر مداخيل هائلة من الغاز الطبيعي والنفط.

وكان إدخال الإصلاحات السياسية تدريجيا، وذلك بتشكيل أول مجلس بلدي منتخب، ومشاركة المرأة انتخابا وترشحيا، وإصدار أول دستور دائم مماثل لدستور الكويت. ومن المنتظر إجراء أول انتخابات نيابية على أساسه في نهاية العام، مع كون الوزراء أعضاء بالمجلس.

وتشهد قطر فورة عمرانية هائلة وانفتاحا لا سابق له، وذلك في سياق تسابق دول المجلس (باستثناء السعودية) على الانفتاح وتشجيع الاستثمار للاستفادة من تدفق عائدات النفط الكبيرة. ولعل أول ما يتبادر إلى الأذهان عند ذكر قطر محطة «الجزيرة»، التي لا سابق لها في المنطقة العربية، ولم تستطع القنوات العربية الحكومية ولا الخاصة أن تجاريها. ولعل هذه إضافة قطرية نوعية في حركة الإصلاح العربي في حقل حرية التعبير، مع استقطاب قطر للكثير من الفعاليات العربية والدولية من مؤتمرات وندوات وغيرها في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاح، وفي الوقت ذاته مؤتمرات التطبيع مع الغرب مثل مؤتمرات الناتو والتجارة الحرة وغيرها.

الإمارات... تحديث الاقتصاد لا السياسة

عندما تذكر الإمارات العربية المتحدة يتبادر إلى الذهن المعجزة الاقتصادية لدبي التي أضحت مدينة دولية حديثة، نجحت في استقطاب استثمارات فلكية محركة اقتصادا دينامكيا دون أن تستند إلى ثروة ثابتة، نفطية أو غيرها. ويمثل اقتصاد الإمارات التي لا يزيد سكانها عن 3 ملايين، أقل من الثلث مواطنون، ثاني اقتصاد عربي!

ولا شك ان الإمارات باقتصادها وتخطيطها العمراني وجامعاتها ومصانعها، دولة حديثة، ولكن علينا إدراك أن الإمارات هي دولة كنفدرالية من إمارات سبع متعايشة، تحكم كلا منها أسرة حاكمها لها مطلق السلطة على إمارته. من هنا فقد ظل الإصلاح يفتقد إلى قاعدة جماهيرية وقوة اجتماعية، حيث القاعدة مفتتة بين إمارات سبع، والولاءات مجزأة.

اما التغيير الجزئي فهو غياب أهم قائدين تاريخيين للاتحاد، وهما حاكم ابو ظبي ورئيس الاتحاد الشيخ زايد، ونائب الرئيس حاكم دبي الشيخ راشد المكتوم، وحلول حاكمين من الجيل الثاني: الشيخ خليفة بن زايد كرئيس للاتحاد، وأخوه غير الشقيق الرجل القوي محمد بن زايد حاكما لأبوظبي ورئيسا للأركان، والشيخ محمد بن راشد حاكما لدبي ورئيسا لوزراء الاتحاد، وشكل ذلك إيذانا ببدء تغييرات سياسية جزئية تمثلت في تعديل نظام تعيين أعضاء المجلس الوطني (الاستشاري)، فبدلا من تعيين ممثلي الإمارات من قبل الحكام، يتم ذلك من خلال مجمع في كل إمارة قوامه 150 شخصا يعينهم الحاكم، وبدورهم يختارون ممثلي الإمارة في المجلس الوطني.

أما الإشارة الثانية فتكمن في الترخيص لجمعية الإمارات لحقوق الإنسان بعد طول ممانعة، والسماح بتشكيل اللجان العمالية، انصياعا لشفافية التجارة الحرة المرتقبة مع الولايات المتحدة.

عمان... إصلاح بقيادة أبوية

يعتبر وصول السلطان قابوس بن سعيد إلى الحكم في 26 يوليو/تموز 1970 بداية حاسمة لدخول عمان القرن العشرين، وبداية لتحولات عميقة وواسعة في الدولة والمجتمع. وكانت البلاد حينها تشهد ثورة راديكالية مسلحة بقيادة ماركسية، في الإقليم الجنوبي (ظفار)، تستند إلى تنظيم سري في عمان وبعض مناطق الخليج العربي، إذ جرت محاولات مد الكفاح المسلح لشمال عمان. من هنا فقد كان التحدي أمام السلطان قهر الثورة المسلحة، وفي الوقت ذاته الانطلاق بعمان بسرعة نحو التحديث وتأمين الاستقرار.

حقق السلطان الهدفين، وهو يقود البلاد منذ 36 عاما، ويتحكم في وتيرة وأبعاد وعمق عملية التحديث التي طالت البنية الاقتصادية والاجتماعية وبينة الدولة التي لم تكن أصلا موجودة، وإخراج عمان من عزلتها لتندمج في محيطها الخليجي والعربي والدولي.

وترتب على هزيمة الثورة تدمير بنية المعارضة، وعدم قيام معارضة جدية بحيث تأتي المبادرات دائما من قبل الحكم. لكنه لوحظ أيضا بروز معارضة إسلامية محافظة مرتين على الأقل، تعترض على ارتباط عمان بالولايات المتحدة، وما يعتبرونه انحرافا عن الحكم الإسلامي بمفهومه الاباضي المتشدد.

وفي ظل التحديث الواسع في عمان فإن الاصلاح السياسي والمشاركة السياسية ظلت محدودة وبطيئة جدا، وخاضعة لرقابة صارمة من السلطان، اما الإصلاح السياسي فتمثل في تطور مجلس الشورى، الذي كان يجري تعيين أعضائه بالكامل ولا يملك صلاحيات تذكر، إلى انتقاء أعضائه من قبل مجموعة يختارها السلطان ليقوموا بانتقاء 3 أشخاص لكل ولاية، ثم يختار السلطان أحدهم كممثل عن كل ولاية. ثم تطور الوضع في الدورة الأخيرة بإجراء انتخابات عامة ولكن دون حماس، لأعضاء مجلس الشورى. والملاحظة هو إدخال المرأة تدريجيا في المجلس بالتعيين، ثم انتخابها من خلال الناخبين رجالا ونساء. كما زيدت صلاحيات الشورى تدريجيا لتشمل مساءلة الوزراء.

من جانب آخر، سمح تدريجيا بإنشاء جمعيات تخصصية للأطباء والمهندسين... لكن اللافت اخيرا هو إصدار قانون عمل يسمح بقيام النقابات العمالية في المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى، ويأتي ذلك في إطار اتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.

تقييم واقعي لعمليات الإصلاح

من خلال مراجعة عملية الاصلاح التي تطرحها الحكومات في دول مجلس التعاون، نرى أن وتيرة ومدى وعمق الاصلاحات تتباين من بلد لآخر. وهذه الاصلاحات تتم بقرار من السطات، وهي وان كانت استجابة لضغوطات داخلية كما هو الحال في الكويت والبحرين والسعودية، بموازاة ضغوطات خارجية، إلا أنها لا تتم بمشاركة المجتمع وممثلي المجتمع والقوى السياسية الموجودة واقعا، وإن لم يتم الاعتراف به قانونيا (باستثناء البحرين).

ان هذه الاصلاحات لا تستهدف إدخال إصلاحات عميقة تطال بنية النظام والمجتمع، وإنما هي إصلاحات لاحتواء الضغوطات الداخلية والخارجية والتأقلم مع بنية دولية جديدة، والتعاطي مع مشاكل جديدة. وعلى الرغم من حركة الاحتجاجات التي تظهر على السطح بين وقت وآخر، إلا أن هيمنة الدولة شبه المطلقة، في ظل نظام ريعي، ومجتمع مفتّت بحيث لا تشكل مؤسساته أو معارضته قوة حاسمة في مواجهه النظام. ويلاحظ انه كلما حدثت فورة نفطية وتوفرت للأنظمة الخليجية فوائض مالية كبيرة، فإنها تستخدمها لرشوة المجتمع، والتراجع عن الإصلاح السياسي.

*ناشط حقوقي

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً